عبدالعزيز الهياجم -
الجميع يحب أن يرى التوافق هو سيد الموقف بين فرقاء العمل السياسي والحزبي، خصوصاً عندما تصل الأمور إلى طريق مسدود وتصل الأوضاع إلى حد يصعب حلحلتها ويصعب التكهن بتداعياتها ونتائجها، ويبقى الأهم أن يفضي هذا التوافق إلى استغلال الفسحة الزمنية المتفق عليها لإنجاز ما ينبغي إنجازه وما يتطلع إليه الناس وأن لا يكون الأمر مجرد ترحيل أزمات وخلافات.
وخلال الأيام الماضية كان حديث الناس يتمحور حول اتفاق الحاكم وأحزاب اللقاء المشترك على تأجيل الانتخابات البرلمانية والتمديد لمجلس النواب الحالي لمدة عامين وهو الاتفاق الذي وصف رسمياً بأنه اتفاق لتغليب المصلحة الوطنية العليا والسير معاً وقدماً إلى الانتخابات والقيام بإصلاحات سياسية واقتصادية من أجل الانطلاق صوب الغد الأفضل وبما يخدم مصلحة الوطن العليا، فيما وصفته أحزاب اللقاء المشترك بأنه اتفاق مبدئي حول تأجيل موعد الانتخابات البرلمانية كشرط ضروري لإنجاز الإصلاحات الدستورية المطلوبة لتوسيع قاعدة الشراكة وإيجاد نظام انتخابي عادل وتمثيلي «القائمة النسبية» وغيرها من قضايا الإصلاح السياسي والوطني، وأن أهم ما يحمله الاتفاق من وجهة نظرها هو أن الجميع يقر بوجود أزمة وطنية وأنه لا يمكن الخروج منها إلا بتوافق وطني وإصلاحات سياسية ودستورية.
وبقراءة لمجمل ردود أفعال الشارع نجد المواطن البسيط اعتبر ذلك انتصاراً للوطن والمواطن وأن الخاسر هو الأزمة و الخلافات وتداعياتها .. وفيما لمسنا البعض ممن هم أنصار وقواعد أحزاب اللقاء المشترك اعتبروا ذلك انتصاراً لأحزابهم على الحزب الحاكم وإسقاطاً لما كان يهدف إليه من إجراء انتخابات برلمانية في موعدها وبمن حضر، رأينا في المقابل البعض الآخر ممن هم أنصار وقواعد الحزب الحاكم يرون في ذلك رضوخاً وانكساراً وتقديم تنازلات ما كان يبنغي تقديمها للمعارضة.
وإزاء ذلك فأنا لا أحتار بين هذه المواقف الثلاثة ولا أتردد في الانحياز لرأي المواطن البسيط وغير المتعصب لأحزاب وإنما عصبيته للوطن ولمصالحه العليا بعيداً عن التحفظات الحزبية التي اعتبرها رؤى ومصالح تنتهي عندما تبدأ الرؤية والمصلحة الوطنية العليا .. وطبعاً إن هذا الموقف الوسطي والسليم يتبعه عتب على طرفي المعادلة ممن يعتبر نفسه غالباً أو مغلوباً، ومن المعيب أن يعتبر المحسوبون على المعارضة أن ذلك انتصار لأحزابهم ولمواقفها، كما أن على المحسوبين على الحاكم أن لا يأخذوا في أنفسهم شيئاً وأن يفخروا بأن حزبهم وقيادته الحكيمة كان ديدنهم على الدوام إخماد نيران الفتنة والأزمات وتقديم التنازلات من أجل الوطن.
ويجب أن ترتقي لغة الجميع ويرتقي خطابهم إلى مستوى المسؤولية الوطنية والتاريخية وترتقي مواقفهم فوق كل الحسابات والاعتبارات الضيقة وتتجاوزها إلى أفق أوسع عنوانه الاصطفاف الوطني على الثوابت والتوافق على الأسس والمرجعيات الدستورية والقانونية وأن يكون التباين فقط في البرامج والأساليب.
وفي رأيي أن هذا الاتفاق إذا ما كان وبحسب ما أكدته أحزاب اللقاء المشترك سيمهد من ضمن ما اعتبر بالإصلاحات السياسية لإيجاد نظام انتخابي فعال فإنه آن الأوان لأن يعود إلى طاولة التباحث والتحاور المبادرة الرئاسية لإصلاح وتطوير الحياة السياسية بما تتضمنه من نقاط هامة تتعلق بالنظام الرئاسي وتجسيد الحكم المحلي واسع الصلاحيات وصولاً إلى اللامركزية المالية والإدارية وكذا ما يتصل بنظام الغرفتين وانتخابات مجلس الشورى وأيضاً بتعزيز المشاركة السياسية للمرأة واعتماد نظام «الكوتا».
فإذا كان التوافق بين الفرقاء اعتبر خطوة شجاعة وجريئة لجهة التمديد لمجلس النواب الحالي لمدة عامين إضافيين، فإن المضي في الحوار لا شك أنه سيقود إلى توافق حول كل الرؤى لتطوير الحياة السياسية وفي مقدمتها المبادرة الرئاسية التي من الممكن إثراؤها والإضافة إليها شريطة أن تكون الغاية هي الإصلاح والتطوير لا المزايدات والمكاسب الذاتية وإظهار أن هناك غالباً ومغلوباً.
[email protected]