علي عمر الصيعري -
لا يصعب على الباحثين والمحللين السياسيين لتجربة الديمقراطيات المتقدمة والناشئة على حد سواء، ملاحظة الهدف الجوهري الذي تضعه تلك الديمقراطيات نصب أعينها عند الإعداد والتهيئة لإجراء أي انتخابات عامة، ويتمثل هذا الهدف في ضمان حيادية واستقلالية الإدارة الانتخابية، بل ويصبح بالنسبة للناشئة- كتجربتنا الديمقراطية- أكثر من ضرورة وألح من أهمية ترسخ المداميك التي قامت عليها هذه التجربة، ويكسبها المقدرة على التطور وصولاً الى مصاف دول الديمقراطيات المتقدمة.
ومن أجل تحقيق هذا الهدف حرص نظامنا ومؤتمرنا الشعبي العام والأحزاب السياسية في بلادنا على مراجعة قانون الانتخابات العامة والاستفتاء رقم (23) لسنة 2001م وتطويره بإدخال بعض التعديلات عليه لتعزيز الإدارة الانتخابية لما من شأنه إجراء انتخابات نزيهة وشفافة وتمتين الالتزام بالمعايير والضوابط القانونية التي تحتاجها.
وعلى هذا الأساس جاءت التعديلات الاخيرة التي صوت عليها مجلس النواب بالأغلبية يوم السبت 11 / 12 / 2010م وصدر فيها قرار جمهوري بالقانون رقم (26) لسنة 2010م في اليوم الثاني من إقرارها في البرلمان، لتصبح اليوم أكثر مسؤولية وأقرب ملامسة للهدف الجوهري الذي إليه أشرنا مطلع مقالنا هذا.
كما أن صدور القرار الجمهوري رقم (22) لسنة 2010م بتشكيل اللجنة العليا للانتخابات من القضاة يوم الاربعاء الموافق 2010/12/15م، جاء بمثابة صمام أمان يضمن حيادية ونزاهة الإدارة الانتخابية، وهو الأمر الذي سسيعزز الثقة في نفوس الناخبين والأحزاب والتنظيمات السياسية التي باركت وأيدت صدور هذا القرار وذلكم القانون المعدل بشأن الانتخابات العامة والاستفتاء، كون القضاة من الشرائح الاجتماعية المحظور عليها الانتماءات الحزبية أو التنظيمية، وبوصفهم أهلاً للثقة من سائر ممثلي الاحزاب في اللجان العليا السابقة، كما أن تشكيل اللجنة العليا من بين صفوفهم أفضل وأسلم من الاعتماد على مبدأ التمثيل الحزبي سيما في هذه المرحلة بالذات، مذكّرين أن أحزاب »المشترك« سبق وأن اقترحت بنفسها تشكيل اللجنة العليا من القضاة، وطالبت بإدراجه - أي المقترح - ضمن »اتفاق المبادئ« الذي وقعت عليه مع مؤتمرنا الشعبي العام في سنة 2006م.
ومع ذلك تنكرت أحزاب »المشترك« وعلى رأسها الحزب الاشتراكي للخطوة الشجاعة التي أقدم عليها مؤتمرنا عبر كتلته البرلمانية وبمساندة المستقلين الشرفاء في البرلمان حينما صوتوا بالأغلبية على مشروع التعديلات القانونية، وثارت ثائرتهم في أعقاب صدور القرار الجمهوري بالقانون المعدل، متناسين أن كتلتهم البرلمانية جنباً الى جنب كتلة المؤتمر والمستقلين تدارست وناقشت وصوتت على هذه التعديلات مادة مادة، ولم يتبقَ سوى التصويت النهائي عليها، وهذا ما تم بعد أن تأكد لمؤتمرنا استحالة إقناع »المشترك« بالنزول عند إرادة الشعب في ممارسة حقه الوطني الديمقراطي.. والبادئ أظلم.
قال الشاعر زهير بن أبي سُلمى:
ومَنْ يُوفِ لا يُذمم ومن يهدِ قلبه
إلى مطمئن البر لا يتجمجم {