فيصل الصوفي -
يقال إن معظم الأطراف السياسية في البلاد تعمل من أجل نقل الحوار من موفنبيك في صنعاء إلى أي مكان آخر، وربما يكون هذا المكان خارج حدود اليمن، وإن الاتفاق اليمني لا يمكن أن يتم إلا بعيداً عن التراب اليمني، ولا بد له من رعاية خارجية، لأن مؤتمرات ولقاءات الحوار في الداخل لم تنجح.. يقولون هذا رغم أن حوارات موفنبيك وما قبلها محاطة برعاية خارجية، لمن يشعرون في قرارات أنفسهم أنهم قاصرون.
أزعم أن القوى السياسية والاجتماعية متأثرة في اللاوعي بتاريخ زاخر بالمؤتمرات الداخلية والخارجية.. فقد ارتبط اسمها بأكثر عدد من هذه المؤتمرات، مثل «مؤتمر حرض»، و»مؤتمر عمران»، و»مؤتمر خمر»، و»مؤتمر الجند»، و»مؤتمر حمر»، و»مؤتمر جبلة»، و»مؤتمر جدة»، و»مؤتمر الطائف»، و»مؤتمر أركويت»، و»مؤتمر الخرطوم»، و»مؤتمر القاهرة».. وغيرها من المؤتمرات واللقاءات في طرابلس والجزائر والكويت وبيروت وموسكو، ووثيقة عمان، وصولاً إلى اتفاق جدة 2011م. من قبل كان الجمهوريون في صنعاء يتصارعون بفعل تأثير خارجي، ويتفقون في القاهرة أو غيرها من جهات الخارج، وكانت كل من جبهتي القومية والتحرير في الجنوب تتصارعان بتأثير خارجي، وتدمجان ثم تنفصلان ثم تقتتلان بتأثير خارجي، وكان قياديو الحزب الاشتراكي اليمني في عدن يتصارعون وينفي بعضهم بعضاً إلى الخارج، ويتفقون بتدخل من موسكو أو من شيوعيين عرب في بيروت.. والخلافات والحروب بين الشطرين كانت تغذيها وتحرض عليها وتمولها أطراف خارجية، ثم تنتهي بتدخل قوى خارجية.. ولم يحدث اتفاق ووئام إلا في الحالات التي كانت فيها الإرادات الوطنية هي صاحبة القول الفصل.. ألا تكفي العبرة من ذلك الإرث التاريخي؟
***
واحدة من مظاهر تراجع اليمنيين إلى الوراء، ما يحدث في عدن هذه الأيام.. منذ منتصف سبعينيات القرن العشرين كان الشعار السائد في الجنوب هو: «لنناضل من اجل الدفاع عن الثورة اليمنية، وتنفيذ الخطة الخمسية، وبناء الحزب الطليعي»، ثم بعد انجاز مهمة «بناء الحزب الطليعي»، أضيفت إلى الشعار قضية الوحدة، فأصبح: «لنناضل من اجل الدفاع عن الثورة اليمنية، وتنفيذ الخطة الخمسية، وتحقيق الوحدة اليمنية».. واليوم يتعرض عسكريون ومدنيون في عدن وغيرها لشتى صنوف التنكيل والاستبعاد لأسباب مناطقية.. أي لأنهم شماليون.. ومن العجيب أن معظم الأحزاب السياسية، وفي مقدمتها القومية- اليسارية، صاحبة ذلك الشعار، لم تبدِ أي استنكار لتلك الممارسات المناطقية، أو التحذير من خطورتها على ما تبقى من الوحدة الوطنية، كونها تهتك، بل تدمر النسيج الاجتماعي.