الإثنين, 02-مارس-2015
الميثاق نت -   عبدالرحمن مراد -
يبدو أن تدفق الأموال يرتبط بالنوايا المبيتة نحو اليمن وهي حالة تاريخية مازالت تتوالى منذ ذلك الأمد البعيد الضارب بملامحه في عمق التاريخ وحتى اليوم، فالأموال التي تتدفق الى اليمن لا تكون مقرونة أو مصحوبة برغبة الاستقرار بل برغبة زعزعة الاحوال واضطراب السهول والجبال، فالقضية مع مال المترفين قضية شائكة لم تكن بذات الابعاد التي وصلت اليها في الزمن المعاصر، اذ أنها اتسعت اتساعاً مفرطاً مع اتساع دائرة الفقر في البعدين الرأسي والأفقي.
لم تعد اليمن ذات قيمة وجدانية وثقافية في تصورات الناس ولا تشكل عنصراً فاعلاً وقوياً في بيئة الانتماء والهوية الوطنية والحضارية والتاريخية فقد رأينا خلال الأحداث التي عصفت بنا منذ 2011م وحتى هذه اللحظة التي نعيش فيها حالة الفراغ الدستوري في سلطات الدولة كيف تعامل ابناء اليمن مع اليمن فهو لم يتجاوز القيمة العددية.. ثمن بخس دراهم معدودات ومثل ذلك أمر دال على حالة نكوص وجدانية وحالة شلل وتعطيل في البنية الوطنية وفي نسيج الهوية والانتماء، وهو نتاج عقود من الاستهداف والتدمير بأموال المترفين التي كانت وماتزال تتحرك في الجغرافيا اليمنية منطلقة من بعد ثقافي والتزام اخلاقي تجاه مقولة أو أثر أو وصية قيل إنها انطلقت من لسان أحدهم في لحظة تاريخية فارقة تحسباً أو توقعاً أو استسلاماً لحسابات فلكية، بيد أن مثل ذلك لن يطول به الأمد، فسنن الكون تقول إن المترف الذي تأخذه الأماني الى أبعد مدى تكون عاقبته هي العظة التي تعظ الغافلين حتى يعودوا الى رشدهم، وهي الآية التي تعيد التوازن الى حركة المجتمع وحركة الحياة، فالله وصف نفسه بالعدل ومن العدل أن يعيد التوازن الى حركة الحياة ولو مدَّ أهل الترف زمناً في طغيانهم يعمهون، فالقضية هنا قضية جوهرية وهي ثابتة في صميم التجربة البشرية من حيث التمادي في الطغيان ومن حيث معالجة الانحراف بالعودة الى التوازن الذي يريده الله تحقيقاً لخاصية العدل والمساواة، والعبرة لمن يتعظ، ولا أرى إلاّ أن مقادير الله كائنة في الزمن الذي نعيش حتى تتساوى موازينه، وثمة رموز واشارات يتحدث عنها الواقع تومئ الى قادم جديد، والى حالة أجد لا يكون الغرور حاضراً فيها بقدر الحضور الأمثل لارادة الله في العدل وفي المساواة وفي الحياة الآمنة والمستقرة.
لقد آن لتلك الذات المغتربة عن بعدها الحضاري والثقافي أن تستعيد وعيها بذاتها ولا أرى ما يحدث اليوم إلاّ تباشيراً دالة على يقظة تاريخية ويقظة حضارية، ولا أرى أولئك الذين ينالون من اليمن في القنوات الفضائية في مقابل دراهم معدودات إلاّ امتداداً لما يماثله في التاريخ بدءاً من أبي رغال ولن يكون انتهاءً بهم، فالزمن مايزال يحمل لنا الكثير من العجائب والغرائب، كما أن حالة التضليل والفراغ والنكوص التي بدت عند رموز سياسية بعينها كان لها ما يماثلها أيضاً.. فالذين ناشدوا المجتمع الاقليمي والدولي بالتدخل العسكري في اليمن وهم ينتمون الى مشاريع قومية أو تحررية أو مشاريع تطلعية لم يكونوا إلاّ تعبيراً عن حالة «فراغ» لا يجد امتلاءً إلاّ بتكامله مع الآخر المغاير وهو في السياق ذاته لا يجد نفسه متكيفاً مع شروط واقعه ولا مع الأبعاد الحضارية والثقافية أو التاريخية ذات المساق الوطني.
لقد كشفت الأحداث الغطاء عن كثير من رموز المزايدات في الوطن وقالت الأحداث إن الذين يتحدثون عن مصالح الوطن لم يتجاوز المفهوم في نظرهم مصالحهم الذاتية المستغرقة في ذاتيتها، وحين سالت دماء الأبرياء على تراب هذا الوطن لم تنبت إلا الاشجار التي تثمر في مخازنهم وبيوتهم وفي منازلهم الفارهة على شواطئ الثلج، ولم يجد اليمن من كل شعاراتهم إلاّ لحظة الألم أو الموت أو الفاجعة.
فاليساري الذي يقول بالعدالة الاجتماعية أصبح جزءاً من حركة الانكسار في المجتمع واليميني الذي يقول بالمصلحة المرسلة وبالقضاء على الفقر حصر المصلحة في ذاته وقضى على الفقر في جماعته دون سائر الناس والقومي الذي يقول بالتحرر أصبح يدعو القوى الاستعمارية بالعودة والتدخل وبسط الهيمنة وكل ذلك يجري تحت ثنائية قديمة جديدة وهي الفقر واليمنية، فالصراع بين اليمنية وذلة الفقر صراع قديم ولن يقف عند حد طالما واستمرت حركة الحياة.
وما يجري تحت سماء الأحداث اليوم لا يخرج عن ثنائية اليمنية وذلك الفقر وفي ظني أن عزة الفقر في يمنية اليمن ستنتصر.
تمت طباعة الخبر في: الجمعة, 27-ديسمبر-2024 الساعة: 07:07 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-42233.htm