الميثاق نت -

الثلاثاء, 11-أبريل-2017
فيصل الصوفي -
منذ بداية العدوان السعودي، نسمع من يلوم الآخرين على سماعهم الغناء، ويهاجمون إذاعتين أو ثلاثاً تذيع أغاني، ويغلفون اعتراضهم الفقهي بقراطيس الوطنية والعاطفة الإنسانية، يقولون العدو يقصف، وهؤلاء يغنون، الشهداء يزفون إلى القبور، وهؤلاء يطربون.. يعني لما يهاجمنا العدو علينا التوقف عن السماع، ونساعده على أنفسنا بتجنب ما يخفف ضغط الدم والأكدار.. على أن الغناء حق للإنسان، فمن شاء غنى، ومن تنازل عن حقه هو حر في ذلك.. ثم أن الزوامل الشعبية غناء، أو ضرب من ضروب الغناء منذ قديم الزمان، وبعض منها لو دخل أذن حمار ناق، بينما معظم أصوات المغنيين في تلكما الإذاعتين موضوع النقد، لو سمعتها الحمير "قشعت" أصحابها بأرجلها.. فأغلظه يا أيها الناقدون قولوا مثل ما قال ذلك الإمام الفقيه:"الغناء حرام ومن غنى له غنى".. وبعدين خلونا صريحين، يعني مفتي يحرم الغناء ويقول إنه يستمتع برؤية أشلاء الأطفال في صعدة، ومفتي يحرم الغناء ومولع بالطلس المرد! من أبعد عن الله، أهؤلاء المفتون أم الذي يستمع أغنية تثير خيراً ما في الإنسان؟
وبالمناسبة.. لقد كانت مكة لا تزال تستجر موروثها الغنائي قبل أن تدهمها الجوائح الوهابية من نجد في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، ومعروف أن أهم مدرستين للغناء في العصر الإسلامي الأول هما مكة والمدينة قبل أن يشيع فحشه في قصور بني أمية في الشام والأندلس، وقصور بني العباس في بغداد.. مالك الحميري المعروف بإمام دار الهجرة، والذي يُنسب إليه المذهب السني المعروف، كان في بداياته متوجهاً نحو الغناء، فقالت له أمه العالية: إن المغني لابد أن يكون جميل الصورة! ففهمها وأقلع، وتوجه لطلب الحديث، وأتباعه في الأندلس ذوو المذهب المالكي، بلغ تهتكهم في هذا الفن إلى درجة أن عابهم عليه النصارى.. كان ولاة مكة من الأشراف غالباً، والسائد فيها فقه الحنفية والشافعية الذين يقولون إن السماع(الغناء) هو كلام، حسنه حسن وقبيحه قبيح، أي ليس محرماً لذاته بل لموضوعه.. والعجيب أن فقيهاً يمنياً من كوكبان، وهي مدرسة غنائية قديمة، يُدعى لطف الله الظفري، كان يحرم السماع، وقد جاور في مكة وعاب على أهلها ميوعتهم في الغناء، ولما أصيب بمرض جمد حواسه وأطرافه، عجز الأطباء عنه، وجاء آخر طبيب يقول إن دواء صاحبكم الغناء، قالوا الرجل يحرم سماعه، قال لهم هذا دواؤه لو شئتم، فأتوا له بالمغنين، فبدأت الحركة تعود إلى حواسه بالتدريج، ولما شُفي رجع يتمسك بحرمة الغناء، وأسكت المغنين!
إن فوائد الغناء والموسيقى لا تنكر منذ قديم الزمان، منذ سمع الإنسان أصوات الطيور وخرير مياه الغدران والجداول، والحيوانات والطيور تسلي نفسها بغنائها الخاص، والثيران والبقر تأنس وتنشط بأصوات الفلاحين والفلاحات، والشواهد كثيرة.. وخلاصته يحتاج المرء للسماع لكي يتغلب على السآمة وينشط عقله وروحه، ومن يكره الغناء أو يلزم نفسه بقول المحرمين، ليس من حقه أن يلزم غيره أن يكونوا مثله.
تمت طباعة الخبر في: الجمعة, 03-مايو-2024 الساعة: 06:57 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-49909.htm