الميثاق نت - فيصل جلول - الميثاق نت

الخميس, 06-أكتوبر-2011
فيصل جلول -
ذكرت في زاوية العدد الماضي من صحيفتنا أن الحرب الأهلية تستقر في بلد من البلدان دون إعلان مسبق وان أهل البلد يدركون بعد وقت طويل أنهم يحتربون لتعذر حل مشاكلهم وخلافاتهم بالوسائل السياسية وان حرب الأهل قد تنتهي بانتصار فريق على فريق آخر بمساعدة خارجية أو بدونها لكن طعم الانتصار يكون مرا وحتى لا يظل مرا يعمد المنتصرون إلى التنازل قليلا تحت شعار المصالحة الوطنية أو السلم الأهلي أو الإجماع الوطني ويتم ذلك كي لا يعيد المهزومون تنظيم صفوفهم ويستأنفون البحث عن وسائل للعودة إلى الحرب. هكذا انتهت الحرب الأهلية بين الشماليين والجنوبيين في الولايات المتحدة بالحفاظ على الوحدة الوطنية والتسليم بالعديد من مكاسب الجنوبيين تحت جناح الشماليين وانتهت الحرب الأهلية في اسبانيا بسيادة الديكتاتورية اليمينية طيلة عهد فرانكو الذي انتصر على اليسار والجمهوريين بيد أن اسبانيا لم تنطلق إلى الحياة مجددا إلا بعد رحيل فرانكو وتحقيق المصالحة بين الجمهوريين والملكيين وإعادة الملكية المخففة على أن تكون السلطة التنفيذية جمهورية وخاضعة للتداول الديمقراطي.
وانتهت الحرب الأهلية اللبنانية بالمصالحة في مدينة الطائف السعودية بعد أن خسر فريق لبناني الحرب وقبول بتقديم تنازلات جوهرية عن صلاحيات رئيس الجمهورية. وقد بادر الجمهوريون في شمال اليمن إلى المصالحة مع الملكيين الذين كفوا عن المطالبة بعودة الملكية و ارتضوا الانخراط في الدولة الجمهورية. ولو عدنا إلى بدايات الأمثلة المذكورة نلاحظ أنها كانت كلها تتميز بعنصرين أساسيين: العنصر الأول هو انقسام الناس إلى فريقين تمثليين لا يستطيع أي منهما فرض إرادته على الآخر بالوسائل السياسية وميلهما إلى حل الخلاف السياسي بالوسائل العسكرية. والعنصر الثاني يكمن في توفر السلاح لكلا الفريقين والتنظيم والتدريب والتعبئة وسيادة روح القتال . ولعل هذين العنصرين يتحكمان اليوم بالحالة اليمنية سواء اقر أطراف الصراع بهذه الحقيقة أم بغيرها..ولعل المقارنة بين لبنان واليمن تفيد في رصد كيفية تسلل الحرب الأهلية إلى البلدين والتي يمكن الوقوف على ملامحها عبر الخطوط التالية:
أولا:اختلف اللبنانيون حول رئيس الجمهورية الراحل سليمان فرنجية. فريق يطالب بإقالته قبل الاستحقاق الرئاسي وانتهاء ولايته الرئاسية وفريق يرفض ويقاتل من اجل كرامة الرئيس. ومن ثم فريق يطالب بتقليص صلاحيات الرئيس وآخر يتمسك بها.
ولعل ما يحدث في اليمن اليوم يشبه تماما الانقسام اللبناني ففي صنعاء أيضا فريق يريد قلب النظام والإطاحة به وفريق آخر يدافع عن الشرعية ويدعو لاحترام الاستحقاق الدستوري.
ثانيا: كان طرفا المعادلة اللبنانية مدججين بالسلاح. الطرف الأول لديه السلاح الرسمي والطرف الثاني تسلح عبر المقاومة الفلسطينية أما في اليمن فان الناس لا يحتاجون لمن يسلحهم ففي بلادهم ما يفيض عن حاجتهم من السلاح والذخائر.
ثالثا: في لبنان انشق الجيش الرسمي إلى عدد من الفرق وما عاد موحدا وانشقت أجهزة الدولة قد وصل الأمر في إحدى السنوات إلى التعايش بين حكومتين وجاوزي سفر وقد تمترست وتمترست الفرق العسكرية في المكان الذي يناسبها. وفي اليمن انشقت الفرقة الأولى ومعها بعض الألوية وهي تزعم حماية فريق يمني في مواجهة الفريق الآخر.
رابعا:يؤرخ اللبنانيون لحربهم الأهلية عبر مجزرة «عين الرمانة» في 13 نيسان ابريل عام 1975 والتي ما زال حتى الآن الذين خططوا لها خلف الستار غير معروفين وهنا لا نتحدث عن المنفذين الذين دخلوا في فخ المجزرة وإنما عن المخططين والمنفذين للجريمة التي سبقتها بأقل من ساعتين.
وفي صنعاء هناك ما يشبه الإجماع على أن مجزرة الجامعة ومجزرة جامع النهدين قد انعطفا بالوضع اليمني نحو الحرب وقطعا الطريق على المساومة السياسية وحتى الآن يتهم الطرفان بعضهما البعض بترتيب المجزرتين وأخال أن الحقيقة في الحالتين قد لا تظهر في أمد قريب.
خامسا: في بيروت صارت معاقل المتحاربين وأماكن سكنهم محاور قتالية : محور «المراية بالعامية» أي المرآة ومحور «النار والنور» وهو متجر لبيع الأدوات الكهربائية ومحور سوق الطويلة للأقمشة. ومحور الفنادق. ومحور البنك البريطاني ومحور الساعة ومحور الثغرة ومحور الشياح وعين الرمانة والمريجة والسوديكو والزيتونة ... الخ وفي صنعاء بدأت تتردد في مجالس العاصمة أسماء جولة الكنتاكي والحصبة والجامعة والتحرير والسبعين والستين وهايل ووكالة سبأ... الخ.
سادسا: في لبنان كانت منازل السياسيين والنافذين قلاع أمنية مزودة بالحراسات والمتاريس وفي صنعاء تلاحظ الظاهرة نفسها مع فارق التركيب القبلي.
سابعا: في لبنان كان السفراء الأجانب محط أنظار المتصارعين وفي صنعاء صار السفراء الأجانب محور اهتمام المتصارعين.
ثامنا: في لبنان كان أنصار كل فريق يستخدمون أوصافا شنيعة ضد رموز الفريق الآخر لإلحاق الأذى به والحط من قدره وفي صنعاء تنتشر هذه الظاهرة منذ بعض الوقت ولعل جوهر التشنيع يعني الحكم بعدم صلاحية الآخر كشريك وبالتالي إظهار النية بإلغائه.
تاسعا : في لبنان كان كل طرف يستخف بالطرف الآخر و يوحي لأنصاره انه قادر على إلغائه برمشة عين فكان أن عجز احد عن إلغاء احد واستمرت الحرب خمسة عشر عاما متتالية ولم تتوقف إلا بعد أن انتشر الجيش السوري في كافة أنحاء لبنان وفرض وقف إطلاق النار على المتحاربين واشرف على توقيع اتفاق الطائف. ولا يتمنى المرء أن يدخل جيش غير يمني إلى ارض اليمن وأن تنتصر حكمة اليمنيين حيث أخفقت حكمة اللبنانيين.
ثمة من يقول أن اليمن يشهد ثورة لتغيير النظام وبالتالي يختلف عن لبنان وهذا غير صحيح ذلك أن لبنان أيضا كان يشهد ثورة لبنانية لتغيير النظام و لحماية الثورة الفلسطينية فيما الفريق اللبناني الآخر يدافع عن الشرعية الدستورية ويمارس دفاعه تحت راية ما كان يسميه ب «المقاومة اللبنانية» وإذا كان صحيحا أن اللبنانيين انقسموا طائفيا فالصحيح أيضا أن اليمنيين منقسمون على أسس أخرى يعرفونها أكثر من غيرهم .
كان كاتب هذه السطور لحظة اندلاع الحرب الأهلية في لبنان فتى ثوريا ينظر من الساحل القريب إلى«القصر الجمهوري» ويراهن على أن سقوطه سيؤدي إلى انتهاء الحرب فكان أن هجر صاحب القصر قصره وما زال لبنان يعيش تداعيات الحرب الاهلية حتى اللحظة وأتخيل شبانا يمنيين يفكرون بالطريقة نفسها غير عابئين بخبرة ودروس بلادهم مع الحروب الأهلية الطويلة شمالا وجنوبا وشرقا وغربا.
تمت طباعة الخبر في: الجمعة, 27-ديسمبر-2024 الساعة: 03:01 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-23317.htm