موقع المؤتمر نت



موقع مايو نيوز



موقع معهد الميثاق


الثروة السمكية تحذر من مخالفة قرار "حظر الجمبري" - صنعاء.. حشد جماهيري كبير مع غزة ولا خطوط حمراء - إسقاط طائرة أمريكية في أجواء مأرب - بيان هـام صادر عن وزارة الإتصالات - أبو عبيدة: مستعدون لمعركة استنزاف طويلة - وسط تهديد بتشديد الحصار: الجوع.. سلاح ضغط أمريكي على صنعاء - تربويون وأكاديميون لـ"الميثاق": تحصين الجيل الجديد بأهمية الوحدة اليمنية ضرورة قصوى - الوحدة اليمنية خيار شعب ومصير وطن - الأمين العام يعزي بوفاة الشيخ عبدالكريم الرصاص - الأونروا: 600 ألف فلسطيني نزحوا من رفح -
مقالات
الأربعاء, 04-مارس-2009
الميثاق نت -  د. تركي الحمد -
هل الدولة مسئولة عن أخلاق المجتمع؟ هل الدولة مؤسسة سياسية أم أخلاقية، أم هما معاً؟ هل السياسة ذات بعد أخلاقي بالضرورة، أم إن هناك حداً فاصلاً بين السياسة والأخلاق، ويجب ألا يلتقيا؟ مثل هذه الأسئلة شكلت مسار الفلسفة السياسية لقرون وقرون، سواء في الشرق أم الغرب، فتجدها في كتابات الفارابي وابن أبي الربيع والماوردي، كما تجدها في كتابات ابن خلدون ومكيافيلي وهوبز وماركس وهيجل.. وكانت الفلسفة السياسية ليست مجرد تأملات في الهواء، أو تهويمات في الفراغ، بقدر ما هي تعبير عن المجتمع وتغيراته وعلاقة أطرافه مع بعضها البعض، في تلك الحركة الدائمة التي لاتهدأ.
إنها تعبير عن حالة المجتمع في لحظة زمنية معينة، ماضياً أو حاضراً، كما أنها إرهاص للحظة زمنية قادمة.. الفلسفة السياسية، بصفة عامة، لاتهبط من السماء، ولاتنمو في فراغ، بقدر ما هي تعبير عن المجتمع في حركته التاريخية.. فتاريخ الفلسفة هو فلسفة التاريخ ذاتها، بل إن الفلسفة عموماً هي الصورة المجردة، أو الإيجاز المجرد، بكل ماديات الحياة وحركتها التي تبدو بغير ضابط أو نظام.
وعلاقة الدولة بأخلاق المجتمع، أو الفضيلة منظوراً إليها من الزاوية الأخلاقية، ليست مسألة تجريدية لايناقشها إلا الفلاسفة وأصحاب الفكر، بقدر ما هي مسألة حياتية يومية بكل تفاصيلها، تؤثر في دقائق الحياة المُعاشة في كل يوم وكل ساعة.. ومسألة علاقة الدولة أو السياسة بصفة عامة، بأخلاق المجتمع، قضية ساخنة في عالمنا العربي بصفة خاصة.. فالكثير من الحركات السياسية، إن لم نقل كلها، التي وصلت إلى الحكم أو التي لم تصل، ذات طرح أخلاقي قبل أن يكون سياسياً، وذات برنامج يقوم على الفضيلة وفق تصورها، قبل أن يكون برنامجاً قائماً على تصور سياسي محسوس للمشكلات المراد حلها، وخطوات ذلك الحل في عالم الحس وليس في عالم المثل، وكان ذلك أحد أسباب فشلها في خاتمة المطاف، والدخول في دوامة التجارب السياسية والاجتماعية التي عانينا منها ومازلنا.. فالحركات القوموية والإسلاموية واليسارية، وغيرها من حركات قائمة على الطرح الشمولي، وأنظمة الحكم القائمة على أسس مثل هذا الطرح كانت في جوهرها مقودة بتصور للفضيلة، ظاهر ومستتر، هو في اعتقادها مفتاح الحل لكل مشكلة، صغيرة كانت أو كبيرة، من كيفية السير في الشارع إلى تلك الغايات الكبرى التي لاتقف عند حد قبل تخوم السماء ذاتها.. فالتمسك بالأخلاق «القومية أو الشيوعية» أو «الإسلامية» وفق تصور خاص بهذه الحركات والأطروحات، هو الطريق إلى السيادة وإلى النصر وحل كافة الإشكالات والمشكلات وتحقيق كل الغايات.. بطبيعة الحال فإن ماهية الأخلاق المتحدث عنها قد تختلف، وقد لاتختلف بعض الأحيان، من طرح لآخر، ومن حركة أو تيار لآخر، ولكن البنية العامة للطرح هي ذاتها، من حيث التمحور حول مفهوم أخلاقي للفضيلة فيه إكسير كل شيء.
لقد كان خروتشوف ولينين وتروتسكي وغرامشي ولوكاس وغيرهم، يتحدثون عن أخلاق شيوعية وماركسية يؤدي الالتزام بها إلى الوصول إلى حالة الشيوعية الكاملة «المجتمع الفاضل وفق تصور معين».
كما كان موسوليني وهتلر وعفلق وغيرهم، يتحدثون عن أخلاق قومية هي الطريق القويم نحو بناء المجتمع الفاضل، وفق التصور القوموي.. ويتحدث المودودي وسيد قطب وجهيمان العتيبي والترابي وغيرهم، عن أخلاق «إسلامية» يشكل أي انحراف عنها، مهما صغر، ابتعاداً عن المجتمع الفاضل الذي أراده خالق الخلق، وفق تصورهم ويقينهم بطبيعة الحال.. والحقيقة أنك لو أمسكت كتاباً للينين، مثل كتاب «ما العمل»، وقارنته بكتاب لسيد قطب، مثل كتاب «معالم في الطريق»، لما وجدت اختلافاً كبيراً، سواء في الطرح التنظيمي أم التصور السياسي، وفوق كل ذلك الهاجس الأخلاقي، مع اختلاف الأخلاق المتحدث عنها هنا وهناك بصفتها معايير لسلوك مثالي.. بل إن كتابات ثائر مثل ارنستو تشي غيفار وسلوكياته، ذات بعد أخلاقي مثالي أكثر منها ذات مضمون سياسي محدد، لدرجة أن أحد رجال الدين المسيحي علَّق على ذلك بالقول: إن غيفارا أكثر مسيحية من كثير من المسيحيين في هذا المجال.
ولو قارنت كتابات غيفارا وغيره من الماركسيين، بكتابات إسلاموية وقوموية، ليكن مثلاً كتاب «خصائص التصور الإسلامي» لسيد قطب، أو «في سبيل البعث» لميشيل عفلق، فسوف تجد نفس النفس ونفس الخيط الذي ينتظم الجميع: الشعار السياسي الفضفاض، الشمولية في الحل، والبُعد الأخلاقي المؤدي إلى تحقيق الفضيلة الكاملة على الأرض، وفق تصورات قد تختلف وقد تلتقي، وهذا هو ما يهمنا في هذا المجال.. والملفت للنظر - هنا - هو أن كل التجارب التي قامت على أسس هذه الأطروحات الشمولية، ذات البعد الأخلاقي الفاضل في تصورها، انهارت في النهاية، كاشفة الغطاء عن تفسخ أخلاقي، بالمعنى المتعارف عليه، لا مثيل له في تلك المجتمعات التي لم تُجبر على اتباع سبيل أخلاقي مثالي معين.. ولعل الاتحاد السوفياتي وسقوطه أبرز مثال معاصر، كما أن سقوط ألمانيا النازية وإيطاليا الفاشية وحالة هذه المجتمعات بعد ذلك السقوط تعبر عن الكثير.
كل ذلك يقول إلى طرح السؤال الرئىسي هنا، ألا وهو: «هل الدولة مسئولة عن تحقيق الفضيلة على الأرض؟» قبل الإجابة، أو محاولة الإجابة، على مثل هذا السؤال، هنالك نقاط، أو هي مسلمات بالأصح، يجب أن توضع في الذهن من حيث إنها تشكل أرضية الإجابة.
النقطة الأولى هي أن الاخلاق نسبية في الزمان والمكان، وبالتالي فإن الفضيلة ذات مفهوم متغير يختلف باختلاف الطرح وصاحب الطرح، سواء أكان فرداً أم جماعة.. فالفضيلة التي يتحدث عنها سقراط وتلميذه أفلاطون، هي غير تلك التي يطرحها مكيافيلي باختلاف كلي، وهي ليست ذات الفضيلة والأخلاق التي يطرحها نيتشه، وعلى ذلك قس.. ومن الناحية الاجتماعية، فإن مفهوم الفضيلة والأخلاق «الحميدة» التي تسود الذهن الأمريكي أو الأوروبي غير تلك السائدة في عالم العرب مثلاً، وإذا ابتعدنا قليلاً عن عالم التجريد وهبطنا درجات المحسوس والتفصيلات، فسوف نجد أن مفهوم الفضيلة والأخلاق المثالية ليس هو ذاته في بلاد تنتمي إلى ذات الهوية، العالم العربي مثلاً، أو ذات الثقافة، العالم الإسلامي مثلاً، فالمفهوم قد يختلف في جزئيات كثيرة في بلد مثل مصر عنه في بلد مثل الجزائر، أو في بلد مثل إيران عنه في بلد مثل اندونيسيا.
النقطة الثانية هي أن هناك دائماً فرقاً بين «ما يجب أن يكون»، وبين «ما هو كائن».. فلكل مجتمع ولكل حضارة ولكل ثقافة، مفهوم مثالي عن الفضيلة، ولكن ذلك لايعني أن يلتزم أفراد هذا المجتمع أو تلك الثقافة أو الحضارة بالمفهوم المثالي.. فالمجتمع هو حركة من التناقض، وفق المفهوم الهيجلي والماركسي، وهو حركة من الدفع والتدافع، وفق المفهوم الفلسفي الإسلامي، ومثل هذا التناقض والتدافع هو المحرك للمجتمع في رنو لايفتر نحو الأفضل، وكل ذلك مأخوذ في متغيرات الزمان والمكان.
اختلاف الأفراد والجماعات، في إطار مجتمع واحد، هو مهماز الحركة ودافع الحياة ذاتها.. فإذا جاءت سلطة مّا، أو دولة مّا «وفق المفهوم العربي للدولة»، أو جماعة مّا، وحاولت أن تفرض مفهومها المثالي للفضيلة، ضمن مفاهيم أخرى، فإنها قطعاً سوف تفشل، عاجلاً أو آجلاً.. فهي من ناحية تقف في وجه سنة من سنن الحياة ذاتها، ألا وهي حتمية الاختلاف، وتدفع ذات المجتمع إما إلى الرفض المطلق للمفهوم المثالي كما تطرحه الدولة، أي دولة، أو الانغماس المطلق في هذا المفهوم، ومن ثم تجاوز الدولة في طرحها ومحاولة اجتثاثها من جذورها لأنها تصبح، حينئذٍ، عائقاً في طريق تحقيق مانادت به منذ البداية.
ففي النهاية، سوف يزايد الشيوعي المتحمس على الدولة الشيوعية التي أرضعته الشيوعية ابتداءً، وسوف يزايد القوموي على الدولة القوموية، وسوف يزايد الإسلاموي على الدولة الإسلامية.. الرفض المطلق والانغماس المطلق كلاهما خطر على الدولة التي تحاول أن تفرض بعداً أخلاقياً محدداً على المجتمع، ومفهوماً محدداً للفضيلة تحاول أن تحشر فيه كل شيء.
أما النقطة الثالثة، أو المسلمة الأخيرة التي تشكل أرضية جواب للسؤال السابق، فهي أنه سوف يكون دائماً هناك تناقص بين البعد الأخلاقي الذي تنادي به الدولة وتحاول فرضه على المجتمع، وبين ممارسات وسلوكيات الدولة التي تنبع من «منطق الدولة» الذي لا علاقة له بالأخلاق، سواءً أكان المقصود بهذه الأخلاق الفهم العام لها، أم تلك المعايير المثالية التي جعلتها الدولة أساساً لشرعيتها.. في هذه الحالة، فإن الدولة تنقض شرعيتها بنفسها دون أن تعي ما تقوم به.
قد نثور، وقد نتوتر حين القول: إن هناك انفصاماً بين «منطق الدولة» و«منطق الأخلاق»، ولكن لا ثورتنا ولا توترنا سوف يغيران من المسألة شيئاً، فالمسألة ليست بالحب أو الكره، الشجب أو الرضا، ولكنها في علاقات الأشياء كما «هي» لا كما يجب أن تكون.. قال ذلك كثيرون من أرباب الفكر السياسي، ولعل أشهرهم مكيافيلي، فاتهموا بكل تلك التهم الشيطانية، ولكنهم كانوا يقولون الحقيقة بغض النظر عن المشاعر.. منطق الدولة يقوم على مبدأ واحد ألا وهو مصلحة الدولة.. ومصلحة الدولة تقوم على ركن واحد هو بقاء الدولة.. وبقاء الدولة يعترف بكل وسيلة ويمارسها إذا كان الهدف أو الغاية يبرران هذه الوسيلة.
المشكلة ليست هنا، فمثل هذه الأمور أصبحت من أبجديات السياسة.. المشكلة تكمن في «غباء» الدولة بعض الأحيان، حين تعتقد أن هذه الوسيلة أو تلك تخدم غرضها المشروع، ألا وهو البقاء، ولكنها تكتشف، بعد فوات الأوان أكثر الأحيان، أنها مثل تلك العنزة، في أمثالنا الشعبية، التي حفرت عن سكينها بنفسها.. كان السادات يعتقد أنه يعزز من شرعيته بصفته «الرئيس المؤمن» حين فسح المجال للتيارات الإسلاموية بهدف ضرب التيارات القوموية، وعلى رأسها الناصرية، وكان يعتقد أنه يمارس السياسة «بحرافة»، ولكن تبين في النهاية أنه راح ضحية عدم إدراكه لذاك التناقض الضروري لما تنادي به الدولة، وما تمارسه من منطق سياسي بحت، وعدم القدرة على المواءمة بين ما لا يتواءم.
عن "الجمهورية"
أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر
إطبع الخبر
معجب بهذا الخبر
انشر في فيسبوك
انشر في تويتر
المزيد من "مقالات"

عناوين أخرى

الافتتاحية
ذكرى الصمود التاسعة..و صوابية مواقف المؤتمر
فريق ركن دكتور/ قاسم لبوزة- نائب رئيس المؤتمر الشعبي العام

حوارات
جريمة الرئاسة
مقالات
الوحدة لا تتحمل أوزار الموحّدين
أحمد الزبيري

فلسطين ستكون حُرَّة
يحيى الماوري

عالم يقاتل مقاومة..!!!
د. عبد الوهاب الروحاني

الحياة مِرآة كبيرة لأفعالنا
عبد السلام الدباء

شِلّني يادِرَيْوَلْ تِجَمّل !!
عبدالرحمن بجاش

حَبّيت الحديدة وأشتي أعيش فيها
منى صفوان

الوحدة اليمنية: تحديات وآفاق في ذكرى مرور 34 عاماً
عبدالله صالح الحاج

الأفعال والمواقف السياسية حول أحداث غزة
إبراهيم ناصر الجرفي

الجامعات الامريكية !!
د. طه حسين الروحاني

عن (المركزية الأوروبية).. الإنسان (السوبرمان) !!
محمد علي اللوزي

التعليم.. لا إفادة ولا إجادة !!
د. يحيى الخزان

جميع حقوق النشر محفوظة 2006-2024 لـ(الميثاق نت)