الإثنين, 14-مارس-2011
الميثاق نت -  د.طارق المنصوب -
صوراً عديدة، ونتائج كثيرة أفرزتها الأحداث السياسية الخطيرة التي شهدها مجتمعنا، وقبله ومعه كثير من المجتمعات العربية، وجميعها تجعلنا نقف أمامها بدهشة واستغراب مما يجري، لا لشيء محدد أو لمصلحة ما، وإنما لتناقضها مع كل منطق معقول، ولتجاوزها حدود كل أمر مقبول، ولاستعصائها على كل محاولة موضوعية للفهم والتحليل.
الأمر الذي زادت معه حيرة الناس ودهشتهم، وربما أثارت معها مخاوفهم من أن ينزلق مجتمعنا إلى المجهول، بالنظر إلى الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي أو القبلي المغاير للمجتمعات العربية الأخرى التي شهدت أحداثاً مشابهة، ولإدراك كثيرين أن ما يحرك الشارع هنا مغاير لما حركه هناك، وأن الأطراف والأهداف تختلف هنا عن هناك. .وأعتقد أن هذا حال شريحة واسعة من جماهير شعبنا، أو ما يسميه الباحثون «الأغلبية الصامتة»، التي لم تكوِّن بعد موقفاً مما يجري، ولذا لا يمكن اليوم الحديث عن رأي عام مع أو ضد. ولعل هذا الأمر دفع أو سيدفع بعض الأطراف هنا أو هناك - في تقليد مأساوي لبعض المشاهد من أحداث مصر وتونس - لمحاولة جر الوطن اليمني إلى أحداث دموية، وجر الشارع والشرطة إلى مواجهات وصدامات مباشرة علها تحرك الأغلبية الصامتة للتعاطف مع أحد الطرفين لحسم صراعه ضد الطرف الآخر، وقد حدثت بعض الأحداث المشابهة لما حدث أمس في العاصمة في عدد من المحافظات اليمنية الأخرى (عدن، وتعز، وحضرموت، وإب، ولحج، وأبين، والحديدة، والضالع، ... وغيرها)، وبأساليب مختلفة قليلاً، لكنها لم تكن بذات الأثر أو النتيجة.
صحيح أنه لا يمكن إغفال أو استبعاد مساهمة بعض الأطراف المقربة من صانع القرار - ولو بطريقة غير مباشرة - في تأجيج كثير من الأحداث، سواءً بالتضليل عليه وعلى الرأي العام الوطني بالتقليل من حجم الاحتجاجات الشعبية والشكوى المتزايدة في أوساط الشباب والشعب اليمني من طول فترة الأزمة وتباطؤ ردود الفعل الحكومية المستجيبة لتنفيذ التوجيهات الرئاسية، أو التسويف وإرجاء تنفيذ بعضها الآخر إلى فترة لاحقة بالرغم من الإعلان عن عكس ذلك (الوظائف، والعلاوات، والتسويات، محاسبة الفاسدين، ... وغيرها)، أم باستخدام أساليب العنف والادعاء بعدم حدوث أي مصادمات أو اشتباكات بين المعتصمين ورجال الشرطة، أو استسهال نسبة كل ما جرى إلى المعتصمين أو إلى أطراف خارجية لم تعد خافية على أحد، وعدم الإشارة عليه بما يتوجب اتخاذه من قرارات عاجلة ومصيرية قد توقف عجلة الأحداث عن الدوران، أو تخفف من سرعتها بما يمكن من تطويقها ومعالجتها، وصولاً إلى إنهاء مظاهر الأزمة كلها. وكذلك، لا يمكن استبعاد قيام بعض المشاركين في الاعتصام والمظاهرات، خاصة منهم المندسين من ذوي الانتماءات الحزبية بافتعال بعض المواقف المثيرة للأهالي ورجال الشرطة علها تنال مبتغاها بإشعال فتيل المواجهات بين الشباب المعتصم سلمياً مع المدنيين من ساكني المناطق المجاورة من جهة، ومع رجال الأمن من جهة أخرى.
والنتيجة النهائية التي ستصل إليها تلك الأطراف هي عشرات القتلى والجرحى الأبرياء من الجانبين، مما يزيد من مساحة الخلاف ويدفع كثير من الناس إلى تبني مواقف متطرفة والانضمام إلى أحد طرفي المعادلة، وعادة ينضم الجمهور للطرف الذي يتصوره ضعيفاً، خاصة مع وجود حرب إعلامية وفضاء سمعي بصري مفتوح وشريك في كل ما يجري من أحداث فتنة، وهو ما يعني عملياً تجاوز أي حديث أو استجابة مع بنود المبادرة الرئاسية الأخيرة، مع أنها لبت كثيراً من المطالب التي طالبت بها بعض أطراف الأزمة، وارتفاع سقف المطالب مجدداً. وسيؤدي ذلك إلى ظهور كثير من أصحاب البطولات الوهمية، ومن مرضى النفوس الراغبين في الإفادة القصوى من الأحداث المشتعلة، والمستفيدين من أجواء الفوضى والانفلات الأمني، والمتاجرين بآلام وأوجاع الناس، الذين يسهل عليك أن تجدهم هنا وهناك، ليعيدوا صياغة تاريخ الابتزاز السياسي، فتجدهم تارة في صفوف الموالاة، وتارة أخرى تجدهم في مقدمة صفوف المعارضة. وحتى تتضح لنا بعض معالم الصورة التي لا نرغب جميعاً في رؤيتها، إليكم بعض النتائج التي ترتبت أو ستترتب عن كل ما يجري، إن لم يتمكن عقلاء هذه الأمة وعلماءها من وأد الفتنة، وإيقاف جميع مظاهر الفرقة بين الأطراف الوطنية، وإن لم تنفع جميع الدعوات الصادقة في إعادة بناء جسور الثقة المتهالكة بين جميع الأطراف المتصارعة:
1- تغييب صاحب المصلحة الحقيقية، أي الشباب المحرك لكل هذه الأحداث، بسبب الاستيلاء على جميع المنابر الإعلامية، واللجان التنظيمية والأمنية، من الأطراف ذات المرجعيات الحزبية تمهيداً للانتقال إلى المشهد التالي، وهو عكس المشهد السابق الذي بدأ سلمياً عبر حركة الشباب اليمني، وبدأ يأخذ منحى أكثر عنفاً وأكثر دموية، مع دخول تلك الأطراف والتحامها بجماهير المحتجين.
2- تغييب القضية الأساسية، ومعها الأهداف الحقيقية التي جرت من أجلها تلك التظاهرات والاعتصامات، أي التغيير السلمي للسلطة، وهو الأمر الذي يمكن أن يكفله بقاء النظام لا إسقاطه، ويمكن أن يتحقق بوسائل ووسائط أخرى سلمية، أقلها كلفة الحوار السياسي المباشر، وبضمانة مشاركة الشباب اليمني أو ممثلوه في جميع اللجان، وتحديد سقوف زمنية لتنفيذ جميع النقاط التي وردت أو سترد في أية اتفاقات سياسية.
3- تغييب قضية محاسبة بعض الأطراف التي كانت سبباً رئيساً في ضيق الشعب اليمني وفي خروج هذه الثورات الشعبية، وخاصة منها تلك التي سارعت لإعلان تنصلها من الحكومة اليمنية، و براءتها من الحزب الحاكم، علها تعثر على ورقة توت لإخفاء جرائم الفساد المالي والإداري التي اقترفتها بحق الشباب والشعب اليمني في جميع محافظات الوطن. وربما تستفيد بعض هذه الأطراف من وضعها الحالي في نيل مكاسب سياسية مستقبلاً بدلاً من أن تكون محلاً للمساءلة أو المحاسبة على جرائمها المرتكبة بحق الوطن والمواطنين، وهو ما يعني عملياً إعاقة أي إصلاح أو تغيير سياسي حقيقي. 4- والنتيجة السابقة ستقود إلى تغييب كثير من المصالح التي دفعت فئات عديدة من الشباب اليمني للخروج إلى الساحات والميادين، أي الحقوق والمطالب المرتبطة بالوظيفة، ورفع المظالم التي ارتكبها بعض رجال السلطة في مجالات القضاء، أو التعليم، أو الأوقاف، أو الخدمة المدنية، أو الكهرباء، أو الصناعة والتجارة، و وزارات الدولة المختلفة، بسبب سيطرة الأطراف الحزبية على المنابر الإعلامية، ولهذا علاقة بكون كثير من تلك المظالم ارتكبت من لدن موظفين ينتمون لصفوف أحزاب المعارضة من درجة مختص أو مدير عام وغيرها من المناصب التي تولوها في الحكومة القائمة. والتحاق كثير من هؤلاء بركب الشباب قد يؤدي إلى الإبقاء على كل أسباب الاحتجاج والثورة، بسبب عدم محاسبتهم.
5- يبدو أن العامل الاقتصادي يبقى الغائب الأبرز، فقد بلغ حجم الإنفاق على المظاهرات والاعتصامات المؤيدة أو المعارضة أرقاماً فلكية يعجز الإنسان عن تخيلها، ومن العدل القول إن تلك النفقات كان يمكن أن توجه لخدمة المشاريع الإنمائية، وخلق فرص حقيقية للشغل للشباب العاطل عن العمل، وحل كثير من مشاكلنا الاقتصادية، وإعادة بناء وإعمار ما خلفته الصراعات السياسية والعسكرية السابقة. وهذا يعني في ظل الوضع المتأزم لاقتصادنا الوطني تحميل أجيال الحاضر والمستقبل تبعات ما يدور من أحداث، وأننا سنترك لهم ديوناً قد تعيق أية تنمية حقيقية. إن لم يتداعى عقلاء الأمة لوأد هذه الفتنة.
كانت تلك بعض النتائج التي نعتقد أنها غابت أو غيبت أثناء حواراتنا ونقاشاتنا عن الأزمة، وأثناء البحث عن مخارج سريعة لحلها، أو إيقاف سرعتها، وهي نتيجة طبيعة يمكن أن تحدث بسبب الضغط النفسي الذي وقعنا جميعاً تحته نتيجة تسارع الأحداث في مصر وليبيا، وتونس، وغيرها. ويجب علينا استحضارها حين البحث عن حلول أو مخرج سلمي لكل ما يجري من أحداث مؤسفة في مجتمعنا اليمني.
تمت طباعة الخبر في: الأحد, 19-مايو-2024 الساعة: 10:31 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-20238.htm