محمد علي عناش -
< تكلمنا في مواضيع سابقة أن نجاح أي حوار وطني يرتبط ارتباطاً شرطياً بارتكازه على قاعدة أخلاقية ووطنية وهي الحفاظ على الثوابت الوطنية والتمسك بها وتحقيق المصلحة العليا للوطن والشعب، ولكي يتحقق هذا الأمر يجب أن تغيب المصالح الحزبية والأهداف الخاصة، وأن يقدم جميع اطراف الحوار التنازلات المطلوبة التي تكفل أن يصل الجميع إلى نقاط التقاء مشتركة ووضع البلد في البدايات السليمة.
غير أن واقع الحوارات السياسية في اليمن تحكي بجلاء غياب هذه القاعدة الأخلاقية، غياب الوطن وأمنه واستقراره ووحدته، مقابل حضور وطغيان الأهداف الحزبية والتصلب في الآراء والمواقف وتضييع الوقت وتجاوز الشرعية الدستورية حتى في ظل هذه الظروف التي يتعرض فيها الوطن ووحدته لخطر التقسيم والانفصال والتدخلات الخارجية والعزلة الدولية والحرب الاقتصادية وشبح السقوط النهائي للدولة باستهداف ما تبقى للمؤسسة العسكرية والأمنية من وجود باقتحام المعسكرات ومحاولة السيطرة على الأسلحة كما حصل مؤخراً لمعسكرات القوات الخاصة في صنعاء وعدن.
إن تجربة الحوار الوطني في اليمن ومدى الالتزام بالاتفاقيات السياسية الموقعة، كشفت الوجه الحقيقي للأحزاب، وبالذات أحزاب اللقاء المشترك، كقوى أدمنت الهروب من تحمل المسؤولية، والحوار العقيم والعدمي وإفلاس مواقفها والتزاماتها من المصداقية ومن أي توجه جاد وصادق نحو تجاوز الأزمة ومواجهة التحديات والمخاطر، بل وصل بها الإفلاس السياسي والأخلاقي إلى الاستقواء بالخارج وطلب التدخل الخارجي في شئون اليمن.
أحزاب المشترك ليست كتلة سياسية متناغمة ومتماهية في مشروع وطني، وإنما شتات من الأهداف الخاصة، كيانات عصبوية تجمعها روح الانتقام والثأر السياسي، وتجيد فن المراوغة السياسية في حواراتها وتتناقض مع ما ترفعه من شعارات وما تناقشه وتوقع عليه على طاولة الحوار..
وبين ما تقوم به في الميدان وخلف الكواليس، حكمت ثلاث سنوات، ولم تقم أو تؤسس لدولة المجتمع والتداول السلمي للسلطة والشراكة الوطنية، لأنها وصلت إلى السلطة بذهنية عصبوية، وقدمت تجربة في الحكم من هذا المنطلق فمارست التجنيد الحزبي والإقصاء الوظيفي والتعيينات الحزبية والمناطقية، وساومت بالقاعدة والحراك الانفصالي.. حتى هادي الرئيس الانتقالي المنتهية ولايته والذي اعتقدنا أنه سيكون رجل المرحلة وتوسمنا فيه خيراً، احترف هذه الطريقة في إدارته للبلاد وإدارة الأزمة اليمنية، ومارس الانقلاب على كل ما له صلة وعلاقة بالثوابت الوطنية والدستور والاتفاقيات، لتعيش اليمن في عهده أسوأ سنواتها بل وسيرتبط اسمه بسجل التاريخ السيئ لليمن بتفكيك الجيش وتدميره وزعزعة الوحدة والاجهاض على النهج الديمقراطي ودعم الإرهاب، وفوق كل ذلك سيرتبط اسمه بسقوط الدولة اليمنية التي تسلمها في 21 فبراير 2012م من الرئيس السابق الزعيم علي عبدالله صالح..
سيكتب عن تلك اللحظة التي تسلم فيها العلم الوطني والتي قال فيها إنه يتمنى أن يقف فيها موقف الزعيم صالح ويسلم فيها العلم اليمني الموحد لرئيس منتخب، لكن واقع الحال بعد ثلاث سنوات من حكمه البائس أنه سلم الوطن للمليشيات، وهرب إلى عدن ليحتمي بمليشياته ولجانه الشعبية التي ترفع العلم الشطري وتهاجم معسكرات الدولة وتسرِّح كل جندي ينتمي للمحافظات الشمالية، هذه المليشيات التي يغدق عليها من خزينة الدولة ونهب المساعدات والمال القطري المدنس..
الأزمة اليمنية وتداعياتها الكارثية منذ 2011م حتى اليوم، والتي تتجسد وتتمثل اليوم في المشترك وهادي وكذلك (أنصار الله) الحوثيين إن لم يراجعوا مواقفهم ويضبطوا ايقاعات لجانهم الشعبية بما يخدم وحدة اليمن وتعزيز الأمن والاستقرار وإعادة بناء الدولة المتهالكة والمنهارة، هي انعكاس لأزمة الوعي بالدولة وضعف المجتمع المدني وتشوهه، انعكاس للوعي العدمي والأهداف الانتهازية والذهنية العصبوية القاتلة، التي ليس لها من انجاز إلاْ التشرذم والتجزئة والنخر في جسد الدولة حتى إسقاطها لتقيم نفسها دولة عصبوية مستبدة في شكل مذهب أو منطقة أو طائفة أو قبيلة.
ووحده المؤتمرالشعبي العام من لايزال يحاور انطلاقاً من التمسك بالثوابت الوطنية والحفاظ عليها، ومن لايلبس عباءة المنطقة والمذهب والقبيلة والطائفة، ووحده من يقدم التنازلات الكبيرة لإنجاح الحوار وتجاوز الأزمة، ومن تأتي مواقفه مجسدة لما تتطلبه المرحلة الراهنة ومعبرة عن إحساس وشعور عميق بحجم المخاطر والتحديات التي تواجه الوطن ووحدته وسلمه الاجتماعي.. ووحده من لايزال يحترم الدولة ويعطي لها قيمتها ويدافع عن النهج الديمقراطي وخيار الانتقال السلمي للسلطة، ووحده من لايزال مترفعاً عن الاستقطابات العصبوية المدمرة، ولذا هو فكر وسلوك وموقف يؤكد أنه ينتمي للوطن اليمني الكبير، ومثل هكذا تنظيم جدير أن يكون صمام أمان المرحلة والرهان الوطني والشعبي لتجاوز المنعطف، ومواجهة التحديات الداخلية والخارجية والتدخل السافر في شئون اليمن، في ظل أحزاب وكيانات سياسية عصبوية ومتطرفة ارتهنت وتاجرت بمواقفها وانتمت لمشاريع صغيرة مأزومة.. وفي سبيل ذلك يتعرض المؤتمر لضغوط كبيرة داخلية وخارجية لإثنائه عن لعب دور وطني في الوقت الراهن لتجاوز المنعطف ومواجهة التآمر واسقاطه، كما يتعرض لمحاولة التفريخ والتفكيك باستخدام المال الخارجي المدنس والفاسد، وتتعرض قيادته لهجمة إعلامية شرسة والكذب والدس الأممي، كماتروجه اليوم مواقع الإفك وقنوات الفتنة، أن أرصدة الزعيم علي عبدالله صالح تبلغ 62 مليار دولار وهي اتهامات باطلة ولا تستند لأي دليل ولا لأدنى معيار اقتصادي ومالي يتوافق مع حجم الاقتصاد اليمني طوال33 سنة، إلا إنها هي مواقف المؤتمر الوطنية ورصيده التاريخي من المنجزات وصموده في وجه التآمر والتحديات وعدم إنجراره وراء دعوات الصراع والحروب العبثية بأبعادها العصبوية، وتمسكه بالشرعية الدستورية والنهج الديمقراطي كخيار لارجعة عنه في تحقيق التداول السلمي للسلطة، هي من تستفز القوى العصبوية والنخب والقيادات الفاشلة وقوى التآمر الخارجي كي يستهدفوا المؤتمر وقياداته.