الأحد, 05-أغسطس-2007
الميثاق نت -   عبدالرحمن الشامي -

يبدو أننا في وطننا العربي الكبير، ونحن في اليمن جزء منه، لا يزال حظنا من الديمقراطية العملية والسلوكية محدوداً، فنحن نتحدث عنها كثيرا وقليلا ما نطبقها في حياتنا، وقلما نرضى بما تأتي به أدواتها، والأمَّر من ذلك والأدهى منه هو أننا معشر الشعوب كلما قطعنا فيها خطوة إلى الأمام أعادنا البعض بممارساتهم غير الديمقراطية ضعفها مرات إلى الوراء، وكأننا في قطيعة مستمرة مع هذه العملية المتحضرة التي لم تجد النظم السياسية حتى اليوم وسيلة أنفع منها ولا أجدى لإدارة كفة الحياة فيها وفق أسس مدنية حديثة. أما أحد الأسباب الجوهرية لهذه المعضلة فيكمن في نظرتنا القاصرة إلى الديمقراطية، وفهمنا الشكلي لها من خلال بعض أدواتها، ويأتي "صندوق" الاقتراع الموسمي الممارسة في سائر دول العالم الديمقراطية في مقدمة هذه الأدوات، في حين أن القضية أعمق من هكذا ممارسة، فالديمقراطية عملية ممتدة، وإيمان بحق الأكثرية وتسليم بإرادتها، وممارسة يومية حياتية تحتوى سائر الأنشطة: العامة والخاصة، وتحكم اتخاذ القرارات في كافة مستوياتها، وهي -أي الديمقراطية- في النهاية نظام سياسي يمثل سياجا يحمى البلدان من أي تمزق، ويدفع عنها كل ما من شأنه أن يمس أمنها أو يهدد سكينتها الداخلية. أما بعض المخاطر المترتبة على بعض هذه السلوكيات الفردية مهما حشدت لها الجموع فهي أنها في نهاية المطاف تحسب علينا جميعا، وتلحق مساوئها بالكل جراء التعميم الخاطئ، ومن ثم توصل إلى الغير فكرة مفادها بأن مجتمعاتنا لا تصلح للديمقراطية، ولا يمكن أن تصلحها الديمقراطية، وتلك رسالة خاطئة، ومؤشر سلبي على جميع القوى الوطنية المؤمنة بالديمقراطية الوقوف ضده، وأن تحول دون حدوثه. في سائر دول العالم استقر الرأي العام بين الناس، ويتعلمه الصغار منذ نعومة الأظافر على وجود ثوابت وطنية معينة، تجتمع الأمة حولها، ويستميت الأفراد في الدفاع عنها، لأن في ذلك مناط حياتهم، ومنه يستمدون بقاءهم، فعلى تلك الثوابت الوطنية يترتب مصير البلدان، ويناط بها مستقبل الأجيال القادمة، وحين يغدو بعض أفراد الأمة مهما كانت الظروف في حاجة إلى التذكير بهذه الثوابت ما بين آونة وأخرى، والتنبيه إلى خطورة الاقتراب منها، ومخاطر المساس بها فإن ذلك يدل على خلل في الذاكرة التي تحتاج إلى العلاج الطويل. نحن في اليمن قمنا بثورة: "سبتمبر" و"أكتوبر" منذ ما يزيد اليوم عن أربعة عقود من الزمن لتخرج البلاد بهما من حقبة الظلام إلى عصر النور، وفي عام 1990م حققنا الوحدة اليمنية لتنتهي اليمن من فترة عرفت فيها كثيرا من الصراع والشقاق الذي وصل إلى حد الاحتراب بين الإخوة وأبناء الوطن الواحد، ومن ثم فإن لم يكن للوحدة اليمنية من المحاسن غير تجنيبنا هذا الشر، وطي هذه الصفحة السوداء في حياتنا إلى غير رجعة لكفاها فخرا، ولكان ذلك مدعاة لنا للمحافظة عليها والدفاع عنها بكل ما أوتينا من قوة، وذلك هو ما جعل كثيرا من بلدان العالم يتفاءل بهذا المنجز التاريخي، لأنه يمثل إضافة كبيرة إلى عوامل الاستقرار في المنطقة العربية، أما ما الذي يعنيه هذا الحدث على المستوى الوطني فلا أتصور بأننا معشر اليمنيين المؤمنين حقا بهذا الوطن والمحبين الخير له والراغبين في تحقيقه من مختلف التوجهات السياسية والاجتماعية في حاجة اليوم إلى الحديث عن ذلك، لأن تلك مسألة تتعلق بالانتماء الوطني والثوابت الأساسية في المقام الأول. سياق الحياة اليمنية، وحوادث التاريخ اليمني وأحداثه تقول لنا: إن الوحدة اليمنية هي خيارنا الاستراتيجي، وضرورة تاريخية لا يقبل أبناء الأمة التفريط فيها، ولا يمكن لفرد خالص الانتماء إلى هذا الوطن أن يقبل مجرد التفكير في ما يتعلق بالمساس بها، ناهيك عن مسألة التفريط فيها، فهي واحدة من الثوابت الوطنية، وهي موضع إجماع الكل، لأنها جزء لا يتجزأ من تراب هذا الوطن، وضمان أمنه وسلامته واستقراره، ومن ثم فإن أي توجه غير ما سبق هو عمل مرفوض بحكم عقيدة الأمة الواحدة التي تدعو إلى التوحد وتحث عليه، وتنهى عن الفرقة وكل ما يؤدي إليها، وهو تصرف منبوذ بحكم الاختيار الديمقراطي التي لم تعن في يوم من الأيام، ولا في مجتمع من مجتمعاتها الخروج على ثوابت الأمة وتهديد مصدر وحدتها، ومن ثم فإن أي صوت يظهر بعكس ما سبق هو من ما يقع في سياق "التغريد" خارج نطاق السرب اليمني الواحد، واللحاق بأصوات النشاز الكريهة التي تسعى إلى إثارة النعرات والأحقاد والطائفية الممقوتة، وإذا ما استفحلت هذه الأعمال إلى مستوى يهدد سلامة الأمة، ويمس بوحدة صفها فإن في ذلك ما يضعها تحت طائلة المساءلة القانونية، وفق الأبجديات الأولى للديمقراطية، وانطلاقا من ثوابت الدين وأسس العقيدة. إنه لمن المؤسف حقا بعد مضي كل هذه الفترة الزمنية، ومرورنا بمختلف التحولات التاريخية، ومعايشتنا للعديد من الأحداث الوطنية، ومعاصرتنا لما يحدث حولنا في عالمنا القريب والبعيد- من المؤسف بعد كل هذا أننا لا زلنا اليوم في حاجة ماسة إلى معرفة معنى الفصل بين ما هو شخصي من التصرفات والأفعال التي يعود خيرها أو يلحق شرها على الفرد وحده، وبين ما هو وطني تحل عواقبه بأفراد الأمة والبلاد بأسرها، تلك مسلمة أولى من مسلمات التعامل مع الأوطان، وبدهية من بدهيات الحياة على أرض واحدة، والانتماء إلى نسيج مجتمع واحد، ومهما كانت المظالم فإن هناك قنوات شرعية لإنصاف أصحابها، وطرق معروفة للحصول عليها، وإذا كان البائع الرديء يمكن أن يصيب البضاعة الثمينة بالكساد فإن صاحب المشكلة قد يخسر مشكلته وتعاطف الآخرين معه حين يسيء عرضها، والقضايا مهما كانت أحقيتها قد تتوه إذا ما سمح أصحابها لغيرهم باستغلالها، واتخاذها مطية للوصول إلى مآرب أخرى، تلك هي أصول التقاضي، وأبجديات المطالبات بالحقوق. وفي الأخير تبقى المحافظة على اليمن ووحدته، وضمان أمنه واستقراره، والعمل على تنميته وتطويره هي بطاقة الانتماء الحقيقي إلى هذا الوطن، ومفردات استحقاقه الأساسي علينا جميعا، ولن يسامحنا التاريخ، أو تغفر لنا الأجيال إن فرطنا في شيء من ذلك ولو قيد أنملة واحدة.


"الثورة".

تمت طباعة الخبر في: الأحد, 23-يونيو-2024 الساعة: 07:52 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-4119.htm