الميثاق نت -  أ. د طارق أحمد المنصوب

الأربعاء, 28-أكتوبر-2009
أ. د طارق أحمد المنصوب -
بالرغم من تعدد أهداف الاحزاب السياسية بتعدد اتجاهاتها ومبادئها ومرجعياتها، فإن هدف الوصول الى الحكم بطريقة ديمقراطية وسلمية يبقى أهم تلك الاهداف، كي يتمكن الحزب السياسي من تنفيذ برامجه واهدافه المختلفة، وإذا لم يستطع الحزب لأي سبب كان الوصول الى الحكم نتيجة عدم فوزه بالأغلبية المطلوبة في الانتخابات، فإن دوره يقتصر على دور المعارضة، التي تعني سياسياً ممارسة الدور الرقابي على أعمال الحكومة، ومراجعة الأغلبية الحاكمة في بعض الاقتراحات التي تتقدم بها، كما أن عليها (أي المعارضة) أن تكون مستعدة‮ ‬لتقديم‮ ‬البدائل‮ ‬التي‮ ‬تستطيع‮ ‬أن‮ ‬تحل‮ ‬محل‮ ‬اقتراحات‮ ‬الحكومة‮ ‬لتكون‮ ‬تحت‮ ‬نظر‮ ‬الناخبين،‮ ‬وتنال‮ ‬ثقتهم‮ ‬في‮ ‬الانتخابات‮ ‬القادمة‮.‬
وهذا لا يعني منع أعضاء أحزاب المعارضة من المساهمة الفعالة في إدارة شؤون البلاد، إذ هناك عديد من المناسبات التي يستطيع من خلالها أعضاء تلك الأحزاب العمل الموحد في إطار الموضوعات التي تهم الجميع، وتدخل ضمن إطار المصالح الوطنية العليا.
ولقد جرت العادة في البلاد الديمقراطية أن تقوم الاقلية بتحمل عبء المعارضة بنزاهة وإخلاص للصالح الوطني أو الصالح العام، وليس للصالح الحزبي فقط.. صحيح أن كل حزب يعمل لتحقيق المبادئ التي يؤمن بها ولكن يجب ألا يتعدى ذلك إطار الصالح العام »أو الصالح المشترك«، ومن‮ ‬هنا‮ ‬يظهر‮ ‬الفرق‮ ‬بين‮ ‬المعارضة‮ ‬البناءة‮ ‬والمعارضة‮ ‬الهدامة‮ ‬غير‮ ‬المسؤولة‮ ‬داخل‮ ‬أي‮ ‬نظام‮ ‬سياسي‮.‬
هذا الفهم الصحيح لدور المعارضة في النظم السياسية المختلفة، يعد أحد الاسباب التي تقود الناخبين الى تغيير الاختيار في كل مرة، ونقل السلطة والاختيار من تيار سياسي الى آخر بتناوب وتناغم وسلاسة وبطرق آلية ديمقراطية وسلمية يحدوه الأمل في التغيير كل مرة الى الأفضل، ويدفع تلك الاحزاب الى التنافس في استرضاء الناخبين عبر تغيير البرامج والسياسات ، وربما الوجوه بما يحقق دوران النخب السياسية، وتطوير العمل السياسي، وتحقيق مكاسب حقوقية وتنموية للمواطن، هي الميزان الحقيقي لقياس النجاح والفشل في التجارب الحكومية المختلفة، ولمنح‮ ‬الناخب‮ ‬ثقته‮ ‬لتلك‮ ‬الاحزاب‮ ‬والسياسات‮ ‬والبرامج‮.‬
الأهم من هذا، وذاك أن تلك المجتمعات تجاوزت- بعد تجارب مريرة ومعاناة شديدة مع الأزمات والحروب والصراعات المسلحة الداخلية والخارجية - مرحلة الصراع العسكري المباشر الى الصراع السياسي السلمي، الذي تدور رحاه تحت سقف قبة البرلمان، وعبر قنوات الاعلام ووسائل الاتصال المختلفة، والتنافس بواسطة البرامج السياسية وطرح البدائل لمختلف السياسات الحكومية لكسب ثقة الانصار والمؤيدين في أوساط المواطنين.. بمعنى أن الصراع يدور حول البرامج والسياسات ولا يتجاوزه الى أبعد من ذلك، دون أن يتجرأ أحد على مس مقومات النظام السياسي الديمقراطي، وثوابته الوطنية، أو التعرض الى شرعية النظام، أو التقليل من هيبة الدولة، لأن في هذا خطراً ماحقاً يهدد الجميع، سواء أكانوا في السلطة أم في صفوف المعارضة، وتشكيكاً في الأسس التي تقوم عليها عملية الحكم والمعارضة برمتها، وربما يهدد بزوال شرعيتهما السياسية،‮ ‬ومشروعيتهما‮ ‬معاً‮.‬
وفي مراحل الأزمات، أي عندما يحدق الخطر بالجميع، فإن الخلافات السياسية تذوب وتتلاشى وتختفي الفواصل بين العام والخاص، وبين الحكومة وأحزاب المعارضة، ليحل محلها الاصطفاف الوطني، ووحدة المواقف السياسية، وتجميع الموارد، والتعبئة الوطنية والشعبية، حتى زوال تلك الأزمة وانتهاء التهديدات أو التحديات، وعودة الأوضاع الى سالف عهدها، لتستأنف العملية الديمقراطية دورتها، عبر ممارسة الصراع السياسي لكن في أطره السلمية والقانونية، وهذا حال كثير من الأمم الديمقراطية اليوم.
في‮ ‬مجتمعنا‮ ‬اليمني،‮ ‬فإن‮ ‬مشكلتنا‮ ‬تبدو‮ ‬مضاعفة،‮ ‬
فأحزاب المعارضة لم تمارس دورها الحقيقي بوصفها معارضة مسؤولة، ولم تتعامل مع قضايا الوطن ومشكلاته السياسية والأمنية والتنموية من منظور المصلحة الوطنية العليا، التي تقتضي انتقاد سياسات الحكومة وبرامجها، وطرح بدائل واقعية وحقيقية لها حتى تحظى بثقة الناخب اليمني، وقد كانت قريبة من تحقيق ذلك في أكثر من مناسبة انتخابية، بل تعاملت معها من منظور المصلحة الحزبية الضيقة والآنية، والرغبة في تحقيق مكاسب سياسية فورية، وطرحت خيارات غير واقعية، كما شكلت تحالفات سياسية وقتية غير مدروسة وغير مقنعة تسببت - على عكس ما توقعت - في‮ ‬فقدان‮ ‬الثقة‮ ‬في‮ ‬أوساط‮ ‬انصارها‮ ‬وجموع‮ ‬الناخبين‮ ‬وخسارتها‮ ‬جولات‮ ‬الانتخابات‮ ‬المتتالية‮ ‬التي‮ ‬جرت‮ ‬في‮ ‬بلادنا‮.‬
ولم تكتف بسلبية دورها، بل سعت الى افتعال الأزمات عبر تجمعاتها وخطابها السياسي، وتأجيج مشاعر الحقد والكراهية والعصبية بين أبناء الوطن الواحد، وتأليب المواطنين بعضهم ضد بعض، وضد سياسات وبرامج الحكومة، واستغلال كل مناسبة أو سانحة لإظهار عجز الحكومة عن إدارة دفة الحكم وقيادة شؤون البلاد والعباد، علها تحظى بفرصة أو ظرفية مناسبة للظهور بمظهر البديل الذي يمتلك المبادرة أو الحلول العملية لتلك الأزمات منها: »مشروع الاصلاح السياسي والوطني الشامل، ومبادرة الانقاذ الوطني، وتشكيل مجلس التشاور الوطني، وغيرها من المبادرات‮ ‬والتدخلات‮ ‬غير‮ ‬المجدية‮«‬،‮ ‬دون‮ ‬أن‮ ‬تكون‮ ‬قادرة‮ ‬على‮ ‬تقديم‮ ‬البديل‮ ‬المقنع‮ ‬للمواطن‮ ‬اليمني‮ ‬،‮ ‬او‮ ‬تطويق‮ ‬الازمات‮ ‬التي‮ ‬افتعلتها‮ ‬والمشاعر‮ ‬التي‮ ‬أخرجتها‮ ‬عن‮ ‬إطارها‮ ‬المقبول‮.‬
إجمالاً فإن أزمتنا الحقيقية لا تكمن في وجود وقوة وفاعلية المعارضة السياسية، إنها تتمثل - على العكس - في أنها معارضة هامشية فقيرة وبائسة لم تقنع بممارسة دورها التقليدي ضمن الاطار الذي حدده لها القانون، لأنها اعتقدت أن قوتها السياسية وشعبيتها تضعها فوق نطاق ذلك القانون، وأنها قادرة على تجاوزه بخطاب تعبوي سياسوي فوضوي وعبثي للعب دور أكبر وأكثر أهمية في المجال السياسي الوطني، لكنها حين أرادت أن تتجاوزه لم تستطع أن تقترب في ممارستها حتى من الحدود الممنوحة لها قانوناً.
فهل بعد كل هذا نطمع أن تقف المعارضة مع الاصطفاف الوطني بين أبناء الشعب اليمني في مواجهة الفتنة والحرب التي تدور رحاها في صعدة، والأزمة المفتعلة والمفضوحة في بعض محافظات جنوب الوطن وهي التي سعت الى إشعال فتيلها، وإيقاد جذوتها، وقطع الطريق على كل وساطة أو مسعى‮ ‬حميد‮ ‬من‮ ‬أجل‮ ‬حقن‮ ‬الدماء،‮ ‬ومنع‮ ‬الاقتتال‮ ‬بين‮ ‬الأخوة؟
تمت طباعة الخبر في: السبت, 18-مايو-2024 الساعة: 09:18 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-12344.htm