الأحد, 12-أغسطس-2007
الميثاق نت -  د. عادل الشجاع -
تجليات المخيال الديني كثيرة ومتنوعة، تظهر تلك التجليات وتزدهر في الثقافات الشفهية التي تتراجع فيها القراءة، ويصبح الإسلام هو الأصل الذي ينشأ حوله ويموت كل شيء، وعلى هذا الأساس تحاول الجماعات المتأسلمة تشكيل فكر تاريخي لدعم فكرتها حول »حاكمية الله« وان الحكام الحاليين مغتصبون للحكم والمجتمع المستسلم لهؤلاء الحكام يعد جاهلياً وكافراً.. إن هذه الجامعات لاترى جديداً في حاضر المجتمع، فأعداء اليوم هم كأعداء الأمس، وهي بالتالي لاتستطيع أن تنظر إلى الآخرين سوى من خلال قياس الفروع على الأصول، ومن خلال قياس الجديد على‮ ‬القديم‮.‬
ولنا‮ ‬أن‮ ‬نسأل‮ ‬رافعي‮ ‬شعار‮ ‬الحاكمية‮ ‬لله‮: ‬إذا‮ ‬كنتم‮ ‬ضد‮ ‬حاكمية‮ ‬البشر،‮ ‬فمن‮ ‬الذي‮ ‬تحكم‮ ‬إذاً،‮ ‬مادام‮ ‬الله‮ ‬لايحكم‮ ‬مباشرة؟
الجماعات المتأسلمة تستغل المشاعر الدفينة وتستثمر نفسية الإنسان المفعمة بالنزعة الدينية لصالحها، تريد أن تحكم هي باسم الله، وربما هذا ما يفسر إصرار هذه الجامعات على التأكيد على حاكمية الله باعتبارها وسيلة مؤثرة وفاعلة في تحقيق أهدافها السياسية الدنيوية وفي مقدمتها الوصول إلى السلطة والاستئثار بالثروة.. هذا من حقنا أن نسأل لماذا يصر هؤلاء على توظيف الحاكمية لله والإسلام هو الحل.. ترى في ظل حاكمية الله، ماهو شكل الدولة؟ وما نظامها الاقتصادي؟ وما سياستها؟ والأهم من هذا كله، كيف تكون العلاقات الدولية؟
إننا أمام زمن مجتمعي فقير يكثر من الحديث عن »الحاكمية لله« و»عذابات القبر« ولايقترب من عذاب المضطهدين في الحياة، فهؤلاء ينتجون وعياً فقيراً، يفسر اليومي المشخص لكليات مجردة، وهكذا أصبحنا مستلبين لايحق لنا المشاركة في صوغ السلطة التي ينبغي أن تحكمنا ولايحق لنا‮ ‬تأويل‮ ‬النص‮ ‬الديني،‮ ‬فكل‮ ‬ذلك‮ ‬موكل‮ ‬إلى‮ ‬هؤلاء‮ ‬الذين‮ ‬يعتبرون‮ ‬أنفسهم‮ »‬خبراء‮ ‬الدين‮« ‬الذين‮ ‬يفرضون‮ ‬أنفسهم‮ ‬علينا‮ ‬بوصفهم‮ ‬خلفاء‮ ‬الله‮ ‬في‮ ‬الأرض،‮ ‬ليفرضوا‮ ‬علينا‮ ‬تأويلاً‮ ‬واحداً،‮ ‬يرى‮ ‬ما‮ ‬عداه‮ ‬ضلالاً‮.‬
لقد‮ ‬انجزت‮ ‬الجماعات‮ ‬المتأسلمة‮ ‬أمرين‮ ‬مترابطين‮: ‬إيقاف‮ ‬السيرورة‮ ‬الديمقراطية‮ ‬النهضوية،‮ ‬وتصنيع‮ ‬مجتمع‮ ‬مهزوم‮ ‬مغترب‮ ‬يساوي‮ ‬بين‮ ‬الحداثة‮ ‬والكفر،‮ ‬يتكئ‮ ‬على‮ ‬خبرة‮ ‬اجتماعية‮ ‬قوامها‮ ‬الفقر‮ ‬والاحباط‮.‬
ونحن نشاهد كل يوم، حينما يطلع علينا من يحمل شهادة دكتوراه ليطرح علينا بديلاً تراثياً ويقود حرباً ضد الحداثة ويختزل كل شيء بعمومية »الإسلام هو الحل« ويريد أن يقنعنا بقبول الاستبداد المقدس تحت اللافتة الدينية.. واضح جهله وغياب المعرفة لديه، فهو يبحث عن المعنى‮ ‬المفقود،‮ ‬يريد‮ ‬منا‮ ‬ان‮ ‬نستسلم‮ ‬للشيخ‮ ‬والولي‮ ‬لنضفي‮ ‬عليهما‮ ‬هالة‮ ‬من‮ ‬القداسة،‮ ‬كما‮ ‬لو‮ ‬كان‮ ‬على‮ ‬الإسلام‮ ‬أن‮ ‬يقطع‮ ‬مع‮ ‬الأزمنة‮ ‬الحديثة‮ ‬وما‮ ‬قبلها‮.‬
إنهم أناس نشأوا على تقاليد الطاعة والإذعان، فهم يأخذون بالمطلق ويمنعون النسبي، وبالواحدية، ويحرمون التعدد، وبالتكفير، الذي ينهي عن الحوار، إنهم يتخيلون مجتمعاً مثالياً لا وجود له، وبالتالي يريدون أن يخترعوا هذا المجتمع قسرياً.
وعلينا‮ ‬أن‮ ‬نسألهم‮: ‬هل‮ ‬جاء‮ ‬الإسلام‮ ‬لهداية‮ ‬الإنسان‮ ‬والارتقاء‮ ‬به،‮ ‬أم‮ ‬ولد‮ ‬الإنسان‮ ‬لخدمة‮ ‬المقاصد‮ ‬الدينية؟
إننا أمام دعوة إلى إسلام متخيل تفسر بجموع بشرية محبطة مغتربة ترى في موروثها الإسلامي ملاذاً وهوية وعزاء، فالاعتقاد بإمكانية استئناف التجربة الإسلامية في شكلها الأول تعبير عن وعي جماعي مأزوم، يرفض الواقع المعيش بواقع وهمي لايمكن الوصول إليه.
إنهم أناس مأزومون ويائسون، هذه الأزمة التي تحمل من اليأس وجوهاً كثيرة، وهم نتاج جملة ظواهر مختلفة، تتمثل في محاكاة الماضي في الهيئة واللباس، اعتقاداً منهم أن محاكاة الماضي يعني استرجاعه، علماً أن هذه المحاكاة تصنع عقلاً ماضوياً، لا يغير الحاضر ولايسترجع الماضي‮.‬
فهم‮ ‬يتوهمون‮ ‬الماضي‮ ‬فردوساً‮ ‬مفقوداً‮ ‬مستبعدين‮ ‬منطق‮ ‬العقل‮ ‬ومفهوم‮ ‬السبب‮ ‬والسببية‮.‬
لقد‮ ‬أصبحنا‮ ‬أمام‮ ‬عقل‮ ‬إيماني‮ ‬يرفض‮ ‬العقل‮ ‬العلمي،‮ ‬يختزل‮ ‬العلمانية‮ ‬إلى‮ ‬جملة‮ ‬من‮ ‬الظواهر‮ ‬المارقة،‮ ‬التي‮ ‬تصور‮ ‬المجتمع‮ ‬الحديث،‮ ‬على‮ ‬أنه‮ ‬مجتمع‮ ‬لايليق‮ ‬بالمسلمين‮.‬
لذلك يقوم العقل الإيماني بتكفير كل من يدعو إلى العلم الغربي والأخذ به معتبراً أن ما جاء به الغرب وما سيجيئ به قائم في القرآن، لذا لايقبل هؤلاء المتذرعين بالعقل الإيماني بالشروط التاريخية التي انتجت الديمقراطية ودورها في الارتقاء الاجتماعي.. وبالتالي فالديمقراطية‮ ‬عندهم‮ ‬هي‮ ‬الشورى،‮ ‬التي‮ ‬هي‮ ‬من‮ ‬اختصاص‮ ‬نخبة‮ ‬مؤمنة‮.. ‬وأصبحوا‮ ‬يعالجون‮ ‬الحياة‮ ‬المتحولة‮ ‬بـ‮»‬فتاوي‮« ‬ثابتة‮.‬
وعلى هذا، فإن المطلوب، الذي لايبدو قريباً فصل الدين عن السياسة من أجل إعادة الاعتبار إلى معنى الدولة والمجتمع والإسلام، انطلاقاً من حاجات الإنسان الحقيقية التي تتضمن الحرية والكرامة والحق في عيش كريم، متحرر من الفقر والاستبداد.
نحن بحاجة إلى عملية تاريخية تعيد النظر في الاجتهاد الفقهي بما يتناسب مع العصر، وبما يقتضي إعادة النظر في كتب الفقه والحديث والتفسير والسيرة والعمل على تنقيتها مما فيها من شوائب، لاتتفق مع العقل ومع المنهج العلمي.
ترى هل نستطيع فعل ذلك؟ فلو استطعنا ذلك لأوجدنا عقلاً مستنيراً قادراً على الحوار والتفاعل مع الواقع والدفاع عن المصالح العامة ولأنهينا قصة الأخذ بالثأر من الدولة والمجتمع وحلينا قضايانا بالحوار الوطني، فالإسلام ليس لديه خصومة مع أحد، إنما الخصومة في الصراع على‮ ‬السلطة،‮ ‬والسلطة‮ ‬في‮ ‬الشعب‮ ‬وليست‮ ‬في‮ ‬الإسلام‮.
تمت طباعة الخبر في: الأحد, 23-يونيو-2024 الساعة: 03:40 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-4222.htm