الميثاق نت -

الإثنين, 09-ديسمبر-2019
‮ ‬د‮.‬عبدالوهاب‮ ‬الروحاني -
الأحزاب‮:‬
كانت‮ ‬النخبة‮ ‬من‮ ‬مثقفي‮ ‬الوطن‮ ‬ومستنيريه‮ ‬تراهن‮ ‬على‮ ‬الأحزاب‮ ‬في‮ ‬بناء‮ ‬الدولة‮ ‬وتجاوز‮ ‬القبيلة‮ ‬وارث‮ ‬التخلف‮ ‬و‮"‬الفيد‮"‬،‮ ‬ذلك‮ ‬لأن‮ "‬الحزبية‮" ‬كانت‮ ‬تعني‮ ‬انتماء‮ ‬جديدا‮ ‬وتفكيرا‮ ‬مختلفا‮ ..‬
ومن حيث المبدأ، فمهمة الأحزاب والتنظيمات السياسية في أي بلد كان، هي استهداف المصلحة الوطنية والبحث عن مسالك ومسارات جديدة تؤمّن له الوصول إلى الغاية، التي تعني بالضرورة تحقيق العدالة والمساواة وضمان الحريات السياسية والعامة.
ودعونا‮ ‬هنا‮ ‬نقول‮ (‬مجازا‮)‬،‮ ‬إن‮ ‬الأحزاب‮ ‬التقليدية‮ ‬اليمنية‮ (‬وطنية،‮ ‬وقومية،‮ ‬واشتراكية،‮ ‬واسلامية‮) ‬تشكلت‮ (‬بداية‮) ‬على‮ ‬هذه‮ ‬القاعدة‮.. ‬
لكنها‮ -‬للاسف‮- ‬ما‮ ‬أن‮ ‬رحلت‮ ‬قياداتها‮ ‬المؤسسة‮ ‬حتى‮ ‬ذبلت‮ ‬افكارها‮ ‬عند‮ ‬الورثة،‮ ‬الذين‮ ‬انحرفوا‮ ‬تدريجيا‮ ‬
بمساراتها‮ ‬الوطنية‮.. ‬واستبدلوا‮ ‬فكرة‮ ‬الولاء‮ ‬الوطني‮ ‬بولاءات‮ ‬ضيقة‮ ‬لا‮ ‬تستقيم‮ ‬مع‮ ‬فكرة‮ ‬البناء‮ ‬التنظيمي‮ ‬والحزبي‮ ‬حيث‮ ‬تغيب‮ ‬العصبية‮ ‬ويحضر‮ ‬الوطن‮ ‬بكل‮ ‬اتجاهاته،‮ ‬والشعب‮ ‬بكل‮ ‬اطيافه‮ ‬ومشاكله‮ ‬وهمومه‮ ..‬

وبهذا، طغت العصبية "القبيلة" على الحزبية "الوطنية" واستبدلت الأحزاب التاريخية الولاء الوطني بالولاء القبلي او الجهوي .. وتقاتلت بالهوية، فتضاءلت مناهجها وبهتت برامجها التطبيقية لتصبح إما حزبية منغلقة على بعضها تدور في فلك صرعات دامية .. أو مناطقية - قروية عائلية‮ ‬صغيرة‮ ‬تبحث‮ ‬عن‮ ‬مصلحة‮ ‬الابناء‮ ‬والأقارب‮ ‬والاصهار‮ ‬وأبناء‮ ‬القبيلة‮ ‬أو‮ ‬المنطقة‮ ‬في‮ ‬احسن‮ ‬الاحوال‮..!!‬

دكاكين‮:‬
ومع ازدهار السوق الحزبية بعد قيام دولة الوحدة 1990، فتحت الشهية لهواة الترزق باسم الحزبية، واصبح اليمن هو أكثر بلدان العالم افتتاحا لدكاكين الاحزاب .. حتى أصبح هناك (تقريبا) ما يزيد على ستين حزبا، وبغض النظر موجودة أو غير موجودة، مسجلة أو غير مسجلة، بأعضاء‮ ‬أو‮ ‬بدون‮ ‬أعضاء‮ .. ‬
المهم‮ ‬هي‮ ‬أحزاب‮ ‬بيافطات‮ ‬ودكاكين‮ .. ‬إعلاناتها‮ ‬في‮ ‬المناسبات‮ ‬تملأ‮ ‬الشوارع‮ ‬والحارات‮ .. ‬
القديم من هذه الاحزاب تآكل فكره وانقرض منهجه، فتخلى عن دوره في بناء الدولة (سواء أكان سلطة أو معارضة) ودخل في سباق التقاسم على الوظيفة والمصلحة والتوريث، أما الجديد فدخل السوق مهرولا بلا فكرة ولا وعي يبحث عن موقع يفرش فيه بسطته ويبيع ..

تقييم‮:‬
الحزبية‮ ‬في‮ ‬بلدان‮ ‬العالم‮ ‬الديمقراطي‮ ‬هي‮ ‬وسيلة‮ ‬لتقويم‮ ‬ومعالجة‮ ‬الاختلالات‮ ‬في‮ ‬الدولة‮ ‬والمجتمع،‮ ‬وفي‮ ‬بلادنا‮ ‬اصبحت‮ - ‬للاسف‮ - ‬وسيلة‮ ‬لتقويض‮ ‬البناء‮ ‬وشيوع‮ ‬الاختلالات‮ ‬وتوسيع‮ ‬مصادر‮ ‬الفساد‮ .. ‬
نحن هنا، نقيم "حالة"، ولا ندعو إلى إلغاء"الحزبية" مطلقا، فنحن أكثر الناس حماسا للتعدد الحزبي واختلاف الرأي وتنوع الفكر، ولكن في إطار الولاء الوطني، ولسنا مع تعدد مصادر الولاءات، ولا مع التعدد لتقاسم الوظيفة و"فيد" الثروة على حساب الوطن والبسطاء من أبناء شعبنا، الذين تختطف الاحزاب لقمة عيشهم من افوامهم، وتصادر كل شيء جميل في حياتهم.. لم يتوقف نشاط الأحزاب والقوى الدينية والقومية والاشتراكية عند "الفيد"، والتسابق لإشباع جوعها وتخلفها على حساب القضية التي أنشئت من اجلها، بل تقاذفتها نوازع الانتقام وخيبات المصالح والأهواء، واندفعت لبيع الوطن بعد أن تاجرت بقضاياه، وارتهنت لأجندة خارجية لتستقر في نهاية المطاف في احضان قوى اقليمية غارقة في التخلف والرجعية، أصبحت اليوم هي المتحكمة في القرار والسيادة اليمنية ..
وتبعاً‮ ‬لهذا‮ ‬المنحى‮ ‬أصبحت‮ ‬الأحزاب‮ ‬عاملا‮ ‬مساعدا‮ ‬وقويا‮ ‬في‮ ‬شيوع‮ ‬وانتشار‮ ‬الفساد‮ ‬وتوغل‮ ‬العصبية‮ ‬فصارت‮ ‬أحد‮ ‬أبرز‮ ‬كوابح‮ ‬بناء‮ ‬الدولة‮ ..‬

وختاماً‮:‬
هذه النتيجة المؤسفة للتجربة الحزبية في بلادنا ليست برأيي نهاية المطاف، فالرهان لا يزال قائما على قوى سياسية جديدة مستنيرة، تحمل في جنباتها الهم الوطني، ويمكن للاحزاب التاريخية إعادة صياغة وبناء ذاتها من جديد، ولكن بفكر وانتماء وطنيين، وبعناصر وشروط جديدة، ودماء‮ ‬يمنية‮ ‬وطنية‮ ‬لم‮ ‬تتلوث‮ ‬بعد‮ .‬
تمت طباعة الخبر في: الجمعة, 29-مارس-2024 الساعة: 07:52 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-57250.htm