كتبه: فائز بن عمرو - يمر المؤتمر العام بنشاط تنظيمي وتقويمي في فترة الإعداد والتحضير للمؤتمر السابع الدورة الثانية، وتعكف سائر دوائره المختلفة ومراكز أبحاثه على تقويم مسيرة الإنجازات التي حققها والمراحل والقفزات التي سبق إليها كتنظيم جماهيري قائد للمسيرة الحزبية والتنظيمية والانتخابية في الجمهورية اليمنية.. ويأمل أعضاء المؤتمر ومناصروه ومتابعو النشاط الحزبي من الباحثين والمراقبين أن يتم تقويم الهيكلة التنظيمية التي تم إنجازها عام ٥٠٠٢م لمعرفة نقاط الضعف والقوة للمسار التنظيمي للمؤتمر الشعبي العام، وقد ذكرنا في مقالة سابقة أن المؤتمر اعتمد آليات تواصلية مختلفة ومتعددة ومتناقضة أحياناً ولا تراعي الفوارق الجغرافية والاجتماعية والثقافية بين فروع المؤتمر في المدن والارياف بشكل سريع ومن غير إعداد وتهيئة للقاعدة الواسعة للمؤتمر التي تعاملت مع المتغيرات التنظيمية التواصلية بشكل فردي وانتقائي بما يتلاءم مع المصالح الشخصية والدوافع الذاتية، وأنتجت هذه الهيكلة التنظيمية فوارق كبيرة وتباعداً بين فروع المحافظة الواحدة بين الفروع في المديريات الريفية والحضرية.. وفي هذه المقالة سنقوّم النشاط والاتصالات التنظيمية السائدة والمتبعة في الأحزاب العصرية الديمقراطية ومدى استجابة المؤتمر الشعبي العام لهذه الآليات الحزبية التواصلية ونقاط الضعف والقوة التي سادت في نشاط المؤتمر وانعكست على عمله واتجاهاته الحزبية والانتخابية وتواصله مع المجتمع والمحيط الجماهيري.
تحظى عملية الاتصال بأهمية قصوى في تنظيم وتركيبة الاحزاب السياسية ولاسيما في عصر الديمقراطية والتواصل الجماهيري، إذ تفرض الوظائف الجديدة للحزب على قادة الاحزاب ومؤسسيها تطوير وسائل الاتصال الداخلية والخارجية، فمن غير الممكن للحزب او التنظيم القيام باستقطاب الناخبين واستقصاء آراء الجمهور وصولاً الى التجنيد السياسي وتعبئة الجمهور سياسياً والتأثير فيه بدون عملية تواصل فعالة ومتطورة، كما أن تماسك الحزب وتحديد العلاقة بين أفراده وأعضائه تتم من خلال الهيكل التنظيمي الذي يقتضي نظاماً تواصلياً مرناً وقادراً على نقل المعلومات والتعليمات والتوجيهات وانسيابها بين مستويات التنظيم بشكل منتظم وثنائي وتفاعلي ليكون حزباً وتنظيماً عصرياً ومرناً يستطيع استجابة ومواكبة المتغيرات والتفاعلات وحتى الصراعات التي تحدث في بنية المجتمع والتي تنعكس على بنية الحزب والتنظيم وعلى هياكله الحزبية لتمكنه من الحياة وتعطيه القدرة على قبول المتغيرات دون أن تحدث به هزات وانشقاقات وصراعات تؤدي الى تشظيه ودخوله في موت تنظيمي وانعزال عن المجتمع وعن قضاياه.. يستطيع العلماء والمنظمات والهيئات -المهتمة بدراسة الاحزاب والتنظيمات السياسية- الحكم وتصنيف هيكل وبنية التنظيم ويحكمون على الممارسة الديمقراطية داخله فيما يسمى »الديمقراطية داخل الاحزاب« بالنظر الى عملية الاتصال السائدة في الحزب والتنظيم ، فالأحزاب ذات الهيكلة والبنية التنظيمية المرنة والمتطورة والمتحركة هي التي تشهد اتصالات متبادلة وثنائية وتسود في جميع مستويات الحزب القيادية والقاعدية والوسطية، كما أن هذه الاتصالات تمتد للتفاعل مع البيئة الخارجية والجمهور وتسمح لقيادة التنظيم برسم السياسات والخطط والبرامج وفق ما يريده الجمهور والمحيط وتستجيب لرغبات المواطنين، أي تكون معبرة عنهم ولا تنوب عنهم، أما الأحزاب ذات البنية التنظيمية الجامدة والصلبة تشهد عملية اتصال احادية وتكون لتمرير القرارات والتكليفات وهي تفرض على الجمهور نظرة فكرية او أيديولوجية وتجعلهم يحكمون ويتواصلون مع المواطنين من خلالها، وبمقدار التنسيق والترابط والعلاقة القائمة والتفاعل الايجابي او التشاركي بين الاتصالات الداخلية والخارجية والتي تنشأ بين مستويات الحزب المختلفة يُحكم عليه هل هو ديمقراطي أو حزب مركزي تسلطي فردي، وسنقتصر في هذه المقالة على الحديث عن الاتصالات التي تسود الهياكل والبنيات الحزبية وأنواعها وأثرها على بنية الحزب وقدرته على التفاعل والتجاوب مع مجتمعه ومحيطه وبيئته.
تعمل الاحزاب والتنظيمات السياسية والفكرية في بيئة تحيط بها وتؤثر فيها وتتأثر بها، وبمقدار استقرار أو اهتزاز هذه البيئة والمحيط.. والعلاقات السائدة في هذه البيئة تتكون طبيعة العلاقات بين هذه التنظيمات، فالبيئة المحيطة هي التي ترسم شكل التنظيم وتفرض طبيعة عمله وتحدد العلاقات والتواصل بين أعضائه، ويمكن تعريف البيئة بأنها العوامل المحيطة بالتنظيم من مجتمعات بشرية ونظم وقوانين ومعايير اجتماعية واتصالات وعلاقات شخصية وتسمى البيئة الخارجية، فالبيئة والمحيط التي تعمل فيه الاحزاب والتنظيمات مهمة جداً لنجاح الاحزاب لأنها: مصدر المعلومات والمواد الأولوية من أعضاء وأموال وعلاقات،وهي مصدر تنوع وتفاعل وعمل للأحزاب والتيارات والتنظيمات، وتنشأ أيضاً داخل التنظيمات والأحزاب بيئة داخلية وهي العلاقات والاتصالات والتفاعلات التي تحدث بين أفراد وأعضاء ومناصري الحزب وجمهوره، وسنبين ولو بشكل مختصر مكونات كل من البيئة الخارجية والداخلية للحزب والتنظيم لأهميتها في عمل الحزب وتقويمه ولكي نستطيع فهم العلاقات والاتصالات المختلفة التي تنشأ وتحكم طبيعة كل تنظيم وحزب.
أ- البيئة والمحيط الخارجي:
ويتكون من المكونات والعناصر الآتية:
1- العوامل الاجتماعية:
ويمكن الوقوف عليها من خلال معرفة درجة التقدم لهذا المجتمع وتأثير القيم والعادات والتقاليد المسيطرة وضرورة تقييم التنظيم الاجتماعي السائد: هل هو عشائري ، مؤسسي مجتمعي، أسري؟ فإذا كان التنظيم الاجتماعي السائد مختلطاً كما هو السائد في بلدنا حيث يسود التنظيم المؤسسي المدني في المدن، وينتشر التنظيم العشائري الأسري في الأرياف، فيفضَّل اتباع مستويين في عملية التواصل فيكون التواصل الأفقي في المدن القائم على توسيع الصلاحيات والاختصاصات والتواصل الرأسي الهرمي في الأرياف المعتمد على تنفيذ القرارات والتوصيات.
٢- العوامل الثقافية:
وترصد من خلال تقييم الأفكار والقيم والمستوى الثقافي هل هو ضعيف، متوسط، عالٍ، وهل يؤمن بالخرافات أو الحقائق، ويركز على النمط الثقافي السائد هل هو متشدد، متسامح، قابل للآخر ومعترف بالاختلاف، فالمكونات الثقافية للمجتمع هي الأساس في التنوع والممارسة الديمقراطية.
٣- العوامل التعليمية:
تقوم كثير من البرامج والخطط على نوعية التعليم وتطوره في المجتمعات وحجم شريحة المتعلمين وتقاسمها بين الجنسين، وتقييم مخرجات التعليم هل يستطيع خلق جيل واسع التفكير والمعرفة، كما تعتبر مساحة الأمية واتساعها معرقلاً أساسياً لكثير من المشاريع والبرامج.
٤- العوامل الاخلاقية وسلوك المجتمع:
مثل القواعد والاعراف السائدة، وهل المجتمع متصالح ومتوافق مع سلوكياته في أمور حياته.
٥- العوامل الاقتصادية:
معرفة نوع النظام الاقتصادي السائد مركزي، رأسمالي، وكذلك يجب معرفة دخل الفرد ونسبة البطالة في المجتمع، وتدخل الدولة في الاقتصاد ودعم الفقراء.
٦- العوامل السكانية:
يجب الوقوف على حجم السكان والزيادة السنوية، وتوزيع السكان بين المدن والأرياف، ومعرفة الفئات العاملة وتمركزها وطبيعة نشاطها ودرجة تحضُّرها.
٧- العوامل السياسية:
طبيعة الحكم السائدة، وتقييم مراحل الحكم التي مر بها المجتمع، والمؤسسات التقليدية التي تؤثر بالمواطن مثل: القبيلة ، الاسرة، الدين، الدولة، الاعراف، والعادات.
ب- البيئة الداخلية للتنظيم: ويتكون من المكونات والعناصر الآتية:
١- أعضاء التنظيم:
يجب معرفة أفراد التنظيم وتقييم قدراتهم الفكرية والوقوف على قناعاتهم وفعاليتهم ومساهمتهم في النشاطات الاجتماعية وفي نشر وتعميم فكر ورؤية التنظيم السياسية ومدى اتصالهم بالجماهير والتأثير فيهم وكسب أعضاء وأنصار جدد.
٢- الانصار والأصدقاء:
لكل تنظيم وتجمع دائرة عريضة وواسعة من الأنصار والمتضامنين تكون في العادة أكبر من أعضاء التنظيم وهم يمثلون الإطار الداعم للتنظيم ومجال حركته الجماهيرية الأوسع.
٣- نموذج القيادة:
تنبع أهمية القيادة والموقع القيادي من كونه يمثل موقع السلطة والمسؤولية التي تنعكس بشكل كبير على التنظيم وأفراده وطبيعة العمل وعلى الاتصالات التي تسود التنظيم.
٤- سلوكيات التنظيم:
يجب الحرص على أن تكون قواعد وقوانين التنظيم متوافقة مع حضارة المجتمع وثقافته.<
|