الخميس, 03-أغسطس-2006
الميثاق نت - تدفعني الحرب الي الضحك أحياناً، ويجعلني ضحكي الجفل اضحك اكثر، احمل في داخلي دمعاً كثيراً واداريه، هذا مهيناً الي حد، لعينين تشعّان بقهرهما. معجزة انني اضحك، ولو قليلا كل يوم، هذه المعجزة المتواضعة، ومدعاة مع ذلك الي احترامي الشخصي.
قلت لأمي التي اخذ التهجير بخناقها، عناية جابر -
تدفعني الحرب الي الضحك أحياناً، ويجعلني ضحكي الجفل اضحك اكثر، احمل في داخلي دمعاً كثيراً واداريه، هذا مهيناً الي حد، لعينين تشعّان بقهرهما. معجزة انني اضحك، ولو قليلا كل يوم، هذه المعجزة المتواضعة، ومدعاة مع ذلك الي احترامي الشخصي.
قلت لأمي التي اخذ التهجير بخناقها، واجبرها علي ترك بيتها تحت مرمي نيران القصف الاسرائيلي واللوذ ببيتي، بأن عليها ان تقتصد في حل الكلمات المتقاطعة في المجلة التي تعكف عليها اغلب الاوقات، اذ لعل هذه تنفذ قريبا من المكتبات، فلا يتبقي لها ما تتسلي به.
في الحروب، يبقي هم التحرر من عاداتنا اليومية، هو المؤرق والموجع، اكثر بكثير مما تفعله بنا القذائف والصواريخ. عندما نحسب اننا تحررنا من الاشياء، ومن كل حيازة وطقس، نروح نكابد حرقتنا اليها، في وقتنا المسور والمغلق علي دنو الموت، وقربه.
شرب النسكافيه في الخامسة صباحا وحيدة، لا يعود يشبه شربها مع آخرين. ان تهيم علي وجهك في الغرف وبينها مرسلا صوتك في تمتمات واغنيات غريبة، لا يعود يشبه الارتطام بالاخرين، والاعتذارات السريعة المضحكة.
البيوت هي ما نحملها في دواخلنا، ولقد احدثت الحرب شرخاً جوانياً في اقل من ليلة. غدا المطرح مطرحاً آخر، وتكشفت الاشياء ارضية تماماً، وكنت تحسبها فلكية وفضائية.
جاهدت كثيرا ضد الميل الي الامتلاك، حتي انني اختزلت رغبتي الي الاشياء بعدد من الكتب وزجاجة عطري المفضل، وفرشاة اسنان قاسية مع معجون فائق التبييض. اي قمت بتشييد عالم من متاع بخس. ثمة لا شك، السفر المغوي والمتطامن فيّ غير انه كف عن تعذيبي، اذ تمرنت طويلا علي ان اسافر فيما انا علي كنبتي لا ابرح.
سوف اعترف ايضا، ان فكرة ان اترك بيتي بمن فيه، واللجوء الي غرفة في اوتيل، فكرة جذابة الحت علي، كما ان مرأي البولمانات او الاوتوبيسات الكبيرة التي تنقل الرعايا الاجانب من بيروت الي الشام في طريقهم الي بلدانهم اغواني، حين اوشكت في ثاني يوم علي اندلاع الحرب، علي الاندساس خلسة في احدها. البواخر ايضا، الراسية في بحري وعلي شاطئي، والعاملة علي ترحيل من تحترم حيواتهم دولهم وحكوماتهم، آذتني اذي بالغاً، وأيقظت فيّ غول نهمي الي البحر والرحيل.
ان يكون الخناق قوياً وكتل الصوان تجثم علي صدرك، ثم تدهمك بضعة شقوق، تصدع كتل الصوان، فتلك هي براعم روحك التي سرعان ما تورق في اليأس وفي العتم.
لم افعل بالطبع شيئا مما راودتني نفسي علي فعله. لم استقل بغرفة خاصة بي في اوتيل، ولم اندس في احد الباصات المسافرة، ولا حـــــملني هيامي الي حيث ترسو الباخرة، بل اشتريت بضعة علب من حليب الاطفال، وكمية لا بأس بها من الجيزات و التي شيرتات والواح الشوكولا واقلام التلوين والدفاتر، وقصدت احدي الحدائق العامة (حديقة الصنائع) التي اكتظت بالمهجرين. شيء من الاختلاط شبه السعيد يشوبهم، بسيط ومضن ٍ في العراء، وانا رميت بأغراضي علي الارض، تركتها لهم خجلي من عذابهم وظللت بعيدة.
كنت اقيس هذا التحول فيّ بتهليل، وبكآبة خفية لكوني ربطت اخيرا مصيري بمصيرهم. انا لا اجده فاتنا، ربط مصيري بمصيرهم، ليس فاتنا ولا شاعريا، لكنني مع ذلك لا املك الا ان اربط مصيري بمصيرهم بلا نفاد صبر وبلا مهارة.
كما وابدو الان قليلة الحس بأنني في الحرب، وانظر بعين شبعانة الي احلامي وعاداتي ووحدتي وخلوتي. كلها بالطبع اشياء من حقي، فاتنة وساحرة، لكنني مع اوجاع هؤلاء الاطفال لست جائعة حاليا لاسبابي الشخصية. الحرب تجعلني انتهي من نزاعي مع نفسي لانصرف الي هذه الارواح المقهورة التي تعمل رغما عنها، كوقود دائم للحرب، دون خلل ولا جهد، ودون صوت تقريبا.
ان قتلنا من قبل الاسرائيليين، ليس سببا كافيا لنكون امواتا بصورة نهائية. ربما كان اسم هذه المعادلة هو الحب، وربما العناد او العته.
نرث هذه الحروب المتوسطية التي لا تزال تهدمنا من الداخل ومن الخارج. هكذا تهدي الينا الحروب، من دون ان نسأل. الحرب معقودة في قلوبنا التي هي ثقيلة وغاضــــبة ويتعاقب عليها الفقد.
نقلاً عن القدس العربي
تمت طباعة الخبر في: الإثنين, 24-يونيو-2024 الساعة: 01:27 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-116.htm