د.عادل الشجاع - ماذا نحن فاعلون إزاء ما يجري في مأرب وشبوة والجوف، خاصة مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية المقرر اجراؤها في السابع والعشرين من ابريل القادم؟!..
هذه المحافظات الثلاث قدّمت للإنسانية أسس الحضارة والتسامح، لكنها اليوم تقدم صورة تجافي كل الديانات والشرائع السماوية والأعراف.. والسؤال الذي يطرح نفسه هو: من المسؤول عن ذلك؟!.
المواطنون هناك يقولون: إن الحكومة لا تستجيب لمطالبهم، وإن حقوقهم مهضومة مما يضطرهم لقطع الطريق والاختطاف للضغط عليها لتلبية مطالبهم.
ولعل حادثة الاستيلاء على باصات كلية التربية في مأرب وفي أكثر من مرة يوضح ذلك، فقد استولت إحدى القبائل على ثلاثة باصات تتبع كلية التربية بحجة أن الحكومة لم توظف أبناءهم الذين تقدموا بملفاتهم إلى الخدمة المدنية منذ ثلاث سنوات، وقد تفاوض معهم الدكتور أحمد أبولحوم بشكل شخصي وتم الإفراج عن اثنين من الباصات ووعدوا بالسعي لإطلاق الباص الثالث.
هذه الحادثة تدل على أن هذه القبائل لا تريد الإفساد في الأرض؛ ولولا عرقلة حقوقها لما أقدمت على مثل هذه الممارسات.
لكن ذلك لا يعفي هذه القبائل من معرفة أن التوظيف يخضع لشروط ومعايير، وعليها الالتزام بهذه المعايير مثلها مثل بقية المواطنين في مختلف أنحاء الجمهورية، ولا يكون التوظيف بالقوة.
وإذا ما توفر مثل هذا الفهم فلابد للحكومة أيضاً أن تراقب مـا يـجـري وتـأخذ على يد الفاسدين الذين يتلاعبون بحقوق الناس ويحاولون خلق مثل هذه الأزمات.
ومن هذا المنطلق أبادر إلى دق ناقوس الخطر من خلال هذه الصحيفة الرائدة التي تمثل خطوة في طريق ما ندعو إليه ونسعى من أجله.. إننا بحق لم نول الموضوع حتى الآن حقه، وان الأمر يزداد تعقيداً يوماً بعد يوم.
لذلك يتطلب من الحكومة والمشايخ الذين يقودون القبائل وضع الأمن العام نصب أعينهم، ويجعلونه من العوامل الأساسية في كل مشاريعنا الاجتماعية والثقافية والإعلامية، بحيث ننزل كل مصالحنا لصالح مصلحة الوطن.
ولعل كثيرين من المشايخ يقدمون مصالحهم الخاصة على مصلحة الوطن، مستغلين بذلك الثقة الممنوحة لهم بهدف تحقيق وظائفها المحلية وضمان الأمن والاستقرار ودرجة ما من التنمية.
لـكـن بـعـض هـؤلاء المـشـايخ يـسـعـون إلـى الالـتـفـاف عـلـى الحكومة وإثـارة بـعـض الـمـــشاكل لـتـحــقيـق مصالحهم والالتفاف عليها ومـمـانـعـتـهـا عـنـد الـلـزوم.
وقد نجح هؤلاء البعض من خلال هذه الممارسات في إدارج أنفسهم في إطار الدولة والحصول على دعمها دون احترام مصالحها، وهو ما شجع آخرين على الالتفاف عليها وعصيانها.
ولعل الوكالة الفردية التي منحت لهؤلاء بعيداً عن الوكالة الجماعية التي يفترض أن يقوم بها كل أبناء القبيلة هو الذي ساعدها على نزعة حرية التصرف الفردي والضغط على الحكومة وإحراجها في كثير من المواقف.
هذه الممارسات تنطبق على المحافظات الثلاث التي عزز المشايخ فيها موقفهم تجاه الحكومة من جهة وتجاه المجتمع المحلي من جهة أخرى من خلال التشريع للعنف الدائم والمنفلت.
ومن هنا فإنني أعتقد أن ما ترصده عيوننا، وتحلله عقولنا بشأن ما يجري في هذه المحافظات والمتغيرات المحلية والإقليمية لا يترك أمام الحكومة أي خيار سوى ضرورة العمل على مزيد من المواجهة، والمسارعة نحو قراءة أوراق المستقبل بكل تحدياته.
إن ما يجري أمام عيوننا لم يعد يكفي معه مجرد دعوات كلامية للذين يوفرون الحماية لبعض الخارجين عن القانون؛ بالإضافة إلى المجرمين الفارين من بعض دول الجوار ليمارسوا أعمالهم الإجرامية هنا في بلد الإيمان والحكمة، بينما الذين يحمونهم وكأنهم مصابون ببلادة غريبة تبعث على الشك والريبة.
إن ما نحن بصدده الآن أعمق وأشمل من الدعوات الكلامية، وأن مواجهته هي مسئولية جماعية، وقد آن الأوان لإصدار قانون يجرم التطرف ويعاقب من يتستر على مجرمين أو يأويهم، حتى لا يظن هؤلاء المجرمون أنهم بمنأى عن الوصول إليهم ومحاسبتهم وحتى لا يستمرون يعيثون في الأرض فساداً يرتكبون جرائمهم بلا خوف من ضمير أو قانون أو احترام لشرع الله الذي يحرم قتل النفس ويجرم قطع الطريق وترويع الآمنين.
لـقـد آن الأوان لــلأخـذ عـلـى يـد هـؤلاء الـذيـن يــقدمـون عـلـى جـرائـمـهـم الـواحـدة تـلو الأخـرى دون حـسـاب أو عـقـاب.
ولنا أن نتساءل: كيف لهؤلاء الذين يعيشون على سرقة السيارات وقطع الطريق والإتجار بالمخدرات أن يتحدثوا عن الإسلام؟!.. إنهم بلا شك يقفون ضد مصالح الأمة ويريدون العودة بنا إلى أيام الجاهلية الأولى والفقر والانغلاق.
وهنا ينمو الشك الداعي إلى التساؤل: أين هم مشايخ وعقلاء هذه المحافظات الثلاث، وإذا لم يكونوا راضين عن هؤلاء المجرمين، فأين يختبئون، ومن الذي يأويهم؟!.
إن الإرهاب يعطل التنمية خاصة أن هذه المحافظات تتمتع بآثار يمكنها أن تدر ملايين الدولارات على أبنائها وتـشـغـيـل الآلاف مـن الأيـدي الـعـامـلـة، ألـيـس كـل ذلـك مـدعـاة لـلـتـسـاؤل: مـن الـمـسـؤول عـن كـل مـا يـجـري، وهــل الـوطــن ألعوبة بـيـد هــؤلاء؟!.
إنـه تـسـاؤل مشروع يفضي إلى شكوك واجـبـة الطرح، خاصة عندما نرى تراجع ما انتهت إليه هذه المحافظات خلال الفترة الماضية.
إن التستر على الإرهابيين لن يقود اليمن إلا إلى مزيد من الخراب وعدم الالتفات لحقوق أبناء هذه المحافظات مباشرة دون وسطاء سيجعلهم يعيشون خارج إطار الدولة وفريسة سهلة بيد حملة راية العنف والتكفير.
نـحـتـاج فـي الـوقـت الـراهـن إلـى إشـاعـة روح الـتـعـقـل والـحـكـمـة الـتـي خـصّــنا بـهـا الـرسـول عــليـه الـصـلاة والـسـلام وتـرســيخ الـولاء لـلـوطن.
ونـحـن لا نـبـرئ بـعـض الـمــسئـولـيـن مـن أسـبـاب الـتـهـمـيـش الـذي تـتـعـرض لـه هـذه الـمـحـافـظـات والـتـحـيـز لـمـراكـز الـقـوى عـلـى حـسـاب الـمـواطـنـيـن.
خـلاصة الـقـول: نـحـتـاج إلـى وضــع هـذه الـمـحـافـظـات عـلـى طـاولـة الـتـحـديـث وتـرسـيـخ هـيـبـة الـدولـة مـهـمـا كـان الأمـر.
صحيفة الجمهورية |