د. عبدالعزيز المقالح -
بات من الثابت والمؤكد أن واشنطن لم توافق ولن توافق على الوفاق الفلسطيني الذي تم في مكة المكرمة، لأن واشنطن لا تريد حقن الدماء وهي التي تسفكه بغزارة في العراق وأفغانستان وتريد له أن يسفك في كل مكان إرضاءً لرغبة دفينة تتكشف أبعادها يوماً بعد يوم.. وفي أحاديث وزيرة الخارجية كونداليزا رايس في هذه الأيام ما يفضح الغموض الأمريكي الكثيف والمعتم الذي رافق عقد اللقاء بين فتح وحماس في رحاب البيت الحرام، وخلاصة أحاديث السيدة رايس أن ذلك الوفاق ينبغي أن ينتهي وأن يتم استبعاد حماس من حكومة الوحدة الوطنية بوصفها منظمة متطرفة تدعو للعنف!!
وهذا الرفض المطلق لاتفاق مكة ولتشكيل حكومة وحدة وطنية وإصرار الإدارة الأمريكية على استمرار الصراع بين الأشقاء واستعدادها لأن تغذي هذا الصراع مادياً وإعلامياً خدمة لإسرائيل، هذا الكيان الذي كلف الولايات المتحدة - حتى الآن - الكثير وسوف يكلفها أكثر إذا لم تخرج من دائرة الانحياز التام للطرف الجاني، والرافض للسلام الحقيقي والذي يعمل باستمرار ضد ما يفرضه الحق والعدل والعقل والضمير.
ومن المؤكد أن العرب - كل العرب الموالين والمعارضين - لا يريدون من الإدارة الأمريكية أن تتخلى عن معشوقتها الوحيدة في الشرق الأوسط، وأن أحداً من هؤلاء العرب لا ينتظرون أن ينالوا عشرة في المئة من الاهتمام الذي تلقاه المعشوقة، لكنهم جميعاً يأملون ويطمعون في أن يأتي يوم تنظر فيه واشنطن بعين المصلحة، مصلحتها هي إلى قضية الصراع العربي الإسرائيلي، وأن تعترف بأن للفلسطينيين الحق في أن يكون لهم دولتهم المستقلة كاملة السيادة التي تستوعب أحلامهم وتتقلبهم على اختلاف انتماءاتهم السياسية والفكرية، وأن تبتعد الإدارة الأمريكية ما استطاعت عن محاولاتها الخطيرة في إشعال نار الفتنة بين أبناء المأساة والقضية الواحدة لأن ذلك - على المدى القريب كما على المدى البعيد - لن يكون في مصلحة أي بلد في هذه المنطقة الملتهبة.
لقد كان لقاء مكة وما أسفر عنه من مصالحة فلسطينية - فلسطينية، بداية جديدة على طريق الشراكة الأخوية والإقلاع عن الاستحمام في دم الأبرياء والمناضلين في سبيل القضية الأعظم، وكانت النتيجة رائعة بكل المقاييس. واستطاع مناخ مكة - المدينة التي تلتقي عندها مشاعر مليار ونصف مسلم - أن يخفف من غلو الطائشين وحماقاتهم وأن يجعلهم يتذكروا أنهم إخوة وأن أمامهم عدوا مفترسا التهم الجزء الأكبر من الأرض والبشر ويستعد لكي يلتهم ما تبقى، ومن شأن هذه المصالحة، إذا لم تنجح واشنطن في وأدها، أن تعزز موقف الفلسطينيين في العالم وأن تفتح الأبواب أمام الحكومة الجديدة باعتبارها حكومة كل الفلسطينيين لا حكومة فصيل واحد.
لقد دخلت الولايات المتحدة الأمريكية بسبب أخطاء إدارة بوش ورفاقه المتطرفين في متاهة سياسية وأخلاقية غير مسبوقة، ومن حسن حظ العالم أن الماكينة الدعائية التي كانت كثيراً ما تأخذ جانب البيت الأبيض وتسايره في أهوائه ومواقفه الخاطئة قد وضعتها المغامرات المتلاحقة والفاشلة في مرحلة جديدة وفرضت على بعضها المراجعة الشاملة حتى لا تكون طرفاً مشاركاً في الأخطاء الفادحة ومنها الأخطاء التي يرتكبها البيت الأبيض في حق العرب بعامة والفلسطينيين بخاصة.
والسؤال الكبير الذي يشغل الأذهان في كل مكان هو: أي المدينتين سوف تنجح في رسم صورة المستقبل الفلسطيني، مكة أم واشنطن؟ العروبة والإسلام أم الخيانة والاستسلام؟ والأيام القادمة كفيلة بأن تقدم الرد الحازم الصارم، وحينها لا مجال للتكهنات أو التخمينات التي يغرق فيها الإعلام العربي والعالمي.
الدكتور نزار محمد عبده غانم والبحث عن أفريقانية اليمن الموسيقية:
بعد كتابه الذائع الصيت «جذور الوجدان بين اليمن والسودان» والذي يتناول بدقة وتوسع العلاقات اليمنية السودانية في الأدب وفي الشعر بخاصة يطل علينا الدكتور نزار محمد عبده غانم بكتابه الجديد عن الفنون الموسيقية التي تجمع بين بلادنا وأفريقيا. والكتاب دراسة علمية موثقة بالمصادر والمراجع وتسبقه مقدمة قصيرة وعميقة الدلالة للصديق الأستاذ الدكتور أبوبكر القربي وزير الخارجية والمغتربين. وهذا هو الكتاب الثامن في سلسلة الكتب التي أصدرها الدكتور نزار صاحب المواهب المتعددة والنتاج الفني والأدبي الغزير.
تأملات شعرية:
حاولْ أن تغفر لأخيكَ
حماقَتهُ،
حتى لا يدخل من باب حماقتهِ
جيشُ الأعداء.
حاول أن تفتح باباً
أو نافذةً في الليل
إلى فجرٍ يأويك
ولا تأنس يوماً
لاسترجاع غوايات الأصداء!
نقلاً عن الثورة