تحقيق/ توفيق الشرعبي - »من يعمل يخطئ» مقولة طبقها كثير من الأطباء في أغلبية المستشفيات الحكومية والخاصة في اليمن، فبين البحث عن الصحة وفقدانها ثمة خطأ قاتل.. نتغاضى عنه أو عنها لأسباب عدة أقلها عدم الرغبة في دخول دوامة المحاكم وفتح أبواب التقاضي التي لاتغلق، وبين معاناة وألم تنعدم عندهما الثقة بالطب، وخدمات المرافق الصحية والعاملين في هذا القطاع.
ومن بين تفاصيل الأسى حشرجت أمٌ تقول »قطعوا اللِّوز لابني الوحيد فأصابوه بالشلل«.. لا سامحهم الله.. امتدت بعيداً لتحكي واقعاً مأساوياً، يحصل بين حينٍ وحين على الأسرّة البيضاء، وأخطاء قاتلة تحدث في المستشفيات »وهي كثيرة في بلادنا ولايجب السكوت عنها« بحد قول الدكتور أحمد مكي مقرر لجنة الشئون الصحية والسكان في مجلس الشورى..
قصص وحوادث لايستسيغها العقل والمنطق.. لملمنا تأوُّهاتها من واقع الحال نبدأها من هنا.
> ففي 2007/3/13م انتقل شابٌ إلى رحمة الله وعمره لم يتعدَ الثانية والعشرين والسبب أنه خضع لعمليتين جراحيتين في البطن والصدر بإحدى المستشفيات الخاصة بالعاصمة، فنتج عنها شلل في الأطراف السفلى وعدم القدرة على السيطرة على الاخراج، ناتج عن إصابة الحبل الشوكي وعلى أثرها ودّع تاركاً كومة من اللعنات على الاهمال والتقصير..
سنتان ونصف وأبو الطفل يعاني من رأسٍ كبيرٍ لصغير فقد الحركة كليةً إلاَّ من أنين دائم كافٍ لأن يمزق الجلاميد من شدة المعاناة ثم جاء التشخيص، ولكن بعد فوات الآوان، ليكشف أن عقاقير طبية خاطئة ومؤثرة صرفتها طبيبة على حين غفلة من الخبرة والرحمة.
قطعوا رجله
> تتواصل سلسلة الأخطاء فهذا ناصر المنصوري أحد أبناء محافظة الحديدة الذي أتى إلى الصحيفة مقدماً شكوى ومناشدة لوزير الصحة بإلزام مستشفى أهلي بمدينة »باجل« بدفع تعويض له مقابل ساقه اليسرى التي بترها أحد الأطباء الذين يعملون في مستشفى غير مرخص له بحسب رسائل الأجهزة الأمنية وتقاريرها المرفوعة إلى معالي الوزير أثناء قيامها بالتحري والتحقيق التشخيصي الطبي الخاطئ- بحد قول المنصوري- جعل قدمه اليسرى التي دخلها مسمار حقل تجارب للطبيب الذي قرر أخيراً بترها!!
العملية الثانية
> لكن الأكثر سخرية وتندر ما حصل »لسمير« البالغ من العمر 17 عاماً حين أسعف العام الماضي إلى أحد أبرز المستشفيات الحكومية في العاصمة لإجراء عملية الزائدة الدودية وبعد نجاح العملية.. بدت مضاعفات العملية تقيّح ماجعل الطبيب »المتألق« يجري عملية ثانية ليجد قطعة قماش في بطن »سمير«!! المساحة لاتتسع لابراز واظهار مثل هذه الأخطاء والأهم أن نبحث عن أسبابها والبحث عن الطرق التي تتخذها الوزارة لاستئصالها ووضع حدٍ لها تماماً..
أسباب مهمة
> أخطاء يشترك فيها أطباء واختصاصيون وإداريون لكن أسبابها تتمثل بحد قول عاصم السماوي مدير عام المنشآت الصحية الخاصة- بالاهمال والتقصير بل وعدم الفهم عند بعض الأطباء!! وأيضاً الجري وراء الربح المالي عند كثير من المنشآت الخاصة والكثافة المرضية في المستشفيات الحكومية.. ثم يضيف بأن أكثر من 30 حالة تدخل يومياً على الطبيب في يوم واحد تجعل الوقوع في أخطاء التشخيص والمعاينة أمراً متوقعاً.. وكذلك من الأسباب- بحد قوله- عدم تفعيل المجلس الطبي الأعلى وعدم تأهيل الكادر الطبي في بلادنا..
لجنة للرقابة
> لكن مسئولاً آخر لديه وجهة نظر مغايرة.. فبحسب الدكتور نصيب منصور الملجم رئىس الخدمات الطبية بوزارة الصحة فإن الأخطاء الطبية موجودة على مستوى العالم وأغلبها مضاعفات طبية تستغلها الصحف المعارضة للتشهير والتضخيم فقط ووزارة الصحة تسعى من خلال لجنة شكلها الوزير برئاسة الدكتور نصيب للتحقيق في هذه القضايا سواءً عن طريق النزول إلى المرافق التي تحدث فيها إذا وصلتنا شكوى وتتخذ الإجراءات مع المريض إن كان حياً من خلال فحصه وإن كان متوفياً نحيله إلى الطب الشرعي الذي يتبع النيابة وهناك لجنة لتقييم الأداء وإصدار الفتوى إن كان هناك خطأ فعلاً وإحالته إلى القضاء.. إن لم يكن يحصل تنازل من قبل المعنيين.. وطبعاً نوقف الطبيب وعلى المرفق دفع التعويضات..
وعن المجلس الطبي الأعلى والذي صدر به قرار أكد الملجم بأنه لايمارس عمله رغم الشكاوى والحالات التي تصل إلينا كثيرة والأغلبية بحد قول السماوي شكاوى كيدية بسبب الحالة الاقتصادية للمواطن الذي يورط نفسه بالدخول إلى مستشفى خاص مرتفع الأسعار وعند التسديد والمصاريف يقوم هذا المواطن بافتعال االمشاكل والتبليغ والشكوى ليخلص نفسه وبالذات إذا مات المريض.. وبالطبع هناك ورقة يوقع عليها ولي الأمر بأن الطبيب الذي سيجري العملية لايتحمل المسئولية في حالة وفاة المريض ماجعل أحد الأولياء الذي كان لديه حالة مرضية في المستشفى، وأصيبت باعاقة دائمة جراء خطأ وقع فيه الطبيب وحدث ماحدث، ما جعل الأب يحمل مأساته إلى قريته ظاناً أنه قد كتب التنازل للطبيب مسبقاً.. وبهذا الخصوص قال الملجم الورقة التي يوقع عليها ولي أمر المريض هي موجودة على مستوى العالم وهي عبارة عن موافقة لإجراء العملية وهذه الورقة لاتسقط الحق عن ولي الأمر بالمطالبة والشكوى إن حصل تقصير أو إهمال لمريضه ونحن في اللجنة لسنا مع الطبيب ولسنا ضد المريض بل ميزان عدل نبحث عن الحقيقة لنتجاوز السلبيات، ونبحث عن ضمان الجودة لنوجد علاقة طيبة بين المريض والطبيب في بلادنا، ثم يزيد »جلّ من لايسهو وإذا وجد خطأ يحاسب عليه القانون«.
الخطأ بالتشريح
> تبقى العملية الطبية تكاملية والإساءة تشمل الجميع إن وجدت لذا كان للدكتور عبدالكريم ثامر رئىس نقابة الأطباء والصيادلة رؤية تقول بأنه من المفترض ألا تكون هناك أخطاء طبية اطلاقاً، لكن واقعنا اليمني يتخلله القصور في كل المجالات الطبية تبدأ من الطبيب ومسئولياته وتنتهي بالدولة وإمكانيات توفير الوسائل العلاجية المتطورة المواكبة للعصر.
بلادنا اليوم مليئة بالمستشفيات الحكومية وآلاف المستشفيات الخاصة ومازالت تسير على القوانين القديمة التي تعمل على تنظيم المهنة.. ويضيف: النقابة تستقبل كثيراً من الشكاوى بخصوص الأخطاء الطبية وتسعى من خلال تشكيل لجنة لدراسة كل حالة على حده والرفع إلى الجهات الخاصة بالنتائج إذا لم نحتويها نحن في النقابة.. اليوم نحن بأمس الحاجة إلى فريق متكامل يقوم بالرقابة على العملية الطبية برمتها..
ونحن كذلك لانتحدث عن أخطاء وإنما عن شكاوى ناتجة عن التدخل الجراحي ولايمكن لأحد أن يجزم بأن هناك خطأ طبياً إلاَّ بالرجوع إلى تشريح الجثة، فقد يكون السبب ناتجاً عن مضاعفات..
أحد الأطباء قال: إنه وقع في حالة شبيهة حيث قام بقلع ضرس أحد المرضى دون اجراء فحوصات لمعظم الأمراض قبل انتزاع هذا الضرس- الحنبة- بحد قوله، وبعد ان قلع الضرس تبين أن هناك تورُّماً خبيثاً كان تحت الضرس وتمكن من الانتشار ما أدى إلى وفاة المريض بعد فترة ما دفع أسرة المريض إلى أن يشكوا ويبكوا أنني السبب، والمسألة مضاعفات أتت خارجة عن الإرادة، وهكذا يتضح ان بعض الأخطاء ليست إلاَّ مضاعفات توصل إلى ما نسميه أخطاء طبية..
أجانب بلا كفاءات
> وبما أن هناك اشراقات طبية وتطبيباً مشرقاً في بلادنا في بعض المرافق الصحية يساء إليه من حيث لاتوجد الرقابة لابد من عمل حلٍ لكل الوافدين إلى هذه المهنة من الخارج وننظم مجيئهم فمعظمهم يشكلون عملاً عبثياً داخل البلاد لأن عندنا مشكلة عقدة الأجنبي الذي لاندري شيئاً عن خبرته وقدرته على التعامل مع الحالات المرضية أو يتجرأ في المستشفيات الريفية على عمل عمليات تكون أكثر حاجة إلى متخصصين هكذا قال د. عبدالكريم ثامر.. وهذا ما أكده أيضاً الدكتور أحمد مكي بقوله: أن هناك أطباء يأتون من الخارج ليس لديهم الكفاءة الكاملة للعمل الطبي.
العملية الطبية
> ونخلص إلى أنه لابد من تجاوز هذه الأخطاء الطبية التي نطرحها أمام وزارة الصحة والسكان ولن يتأتى هذا التجاوز إلاَّ من خلال الاشراف المباشر للوزارة تجاه كل اقطاب العملية الطبية من طبيب ومختص ومختبر وتشخيص أشعة وأجهزة وغيرها من وسائل التطبيب، لأن الأخطاء الطبية جزء منها من الطبيب وجزء ينتج عن المعلومات التي تصل إلى الطبيب والتي يذهب ضحيتها العشرات من المرضى إذا لم نقل المئات بينما الجهات المختصة تنظر حيالها على استحياء!!
وسيظل التساؤل كيف حصل الأطباء الذين يعالجون الألم بالموت على شهادات؟ وكيف وصلوا إلى هذه المهنة دون مرورهم بامتحان حقيقي عملي وإنساني في الوقت نفسه؟ وسيبقى القول ان هناك اهمالاً يدلل على التهاون المشترك بين كليات الطب والمستشفيات ونقابة الأطباء وعلى رأسهم وزارة الصحة والسكان التي تسمح لمثل هؤلاء مزاولة مهنة ليسوا على القدر الكافي من الكفاءة والتأهيــــــل العالي.. ولابد في الأخير أن يخضع الأمر كلـــــه لقـــــانون يحمــــــي المرضـــى من التهاون وتلاعب المتلاعبين بأرواح الناس ويحمي أيضاً الأطباء والممرضين من أنفسهم واخطائهم وإن كان من غير قصد!!
|