الميثاق نت -

الإثنين, 25-فبراير-2019
إبراهيم‮ ‬ناصر‮ ‬الجرفي -
لكل إنسان في هذه الحياة ولاءات متعددة ، مرتبة في سلم أولوياته ، الأولى فالأولى ، الأهم فالأهم ، ونحن كمسلمين الأولوية الأولى لنا في الولاء ، المفترض أنها للدين الإسلامي ، وهذا أمر من المسلَّمات ولا جدال حوله ، لتأتي بعد ذلك الأولويات تباعاً ، والمفترض أيضاً أن تكون الأولوية الثانية لنا في الولاء للوطن ، ثم للحزب السياسي إن وجد وهكذا ، ويأتي ترتيب الأولويات في الولاء بحسب أهميتها ، فالدين والجانب الروحي من أهم الأولويات بالنسبة للإنسان المسلم ، لأن ذلك يمثل بالنسبة له الاستقرار الروحي والطمأنينة النفسية ، ثم تأتي بعد ذلك الأولويات المادية المتعلقة بحياة الإنسان ، ويعتبر الوطن من أهم الأولويات المادية ، كونه يمثل للإنسان مكان وجوده واستقراره وانتمائه ، وبدون الانتماء لوطن معين ، يصبح الإنسان بلا هوية ، مشرداً أو لاجئاً ، وفاقدًا لحقوق المواطنة ، وعبئاً على الآخرين‮ ‬،‮ ‬من‮ ‬أجل‮ ‬ذلك‮ ‬تحظى‮ ‬أولوية‮ ‬الانتماء‮ ‬لوطن‮ ‬معين‮ ‬بمكانة‮ ‬مهمة‮ ‬جداً‮ ‬في‮ ‬سٌلَّم‮ ‬الأولويات‮ ‬،‮ ‬ويحظى‮ ‬الولاء‮ ‬للوطن‮ ‬بأهمية‮ ‬بالغة‮.‬
ولا يدرك أهمية تلك الأولوية ، وأهمية ذلك الولاء ، إلا الإنسان الفاقد لوطنه ، أو المشرد ، أو اللاجئ ، لأنه يكون بذلك قد فقد واحداً من أهم حقوقه الإنسانية والطبيعية ، وهو حق المواطنة ، ذلك الحق الذي يشعر الإنسان بوجوده وانتمائه ، والذي يمنحه الكثير من الحقوق والحريات ، لذلك لا غرابة أن نشاهد الإنسان وهو يضحي بكل ما يملك ، دفاعاً عن ولاءته وأولوياته ، وفي مقدمتها الدين ثم الوطن وهكذا ، ومن ضمن الحقوق والحريات التي يمنحها حق المواطنة للإنسان ، الحريات السياسية وحرية الإنتماء لأي حزب أو تنظيم سياسي.
وهذا ما يجعل الولاء للحزب يأتي في الترتيب والأولويات بعد الولاء للوطن ، كون الولاء للوطن والانتماء للوطن ، هو من يمنح الإنسان حرية الانتماء السياسي ، ومن لا يمتلك وطناً فلن يتمكن من الانتماء لأي حزب سياسي ، وسيفقد كامل حقوقه وحرياته السياسية ، كما أن الانتماء‮ ‬الحزبي‮ ‬والسياسي‮ ‬،‮ ‬هو‮ ‬من‮ ‬أجل‮ ‬الوطن‮ ‬،‮ ‬والتنافس‮ ‬في‮ ‬خدمة‮ ‬الوطن‮ ‬،‮ ‬وهو‮ ‬وسيلة‮ ‬وليس‮ ‬غاية‮ ‬،‮ ‬وسيلة‮ ‬لتعزيز‮ ‬حق‮ ‬المواطنة‮ ‬،‮ ‬وللحفاظ‮ ‬على‮ ‬الوطن‮ ‬ومصالحه‮ ‬العليا‮.‬
لكن المشكلة الكبرى في عالمنا العربي عموماً ، وفي اليمن خصوصاً ، تتجلى في تقديم الولاء للحزب على الولاء للوطن ، وفي جعل الحزبية غاية في حد ذاتها ، وهكذا سلوكيات سياسية سلبية ، النتيجة الطبيعية لها ، هي فقدان الأوطان وخرابها ودمارها ، وجرَّها إلى مربعات العنف والصراع والفوضى ، فكل طرف يسخر كل إمكاناته وقدراته وجهده ووقته ، خدمةً للحزب ، ما يترتب عليه بروز ظاهرة الصراع السياسي السلبي ، التي تقود الجميع نحو الإحتراب والصراع الداخلي ، وهو ما يترتب عليه نتائج كارثية على الوطن والمواطن ، ليجد الكثير من أبناء الوطن أنفسهم وهم إما مشردون أو نازحون أو لاجئون ، والتفسير المنطقي لهكذا وضع هو فقدانهم لوطنهم ، وفقدانهم لحق المواطنة ، وفقدانهم لحقوقهم وحرياتهم السياسية..!! وعندما يصل الإنسان إلى هذه الحالة ، يدرك أهمية الولاء للوطن ، ويدرك أهمية حق المواطنة ، ويدرك أن الولاء للحزب ما هو إلا وسيلة وليس غاية ، وعندها يعض أصابع الندم ، يوم لا ينفع الندم ، بعد أن شارك في تدمير وطنه ، مدفوعاً بولاءاته وتعصباته الضيقة ومصالحه المحدودة ، ليدرك حينها أن الوطن هو من كان يمنحه كل حقوقه وحرياته السياسية ، التي كان من المفترض به أن يتعاطى معها بشكل إيجابي فيما يعزز ولاءه لوطنه ، ويعزز خدمته لوطنه ، ويعزز تنافسه السياسي الإيجابي من أجل وطنه ، وكان من المفترض به أن يجعل من انتمائه الحزبي وسيلة وليس غاية ، وأن يجعل الولاء للحزب بعد الولاء للوطن ، لكن سوء تقديره للموقف دفع به للمشاركة في تدمير‮ ‬وطنه‮ ‬،‮ ‬تعصباً‮ ‬لهذا‮ ‬الحزب‮ ‬أو‮ ‬ذاك‮ ‬،‮ ‬ليفقد‮ ‬بذلك‮ ‬وطنه‮ ‬،‮ ‬ويفقد‮ ‬حق‮ ‬المواطنة‮ ‬،‮ ‬ويفقد‮ ‬كل‮ ‬حقوقه‮ ‬وحرياته‮ ‬السياسية‮!! ‬
وما تعيشه اليوم العديد من الدول العربية من الحروب والصراعات والفوضى والعنف ، هو النتيجة الطبيعية لسوء التقدير ، وهو النتيجة الطبيعية لتقديم الولاء للحزب على الولاء للوطن ، وهو النتيجة الطبيعية للتنافس السياسي السلبي ، والفهم الخاطئ والمغلوط للحزبية السياسية ، وهو النتيجة الطبيعية لتقديم المصالح الشخصية والحزبية على المصالح العليا للوطن ، وهكذا سوء تقدير أفقد الكثير من أبناء تلك الدول حق المواطنة وحقوقهم وحرياتهم السياسية والإنسانية ، فبعضهم أصبح مشردا ، والبعض الآخر لاجئا ، والبعض الأخير فاقدا لأبسط مقومات الحياة ، وفي أمس الحاجة للمساعدات والمعونات الخارجية ، وطالما وتعصباتهم الحزبية هي المسيطرة اليوم على سلوكياتهم وأفكارهم ، فطريق المعاناة والتشرد واللجوء والحاجة لهذه الشعوب لا تزال طويلة ، وفي اليوم الذي يدرك أصحاب العقول المتحجرة والأفكار الحزبية المتشددة والمتصلبة ، أهمية الولاء للوطن ، وأن الحزبية السياسية وسيلة وليست غاية ، عندها سوف يضعون أقدامهم في أول الطريق الصحيح ، طريق الشراكة الحقيقية والمواطنة المتساوية والقبول بالآخر ، واحترام الرأي والرأي الآخر ، ، والعدالة ، والمساواة ، والبناء ، والتنمية ،‮ ‬والتقدم‮ ‬والتطور‮ ‬،‮ ‬واللحاق‮ ‬بركب‮ ‬الحضارة‮ ‬الإنسانية‮.‬
تمت طباعة الخبر في: الأربعاء, 24-أبريل-2024 الساعة: 02:34 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-55279.htm