عبدالرحمن مراد -
< بالأمس تناقلت شبكة التواصل الاجتماعي صورة امرأة تحترق وقيل في مضمون الخبر إنها أقدمت على حرق نفسها بعد أن تعرضت للاغتصاب من قبل جماعات تنتمي الى المعارضة السورية ومن جنسيات عربية مختلفة «جماعات جهادية» وقبل ذلك كانت الفضائيات قد نقلت خطاباً تحريضياً للقرضاوي ضد العلماء الذين يساندون «طاغية الشام» حسب تعبيرهم، ولم يلبث القرضاوي أن ظهر في الفضائيات باكياً صديقه البوطي الذي استهدفته المتفجرات وهو في مسجد.. وفي حنايا الأحداث خلال الاسبوع الماضي قرأنا اعترافات جهادي عائد من سوريا قال فيها إن الذين يذهبون الى المعركة لا يعود منهم أحد وإن نيران المعارك لا تبقي ولا تذر ومن يعود منهم يعود جريحاً الى أراضي تركيا، وهناك في تركيا تلتقفه آيادٍ ليست بيضاء طبعاً، قيل إنها تأخذه الى مزارع لتأخذ منه أشياء من أعضائه وما يتبقى منه تلتهمه ألسنة النيران على مذهب الهندوس، ويؤكد هذا الخبر ما تناقلته الصحف حول لقاء السفير الروسي باليدومي حيث قال الخبر: إن السفير سيرجي كوزولوف قال لليدومي إن سوريا ليست كأفغانستان، وأن اليمنيين الذين يتم إرسالهم عبر رجال الدين للقتال في سوريا باسم الجهاد، كلهم يُقتلون، وأن كل من أُرسلوا للقتال في سوريا هم في حكم الموتى، وعملية إرسالهم بمثابة قتل لهم ورميهم الى التهلكة».. وأمام كل ذلك يقف المرء في ذهول ودهشة، فالأحداث ومتوالياتها في عموم الرقعة الجغرافية التي وقعت فيها ثورات الربيع العربي كشفت لنا سوءات ما كنا نتمنى أن نصل الى مرحلة اليقين بها، فالتشوه الأخلاقي والتشوه القيمي، وتشوه المنظومة العقائدية، وسقوط أدعياء الدين في مساقط الابتذال والتناقض وارتفاع منسوب فقه الغنيمة، والمتاجرة بالبشر، وقضايا كثيرة شابت المسار الحركي عملت وتعمل على تفكيك المنظومة الثقافية التي ترتكز عليها حركة الاخوان في منطلقاتها وتفاعلاتها السياسية والاجتماعية، والقضية لو كانت تقتصر على حركة الاخوان لكُنا سلَّمنا بالأمر ولكنها قضية عامة تمس كيان أمة، وديناً عظيماً هو أعلى وأجل شأناً أن يكون يمثل تلك الصورة التي يرسمها القرضاوي ومن هم على شاكلته من المثقفين الدينيين الذين لا تتجاوز وظيفتهم وقيمتهم الفكرية مربع التبرير للملوك والأمراء، أولئك الملوك والأمراء الذين يذهبون الى منتجعات أوروبا فيعيثون فيها فساداً، من حيث التجرد من كل علائقهم الدينية، ومن حيث التفسخ الاخلاقي والقيمي ومن حيث الإساءة الى القيمة العقائدية والثقافية والاخلاقية للدين الاسلامي، ومن حيث العبث بأموال بيت مال المسلمين والتي في الغالب تُهدر عبثاً على بيوت الدعارة وحانات الخمور ودور المجون واللهو، ولا نكاد نسمع من أولئك المثقفين الدينيين نصحاً وقد أُمروا به، أو كلمة حق وقد أوجبها الله عليهم، ولكنهم قد يسارعون الى القول إن البوطي- «العالم الديني السوري الذي يختلف مع القيادات الماجنة في الرأي وقتل النفس وتدمير مقومات الحياة في سوريا»- كان شراً كبيراً، وفي المقابل فنحن لم نسمع من السديس صاحب ذلك الرأي رأياً مناهضاً لحكامه الذين يسفكون الدم المسلم في أكثر من مكان ويحرمون المسلمين من أسباب رزقهم في أراضيهم، لم نسمع السديس يوماً وهو يتحدث الى حكام الصحراء أن المسلمين هم أحق الناس بثرواتهم من بنوك أمريكا وملاهي أوروبا وشركات هوليود السينمائية، لم نسمعه يتحدث يوماً عن خلق التوحش الذي يتعامل به أزلام حكامهم مع المسلمين الجائعين الباحثين عن أسباب رزقهم في الأراضي التي بارك الله حولها وجعل أفئدتهم تهفو اليها، ولكننا سمعنا السديس يتحدث عن البوطي أنه شر كبير حين رأى حكام الصحراء يقولون ذلك. ما الذي يحدث؟!! لقد قرأنا رموز السلفية من عند الإمام أحمدبن حنبل مروراً بابن القيم وابن تيمية وانتهاءً بالإمام محمد عبدالوهاب، ولم نجد ما يشاكل أو يضاهي أو يماثل ما يحدث في زمننا، زمن الرويبضة الذين يتحدثون عن الاسلام ويقعدون عن نصرته، الذين يفتحون أجواءهم وأرضهم ويفرشون عيونهم لجيش الغزو على أراضيهم ويرون فيهم القريب المناصر ويفتون بقتل من هم على دينهم ويعترف بنبيهم وينطق الشهادتين على اعتبار أنهم الأشد خطراً على الاسلام والمسلمين، فالقواعد الامريكية والبوارج والجنود المنتشرون في الموانئ والمياه والارض وحول آبار النفط لا تشكل خطراً على الاسلام والمسلمين، لكن العالم المسلم الذي وهب نفسه لله وللإسلام وانقطع للعبادة ولتعليم مبادئ الاسلام في بيت من بيوت الله في دمشق هو الخطر والشر المستطير على الاسلام والمسلمين.. ألا تبدو المعادلة الدينية مختلة هنا منطقياً، كما أن فتوى المناكحة التي تُنسب الى محمد العريفي وتداولتها مواقع التواصل الاجتماعي تبدو - إن صح صدورها - أنها ذروة الانفصام والتفسخ الاخلاقي والقيمي والعقائدي وهي بمثابة التدمير الممنهج للاسلام ولمنظومته الأخلاقية والعقائدية، وتكاد صورة الربيع العربي تتماشى مع تلك الصورة التي وقعت في العراق على إثر سقوط بغداد.. وجل ما أخشاه ان تصبح أوطان الربيع العربي بذات النمطية التي عليها دولة العراق من الانقسام والتشظي والحالة السياسية والأمنية التي لا تبدو أنها مستقرة من عقد من الزمان وحتى الآن.