نصر طه مصطفى -
مادمنا اخترنا الأسلوب الديمقراطي القائم على التعددية الحزبية والسياسية والتداول السلمي للحكم عبر صناديق الاقتراع وقيام النظام السياسي على وجهين متقابلين هما السلطة والمعارضة فهذا يعني أن نقبل بعضنا البعض أولا وأن نقبل الآلية التي توافقنا عليها لتداول السلطة ثانيا وأن تتسع صدورنا لتبادل النقد الهادف البناء وتقبله والتعاطي معه بكل موضوعية... ونحن في بلادنا نعرف جيداً أن لدينا حزباً فاز بالأغلبية في الانتخابات النيابية وتم تشكيل الحكومة من أعضائه كما هو متعارف عليه في كل بلاد الدنيا ولديه كتلة نيابية تصوت على القوانين وهذا الحزب – في النهاية – يتحمل مسؤولية البلاد والعباد وهو معني بتنفيذ برامجه الانتخابية التي خاض بها الانتخابات النيابية والمحلية والرئاسية... وإذن فنحن نستطيع تحديد من هو هذا الحزب واسمه وهويته وبرامجه وقيادته ونشير إليه بالبنان.
بالمقابل كنا نستطيع حتى سنوات قليلة خلت تحديد شكل وهوية أحزاب المعارضة التي أفرزتها الانتخابات النيابية وهي كانت ثلاثة أحزاب وأصبحت اليوم أربعة حتى وإن كان تمثيل بعضها متواضع، ففي الديمقراطيات المعروفة في كل الدنيا لابد أن تكون المعارضة في البرلمان وليس في دكاكين... ومع مرور الوقت أخذت شخصيات ومسميات هذه الأحزاب تختفي شيئا فشيئا لصالح التكتل المسمى (باللقاء المشترك) والذي يضم معه حزبين آخرين ليس لهما تمثيل برلماني ولا تأثير شعبي يذكر، ولا أستبعد أن كثيرين لم يعودوا يعلمون من هي هذه الأحزاب التي شكلت هذا التكتل فالمعارضة أصبحت معروفة باللقاء المشترك الذي لا هو تحول إلى حزب واحد ولا هو ظل تكتلاً سياسيا يتوافق في العمليات الانتخابية فقط كما هو حال مثل هذه التكتلات بل على العكس فإنه أبعد ما يكون عن التوافق في أي انتخابات نيابية أو محلية... وهكذا أخذت هويات وملامح شخصيات الأحزاب المكونة له تتلاشى رغم ما نعرفه من حجم الخلافات العادية والطبيعية بينها بحكم اختلاف النشأة والمكونات الفكرية والسياسية... وهكذا أصبحنا أمام حالة غريبة على كل القواعد الديمقراطية المتعارف عليها، في وقت يعرف جميعنا أن ما يجمع هذه الأحزاب هو خلافها فقط مع شخص الرئيس علي عبدالله صالح أولا ومع الحزب الحاكم ثانيا!
لا أريد أن يفهم من كلامي أني ضد هذا التكتل بل على العكس فإني أرى أن تقارب الأحزاب المكونة له هو أمر يخدم الاستقرار السياسي، لكني أستغرب هذا الحد من التماهي المصطنع الذي يجعل كل ما يصدر عن هذا اللقاء عبارة عن عمليات توفيقية تضيع معها هوية كل طرف من أطرافه وحقيقة رؤيته لمختلف القضايا... والأغرب من ذلك أن هذا التطور الجيني لم يتوقف عند حد معين بل أصبح له اليوم مسمى جديد هو (التشاور الوطني) لا هو يمثل أحزاب المعارضة الموجودة في مجلس النواب ولا هو يمثل الأحزاب المكونة للقاء المشترك فقط وكل ذلك خارج قواعد العملية الديمقراطية وفوق هذا يعطي نفسه حق ما يسميه (إنقاذ البلاد والعباد) على أنقاض برنامج أعلنه المشترك قبل أربع سنوات... ولذلك أظن أن الأجدى والأجدر بالحزب الحاكم وحكومته أن يشغلا نفسيهما بمسؤوليتهما تجاه بناء هذه الدولة والحفاظ على هويتها وكيانها بدلا من الانشغال بمعارك دونكيشوتية مع تكتلات لم يعد لها هوية أو عنوان وفقدت بوصلتها للأسف الشديد في مرحلة كان يمكن لها أن تكون أكثر نفعا وفائدة للبلاد لو تمسكت بالقواعد الديمقراطية.
|