الإثنين, 18-ديسمبر-2006
‮ ‬تحقيق‮/ ‬أمين‮ ‬الوائلي -
تعتبر صناعة الغزل والنسيج من الصناعات الأساسية الرائدة في اليمن، يتجاوز دورها مجرد إنتاج الأقمشة.. فهي تساهم بقدر متواضع من الناتج القومي، إلاّ أنها قابلة للزيادة وقادرة على صناعة النسبة البسيطة تلك (4٪) بصورة لايمكن تصديقها.. فكل شيء في اليمن مهيأ تماماً لإحداث طفرة صناعية واقتصادية واجتماعية كبرى في قطاع- أو مجال الصناعات النسيجية.. بدءاً من زراعة القطن والتوسع اللامحدود فيها.. واستصلاح مساحات واسعة لزراعته في سهل تهامة ومحافظات ومناطق جبلية وساحلية أخرى ثبت بالتجربة العملية نجاعة الزراعة القطنية المميزة فيها.. ومروراً بالحلج والتنقية والغزل والنسيج وربما يليه الخياطة والإيفاء باحتياجات السوق المحلية من الألبسة والكساء، والاتجاه إلى التصدير.. عوضاً عن الكمية المتواضعة حالياً من محاصيل الأقطان التي يتم تصديرها وإهدار إمكانات كبرى لاستغلالها والاستفادة منها محلياً لدعم السوق والاقتصاد الوطني بطرق أفضل.. وبالتالي يمكن الاتجاه إلى استثمارها وطنياً عبر التوسع في الصناعات النسيجية والزراعة القطنية.. وهذا بدوره يخلق حراكاً اجتماعياً كبيراً ويوفر فرص عملية دائمة ومتزايدة لأعداد كبيرة من العمال والمواطنين.
ونحن نعلم أن الصناعة النسيجية، تحديداً، تتميز بقدرتها الإيجابية في إنتاج وإقامة شبكة واسعة وحيوية من العلاقات الأمامية والعكسية مع قطاع الزراعة وقطاع التجارة وقطاع الصناعة.. وقطاعات أخرى عدة ومهمة.. الفكرة دائماً وأبداً هي أن زراعة وصناعة القطن عموماً تجعل‮ ‬منه‮ ‬أكثر‮ ‬من‮ ‬مجرد‮ »‬ذهب‮ ‬أبيض‮«!‬
أهم‮ ‬من‮ ‬النفط‮.. ‬أثمن‮ ‬من‮ ‬البترول
> إن الجهود الحثيثة التي تستهدف الرُقي بالتنمية وتغذية ميزان الناتج القومي والدخل القومي.. ينبغي أن لاتنصرف عن قطاع الصناعات النسيجية، وأن تصرف جزءاً مهماً وعملياً من توجهها نحو إعادة صياغة المعادلة الاقتصادية والصناعية والزراعية بطريقة علمية تعتمد تقوية وتوسيع‮ ‬دائرة‮ ‬الاستفادة‮ ‬المثلى‮ ‬من‮ ‬الزراعة‮ ‬القطنية‮ ‬كمورد‮ ‬وطني‮ ‬واقتصادي‮ ‬يكاد‮ ‬يقارب‮ ‬في‮ ‬أهميته‮- ‬إن‮ ‬لم‮ ‬يتجاوز‮- ‬النفط‮ ‬والثروات‮ ‬النفطية‮.‬
لا نقول هذا من باب التخمين أو المجازفة.. ولكن بين أيدينا شواهد ودراسات علمية موثقة.. وبحسب رئيس مؤسسة الغزل والنسيج الاستاذ محمد حاجب فإن نسبة 1٪ فحسب من المساحة الكلية والممكن الاستفادة منها في زراعة القطن في بلادنا، هي المزروعة حالياً! ويؤكد أن البيئة اليمنية لاتزال بكراً في هذا المجال ولديها إمكانات عظمى للانطلاق بالصناعات النسيجية- وزارعة القطن- بحيث تخلق حراكاً اجتماعياً واقتصادياً وصناعياً يؤهل السوق المحلية للاكتفاء والتصدير.. فقط.. إذ التفت أهل القرار وأصحاب الإدارة الحكومية إلى ما يقوله الخبراء وتؤكده‮ ‬الدراسات‮ ‬ويتبناه‮ ‬رئىس‮ ‬المؤسسة‮ ‬كمشاريع‮ ‬احتمالية‮ ‬مضمونة‮ ‬الجدوى‮ ‬والفائدة‮.‬
المفارقة‮ ‬المرة‮.. ‬لاتبتسموا‮ ‬الآن‮!‬
> عملياً.. لايخلو الأمر من مفارقة، يسردها بتحسر رئيس مؤسسة الغزل والنسيج وهو اطلع على تجارب مختلفة لعدد كبير من البلدان الشقيقة والصديقة.. سواءً في سوريا أو مصر أو المغرب العربي، أو في بلدان شرق آسيا أو حتى في البلدان الأوروبية وفي استراليا.
وخلاصة المفارقة كما فهمتها منه هي أننا بلد منتج للقطن بأنواع فريدة ومشهود لجودتها عالمياً.. ولكننا، عملياً.. أيضاً، لا ننتج هذه السلعة الزراعية والاقتصادية بما يمكننا أو يؤهل واقعنا لإنتاج كميات كبيرة وزراعة مساحات شاسعة بالقطن.. تظل المساحة المزروعة محدودة‮ ‬قياساً‮ ‬بالمساحة‮ ‬الكلية‮ ‬الممكن‮ ‬زراعتها‮ ‬فعلياً‮.‬
وثانياً.. أغلب الناتج من القطن يذهب إلى التصدير، فيما يمكننا الاستفادة بعشرات المرات من هذه السلعة لو نحن اتجهنا إلى التوسع في المنشآت والمحالج ومصانع الغزل والأنسجة محلياً، بمعنى أن نغزل وننسج قطننا بأنفسنا، وتالياً نخيط الكساء والملابس في ورش ومشاغل محلية‮.‬
بهذه الصورة لن نهدر المليارات الباهظة من العملة الصعبة في استيراد الألبسة الرجالية والنسائية وملابس الأطفال من مصادر عالمية مع العلم بأن هذه الملبوسات المستوردة يدخل فيها القطن كمصدر أساسي.. وهكذا نحن نصدر قطننا بأسعار متواضعة ثم نعود ونستورده بأسعار باهظة‮ ‬وكلفة‮ ‬غير‮ ‬معقولة‮!!‬
شفرة‮ ‬التنمية‮.. ‬هنا‮ ‬نبتسم
‮> ‬والفكرة‮- ‬كما‮ ‬يقول‮ ‬حاجب‮- ‬ببساطة‮ ‬هي‮ ‬أن‮ ‬نتوجه‮ ‬إلى‮ ‬زيادة‮ ‬عدد‮ ‬المصانع‮ ‬الغزلية‮ ‬والنسيجية‮ ‬والمشاغل‮ ‬اللازمة‮ ‬للخياطة،‮ ‬وتكون‮ ‬المادة‮ ‬الخام‮ (‬القطن‮) ‬محلياً‮ ‬100٪‮ ‬ويمكن‮ ‬التوسع‮ ‬في‮ ‬زراعتها‮ ‬بلا‮ ‬حدود‮.‬
بهذا فقط يمكننا إدراك سر وشفرة التنمية الحقيقية.. فنحن سوف نكون وفرنا المليارات من العملات الصعبة التي تستنزفها السلع الواردة من بلدان أخرى ليست منتجة للقطن ولا هي أفضل منا في زراعته.. ولكنها تستورد سلعتنا »خام« وتغزلها وتنسجها وتخيطها ثم تصدرها إلينا بأسعار‮ ‬مهولة‮ ‬نسبة‮ ‬الربح‮ ‬فيها‮ ‬أكثر‮ ‬من‮ ‬60‮- ‬70٪‮!! ‬إن‮ ‬لم‮ ‬تكن‮ ‬أكبر‮.‬
وسوف نوجد حراكاً كبيراً في المجتمع: الآلاف بل مئات الآلاف من فرص العمل سوف توفرها هذه الصناعة المتكاملة والمتدرجة، ناهيك عن أن الملابس- المصنعة محلياً- سوف تكون بكلفة أقل بكثير مما نستورد بها الآن.. وثالثاً سوف نصدر الفائض من القطن والأنسجة والملابس إلى أسواق عالمية شتى وبأسعار لاتصدق لأننا مهما ضاعفنا السعر مرات ومرات سيظل معقولاً ومقبولاً في أسواق العالم.. لأنهم هناك يتوافرون على دخول عالية وليست لديهم صناعات نسيجية، وبالتالي أسعارنا لن تقارن بأسعار أخرى من موارد أخرى.
هذا‮.. ‬لاينقصنا‮..‬
> هل تتخيلون معي، الآن، كم نحن في أمس الحاجة إلى إعادة غربلة وصياغة المعادلة برمتها، بحيث نمسك بزمام التنمية الحقيقية.. ونتملك مفاتيح واحدة من أعظم وأهم الموارد والمصادر اللازمة لتغذية الناتج والدخل القومي وتوفير حلول عملية وعلمية ناجعة لمشاكل البطالة والتنمية‮ ‬الزراعية‮ ‬والصناعية‮ ‬والتجارية‮!!‬
ما من شك فإننا لا تنقصنا الإمكانات البيئية المغرية، ولا المواد الخام المطلوبة واللازمة، ولا الطبيعة الجغرافية المثلى لإنتاج ومكاثرة المواد الخام.. ولا السوق المحلية، أو الأسواق القادرة على استيعاب صادراتنا في هذا الباب.. لا ينقصنا شيء من ذلك لإحداث طفرة غير‮ ‬عادية‮ ‬لن‮ ‬يصدقها‮ ‬من‮ ‬لا‮ ‬يتمعن‮ ‬قليلاً‮ ‬أو‮ ‬يتأمل‮ ‬في‮ ‬الحيثيات‮ ‬السابقة‮.‬
وهذا‮ ‬ما‮ ‬ينقصنا‮..‬
‮> ‬وصدقاً‮ ‬نقولها‮: ‬ينقصنا‮ ‬أن‮ ‬نعتمد‮ ‬على‮ ‬التخصص‮ ‬والدراسات،‮ ‬وأن‮ ‬نفكر‮ ‬بالقاعدة‮ ‬التحتية‮ ‬والبنية‮ ‬التحتية‮ ‬للتنمية،‮ ‬أو‮ ‬أن‮ ‬نبدأ‮ ‬بها‮ ‬ومنها‮ ‬الصعود‮ ‬المتدرج‮ ‬إلى‮ ‬أعلى‮ ‬الهرم‮ ‬التنموي‮ ‬والاقتصادي‮.‬
وينقصنا‮ ‬أن‮ ‬نثق‮ ‬بأنفسنا‮ ‬وقدراتنا‮ ‬وكفاءاتنا‮ ‬المحلية‮.. ‬وأن‮ ‬نبحث‮ ‬لمشاكلنا‮ ‬حلولاً‮ ‬في‮ ‬حقل‮ ‬المجتمع‮ ‬والبيئة‮ ‬والواقع‮ ‬المحلي‮ ‬الواعد‮..‬
> وأخيراً، وليس آخراً.. ينقصنا أن نكوِّن شراكة وطنية فاعلة على مستوى التخصصات كلها، بما فيها الصحافة والإعلام، مع الإدارة الوطنية التي تنوي وتقدر على إنجاز الكثير لكنها- إما محبطة بفعل بيروقراطية جامدة ومعوقات شتى تنتصب أمامها، أو أنها لوحدها تكدح وتجتهد في‮ ‬وادٍ‮ ‬لا‮ ‬أحد‮ ‬من‮ ‬أهل‮ ‬القرار‮ ‬وأهل‮ ‬التخصصات‮ ‬يريد‮ ‬أو‮ ‬يحاول‮ ‬الالتفات‮ ‬إليها‮ ‬إو‮ ‬إلى‮ ‬الوادي‮ ‬الذي‮ ‬تعمل‮ ‬فيه‮ ‬وتقف‮- ‬لوحدها‮- ‬فوق‮ ‬كنزه‮.. ‬تهتف‮ ‬بنا‮: ‬هنا‮ ‬كل‮ ‬الحل‮.. ‬ولا‮ ‬مجيب‮!‬
‮> ‬مرة‮ ‬أخرى‮: ‬لا‮ ‬نحتاج‮ ‬إلى‮ ‬سحر‮ ‬ولا‮ ‬إلى‮ ‬سحرة‮ ‬ومعجزات‮ ‬وخوارق‮ ‬لمعالجة‮ ‬مشاكلنا‮ ‬وتدعيم‮ ‬اقتصادنا‮ ‬وإنجاز‮ ‬وعد‮ ‬التنمية‮.. ‬ونحتاج‮ ‬إلى‮ ‬أن‮ ‬نوجه‮ ‬مشاكلنا‮ ‬نحو‮ ‬الحلول‮ ‬التي‮ ‬نمتلكها‮ ‬فعلياً‮ ‬وتتوافر‮ ‬لدينا‮ ‬بلا‮ ‬حصر‮.‬
قد لا أكون مبالغاً إذا قلت بأن لدينا حلولاً وإمكانات حلول ناجعة ومجدية، أكثر مما لدينا من مشاكل وأزمات.. ونحن، بالتالي.. نملك حلولاً رائدة.. وينقصنا المشكلة! أو أن نبحث للحلول عن مشكلة.. والمشكلة أننا نعرف المشكلة.. ونعرف الحلول.. ولا نعرف لماذا لانجمع هذه‮ ‬بتلك؟‮!.‬

تمت طباعة الخبر في: الخميس, 28-مارس-2024 الساعة: 04:25 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-1778.htm