د/ رؤوفة حسن -
من الصعب أن أخرج من معرض الكتاب السنوي الذي ينعقد بالقاهرة دون أن أعبر قليلا عن حالة قلق وإحباط. ففي قاعة المعرض المخصصة لتواجد الدول والتي تعمل كنوع من العلاقات العامة التعريفية بأوجه النشاط الثقافي وحتى السياحي للبلدان، كانت هناك لافتة مكتوب عليها اليمن. لكن الغرفة المخصصة لليمن كانت خاوية على عروشها. لاكتاب ولا عارض ولا كلمة اعتذار.
لاشيء سوى الغياب.
وبجوارها دولة عربية تمتد قاعاتها وتتكرر نسخ من كتبها المحدودة، فهي هناك رغم أن الإنتاج الثقافي لها محدود، لمحدودية سكانها مقارنة باليمن.
أصبت بخيبة أمل. ترى هل كان الغياب بداية تأثيرات تخفيض الميزانية. كانت من قبل الشكوى قائمة بمحدودية الإمكانيات للشأن الثقافي أما الآن فلن يكون الغياب محل ملامة، بالكاد سيستطيع العاملون في الوزارة وفروعها التمسك بمواقعهم ولقمة عيشهم.
العودة إلى اليمن ذلك المجهول:
خلال فترة طويلة من تاريخ اليمن القريب في الفترة الواقعة على مدى القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين كانت الكتابات الشحيحة التي تصدر عن اليمن هي تلك التي يقوم بها رحالة مغامرون، يحضرون إليها لسبب أو لآخر، فيعودون بمجموعة من الذكريات الغنية تصلح لتأليف كتاب. وكانت عناوين الكتب تدور في الغالب حول ذلك المكان الذي لا يعرف عنه أحد شيئا.
ومهما كان نوع الكتابة، ومهما كانت الحصافة أو السطحية، فقد كان كل كتاب يمثل إضافة نوعية لمعرفة الناس خارج اليمن. كان المغامرون رغم ندرتهم يكتبون عن بلاد لها ثقافة كبيرة لكن أهلها والمسؤولين عنها قلما يعبأون بتعريف العالم على النحو الصحيح بأنفسهم.
ونحن الآن في مرحلة يعتبر فيها الإعلان والدعاية والتسويق الاجتماعي للأشخاص والشعوب عملية ضرورية ولازمة، للتعايش والعيش في زمن العولمة، حيث يكون المنتج الثقافي هو المتميز والقادر على الوصول إلى أسواق العالم لأنه ينهل من تاريخ طويل، وليس له مثيل.
لكن الطريقة التي يتم بها تعليب هذا المنتج وتغليفه وتسويقه وتوزيعه وتوفيره للمتعطشين اليه هو الحد الفاصل بين منتج ثقافي وآخر.
وليس على اليمنيين البحث عن ثقافة من المريخ بل تقديم الثقافة القائمة. تعريف الناس بالكتب التي يتم طبعها كل عام، من كل أنواع الأدب والفكر عبر المعارض التي يحضرها عدد لايحصى من الناس في أماكن أخرى من العالم. فإقامة معرض في اليمن أمر جميل لكن مسؤولية المشاركة في المعارض الخارجية ضرورة حتمية.
يجب أن لا نعتمد على وسائل الإعلام الخارجية التي لا تعَرف باليمن ولاتنقل من أخبارها سوى التخريب أو الكوارث أو الإرهاب. بالرغم من أن هناك منتجا ثقافيا وفكريا يضع اليمن رأسا برأس مع منتجي الثقافة من كل مكان، علما وفكرا ومسرحا وشعرا وقصة ورواية إلى آخر أنواع المعارف البشرية.
ففي ست عشرة جامعة حكومية وخاصة يوجد إنتاج ثقافي ومعرفي يكفي لعدد لا يحصى من المعارض. ولا يصح أن يبقى معرض في أي دولة مع غرفة مخصصة لليمن ولا يوجد داخلها كتاب واحد مهما كانت الميزانية محدودة.
التضحية بالثقافة:
كنت في زيارة احد المتاحف اليمنية قبل عامين وكانت الشكوى المرة أن ميزانية التشغيل للمتحف كانت في حدود تسعة آلاف ريال. بمثل هذه الميزانية كيف نتوقع من المتحف ان يحافظ على ما بداخله وأن يقدم خدمة للناس وأن يضيف إلى مقتنياته.
وفي كثير من الحالات وجدت أنه لولا صندوق التراث الثقافي وصندوق الترويج السياحي لماتت كل محاولات استنهاض الحراك الثقافي المحلي وأي محاولات للخروج به إلى العالم.
وفي ظل الأزمة الاقتصادية التي بدأت ملامحها تطل على اليمن عبر التخفيض العجيب لخمسين بالمائة من الميزانية، فإن ماتبقى من اهتمام ثقافي سيطاله مقص التخفيض لأن القليل فقط من صناع القرار في بلادنا يمكن أن يفكروا أن الثقافة هي أولوية بعد الأكل مباشرة.
رغم ذلك يستغربون من تفشي ثقافة القتل والدمار والرفض للآخر والتحريض على الكراهية، ولا يدركون انهم بإهمالهم للثقافة الواسعة لا يتركون سوى هذا الباب لشعب يبلغ نسبة سكانه الذين هم أقل من خمسة وعشرين عاما أكثر من خمسة وسبعين بالمائة.
هذا الشعب اليانع، شبابه لا يجدون عملا ولا تفسيرا نظريا أو فكريا صالحا وآمنا، والمنافذ المفتوحة أمامهم تغلق بسرعة باباً بعد آخر، حتى يدخلوا ساحة اليأس المبكر، فيتحولوا إلى أدوات دمار، تزيد مجالس القات حدتها.
فكروا مرتين ولا تجعلوا الثقافة الضحية الأولى للأزمة الاقتصادية.
[email protected]