إسگنـدر الأصبحي -
«الفساد» و«الإصلاح» كلمتان دخلتا قاموس حياتنا اليومية بقوة.. وأخذنا نتداولهما بكثرة.. في أحاديثنا اليومية وفي المقايل والندوات.. في وسائل الإعلام وعلى ألسنة أهل الحكم وأهل المعارضة.. غير أنه بالرغم من ذلك لايبدو أن الجميع متفقون على دلالتي هاتين الكلمتين.. فحين تتبادر إلى ذهن أي منا كلمة «الإصلاح» لابد أن تتداعى «صور» شتى إزاءها.. فقد يخطر إلى البال إصلاح ثلاجة عطبت أو سيارة تعطلت.. أو يتبادر إلى الذهن «برنامج الإصلاح الاقتصادي» أو «المشروع الأمريكي لإصلاح الشرق الأوسط الكبير».. أو «حزب الإصلاح».. وسوى ذلك من «الصور» المتعددة التي قد لاتؤدي المعنى الاصطلاحي الذي يتفق عليه الجميع.. كذلك الأمر في كلمة «الفساد» فبالرغم من كثرة تداولها إلاّ أنها مثل كلمة «الإصلاح» لم تكتسب مفهوماً محدداً وواضحاً متفقاً عليه في الثقافة العربية حتى الآن.. وغالباً مايرتبط الفساد بالدلالة الأخلاقية.. ومع ذلك فإن الأدبيات السياسية والإعلامية العربية.. تتداول مصطلحات مثل «الفساد السياسي» و«الفساد الاقتصادي» و«الفساد الإداري».. إلخ.. • • • مفهوم «الفساد» مثل «الإصلاح» لايزال مكبلاً بالشبهات في ثقافتنا العربية كما عبر المفكر العربي محمد عابد الجابري في كتابه «في نقد الحاجة إلى الإصلاح» والذي يشير فيه إلى أن الكلمة التي تقابل في المرجعية الأوروبية لفظ «إصلاح» في مرجعيتنا التراثية هي كلمة «reform» والتي تعني «إعادة تشكيل» أو «إعطاء صورة أخرى للشيء».. شتان بين مفهوم «الإصلاح» في المرجعيتين الأوروبية والعربية.. فـ«الإصلاح» في المرجعية العربية يتعلق بحصول الفساد في الشيء، ومن ثم فإن الرجوع به إلى ما كان قبل أن يطرأ عليه الفساد يكون الإصلاح.. يضرب الجابري مثلاً لتوضيح المعنى.. يقول: إنه إذا تعطلت بك سيارتك ذهبت بها إلى الميكانيكي لـ«إصلاحها» أي للرجوع بها إلى ما كانت عليه قبل عطلها.. أما في اللغات الأوروبية، فاللفظ المستعمل في هذا المعنى ليس (reform) بل «repair » وهو بالضبط معنى «الإصلاح» في لغتنا، أي إعادتها إلى وضعها السابق.. أما إذا استعملت لفظ« reform» وأنت تتحدث عن السيارة، فإن المعنى سيصبح حينئذ إعطاءها «صورة» جديدة، شكلاً آخر غير الشكل الذي هي عليه، ويكون ذلك في اتجاه الأحسن في الغالب. • • • ومهما يكن من أمر، فإن قضية الإصلاحات ومكافحة الفساد تتوافر عليها دول العالم كلها تقريباً.. وفي هذا الاتجاه حققت اليمن إنجازات مشهودة سواءً على الصعيد السياسي أو على الصعيد الاقتصادي وفي مجال التشريعات والقضاء والإدارة وسواها من الإصلاحات المنجزة، والتي لاينكرها إلا جاحد ومغرض.. ومع ذلك فإن «الفساد» و«الإصلاح» بحسبهما أنهما قدأغريا فرقاء معارضة المشترك لفظياً.. وهو ما يتجلى لديهم في التضليل الدعائي الذي يمارسونه.. لم يلتفت المؤتمر لهذا التهريج.. فدونه مهمات أن ينجز ويغير من أجل حاضر اليمن ومستقبله.. نواصل الحديث في مجال قادم بإذن الله.
صور متعـددة لــ«الإصلاح» والفساد