الميثاق نت -

الثلاثاء, 11-فبراير-2020
الشيخ‮/‬عبدالمنان‮ ‬السُنبلي‮ ‬ -
تخيلوا‮ ‬معي‮ ‬لو‮ ‬أن‮ (‬صفقة‮ ‬القرن‮) ‬هذه‮ ‬قد‮ ‬تم‮ ‬الإعلان‮ ‬عنها‮ ‬وطرحها‮ ‬قبل‮ ‬عشرين‮ ‬سنة‮ ‬من‮ ‬الآن‮ ‬مثلاً،‮ ‬ماذا‮ ‬كان‮ ‬سيحدث؟‮!‬
هل‮ ‬كان‮ ‬أحدٌ‮ ‬من‮ ‬حكام‮ ‬العرب‮ ‬سيجرؤ‮ ‬أن‮ ‬يقبل‮ ‬بها‮ ‬علناً‮ ‬أو‮ ‬يكون‮ ‬طرفاً‮ ‬فيها‮ ‬كما‮ ‬نرى‮ ‬البعض‮ ‬منهم‮ ‬اليوم؟‮!‬
هل‮ ‬كانت‮ ‬أمريكا‮ ‬نفسها‮ ‬وحتى‮ ‬لو‮ ‬كان‮ (‬ترامب‮) ‬نفسه‮ ‬أيضاً‮ ‬هو‮ ‬من‮ ‬يعتلي‮ ‬رأس‮ ‬السلطة‮ ‬يومها،‮ ‬هل‮ ‬كانت‮ ‬ستغامر‮ ‬وتتقدم‮ ‬بطرح‮ ‬مثل‮ ‬هذه‮ ‬الصفقة‮ ‬؟‮!‬
الإجابة‮ ‬بكل‮ ‬تأكيد‮ ‬طبعاً‮ ‬لا‮ .. ‬وألف‮ ‬لا‮ .. ‬تعرفون‮ ‬لماذا؟
لأن الظروف لم تكن ملائمة في ذلك الوقت لطرح مثل هذه الصفقة، فالشعوب العربية لم تزل إلى ما قبل عشرين سنة حاضرة الذهن ومتوهجة المشاعر فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية فلا يوجد مواطنٌ عربيً صغيراً كان أم كبيراً إلا وهو على اطلاع تام ودراية كاملة بكل جرائم ومجازر وعنصرية هذا الكيان الصهيوني الغاصب، فعلى الرغم من محدودية الوسائل الإعلامية المتوافرة في ذلك الوقت إلا أن المشاهد أو القارئ أو المستمع العربي كان يُجبَر على مشاهدتها ومتابعتها دائماً وباستمرار والتي طبعاً بدورها كانت تنقل على الدوام بمهنيةٍ عاليةٍ وحميةٍ وغيرة ما يرتكبه الكيان الصهيوني بحق شعبنا العربي الفلسطيني الأعزل من جرائم ومجازر وانتهاكاتٍ يوميةٍ الأمر الذي ولَّد لدى الإنسان العربي حالة من العداء الحاد والكراهية المزمنة لهذا الكيان الغاصب والتي لو فكر مثلاً أي حاكمٍ أو نظامٍ عربي في التواصل مع الصهاينة فإنه حتماً سيضع نفسه في مواجهة مباشرة مع شعبه أولاً وبقية الشعوب العربية ثانياً وهذا بالطبع ما يفسر بقاء علاقات بعض الأنظمة مع الكيان الصهيوني طي الكتمان والسرية التامة لعقود من الزمن قبل أن يجاهروا بها موخراً !
أما اليوم وبالرغم من هذا الانفلات الإعلامي الكبير واللامحدود وانتشار الوسائل الرقمية والإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي والتي جعلت كلها من عملية المشاهدة والمتابعة أو التصفح أمراً اختيارياً ومتاحاً لكل مواطن أن يشاهد أو يتابع أو يتصفح ما يشآء إلا أن الناس وبفعل مؤثراتٍ إغرائية وإغوائيةٍ خاصةٍ كثيرة قد أخذوا للأسف الشديد ينصرفون شيئاً فشيئاً إلى كل ما يقع في طريقهم من مواد اعلامية أكثر ما تكون في معظمها رخيصة ومبتذلة ولاهية لدرجة لم يعد أحدٌ من الناس يجد متسعاً من الوقت أو حتى يفكر في تتبع ما يجري في فلسطين،‮ ‬فالكل‮ ‬منشغلون‮ ‬طبعاً‮ ‬في‮ ‬حقولٍ‮ ‬وبرامج‮ ‬أخرى‮ ‬حتى‮ ‬أوشك‮ ‬الجميع‮ ‬أن‮ ‬ينسوا‮ ‬أو‮ ‬يتناسوا‮ ‬فلسطين‮ ‬والقدس‮ !‬
فقط‮ ‬انزلوا‮ ‬إلى‮ ‬الشارع‮ ‬وخذوا‮ ‬عينة‮ ‬من‮ ‬الشباب‮ ‬وأسألوهم‮ ‬مثلاً‮ ‬عن‮ ‬مجازر‮ ‬صبرا‮ ‬وشاتيلا‮ ‬ودير‮ ‬ياسين‮ ‬والحرم‮ ‬الإبراهيمي‮ ‬وعن‮ ‬نكبة‮ ‬48‮ ‬ونكسة‮ ‬حزيران‮ ‬ووو‮ .. ‬وستعرفون‮ ‬حجم‮ ‬الكارثة‮ ‬وهول‮ ‬المصيبة‮ !‬
بالتالي فإن الأمريكيين والصهاينة وكذلك بعض الحكام العرب على ما يبدو قد وجدوا في هذه العقول المغيبة والذهنيات المشتتة تماماً بيئةً مناسبةً وخصبةً لطرح مثل هذه الصفقة والبدء في تنفيذها عملياً، وهذا ما لمسناه فعلاً من خلال طريقة تعاطي معظم الشعوب العربية الباردة‮ ‬واللامبالية‮ ‬مع‮ ‬الإعلان‮ ‬عن‮ ‬هذه‮ ‬الصفقة،‮ ‬فكأنما‮ ‬لم‮ ‬يعد‮ ‬أحدٌ‮ ‬يكترث‮ ‬لفلسطين‮ ‬أو‮ ‬القدس‮ ‬إلا‮ ‬قليلٌ‮ ‬طبعاً‮ ‬من‮ ‬أولئك‮ ‬الذين‮ ‬لا‮ ‬يزالون‮ ‬قابضين‮ ‬على‮ ‬قيم‮ ‬العروبة‮ ‬ومبادئ‮ ‬الإسلام‮ !‬
لا ألوم الشعوب بصراحة وخاصة فئة الشباب الذين لم يعد معظمهم يدري عن فلسطين شيئا . اللوم في المقام الأول يقع على السياسات الإعلامية الخاطئة المعمول بها والتي لا هدف لها سوى البحث عن المادة والربح بغض النظر طبعاً عما تقدمه من معاول هدم وعوامل انحطاط لا يستهدف‮ ‬أحداً‮ ‬كما‮ ‬يستهدف‮ ‬الأمة‮ ‬في‮ ‬قيمها‮ ‬وأخلاقها‮ ‬وتماسكها‮. ‬
يأتي الدور ثانياً كذلك على الساسة والمثقفين والنخب الإجتماعية والوطنية والجامعات والمدارس ووو .. الذين سبحوا مع التيار ورضخوا لهذا التجهيل المبرمج بقضايا الأمة المصيرية والذين يُفترض أن تقع على عاتقهم مسئولية إبقاء قضية العرب الأولى حاضرةً وحيةً في أذهان وعقول‮ ‬وأفئدة‮ ‬الناس‮ ‬وخصوصاً‮ ‬النشء‮ ‬والشباب‮ ‬منهم‮ ‬على‮ ‬الدوام‮ . ‬
يا‮ ‬الله‮ .. ‬لماذا‮ ‬وكيف‮ ‬حصل‮ ‬هذا؟
هل‮ ‬الصهاينة‮ ‬أكثر‮ ‬غيرةً‮ ‬وحميَّةً‮ ‬منا‮ ‬؟‮! ‬أم‮ ‬ماذا؟‮!‬
ألايزالون‮ ‬يتباكون‮ ‬حتى‮ ‬اليوم‮ ‬على‮ ‬ما‮ ‬يقولون‮ ‬عنه‮ ‬أنها‮ ‬المحرقة‮ (‬الهولوكوست‮) ‬ارتكبها‮ ‬النازيون‮ ‬في‮ ‬حقهم‮ ‬؟‮! ‬ألم‮ ‬يقنعوا‮ ‬العالم‮ ‬بها‮ ‬ويجبرونه‮ ‬على‮ ‬سن‮ ‬قوانين‮ ‬تجرم‮ ‬حتى‮ ‬من‮ ‬ينكر‮ ‬وقوعها؟‮!‬
ألا‮ ‬يزالون‮ ‬يتذكرون‮ ‬خيبر‮ ‬ويتوعدوننا‮ ‬بأخذ‮ ‬الثأر‮ ‬لها؟‮!‬
فلماذا‮ ‬نحن‮ ‬العرب‮ ‬ننسى‮ ‬أو‮ ‬نتناسى‮ ‬ما‮ ‬ارتكبه‮ ‬هؤلاء‮ ‬الصهاينة‮ ‬بنا‮ ‬وبشعبنا‮ ‬العربي‮ ‬في‮ ‬فلسطين‮ ‬ولبنان‮ ‬وسوريا‮ ‬ومصر‮ ‬والأردن‮ ‬؟‮!‬
لماذا‮ ‬لا‮ ‬نورث‮ ‬أولادنا‮ ‬وأحفادنا‮ ‬عداءنا‮ ‬وكرهنا‮ ‬لقطعان‮ ‬الصهاينة‮ ‬هؤلاء‮ ‬كما‮ ‬يورثون‮ ‬هم‮ ‬عداءهم‮ ‬لنا؟‮!‬
لماذا‮ ‬لا‮ ‬نعلمهم‮ ‬ونوضح‮ ‬لهم‮ ‬حقيقة‮ ‬ما‮ ‬ارتكبه‮ ‬هؤلاء‮ ‬المجرمون‮ ‬من‮ ‬مجازر‮ ‬وجرائم‮ ‬بحقنا‮ ‬تتجاوز‮ ‬في‮ ‬بشاعتها‮ ‬وإجرامها‮ ‬ألف‮ ‬محرقةٍ‮ ‬وهولوكوست‮ ‬؟‮!‬
لماذا‮ .. ‬ولماذا‮ .. ‬ولماذا‮ ‬؟‮!‬
أسئلةٌ‮ ‬وأسئلةٌ‮ ‬تبعث‮ ‬على‮ ‬الشك‮ ‬والاستغراب‮!‬
ثم‮ ‬نتساءل‮ ‬بعد‮ ‬ذلك‮ ‬لماذا‮ ‬العالم‮ ‬لا‮ ‬يحترمنا‮ ‬أو‮ ‬يقيم‮ ‬لنا‮ ‬وزناً‮!‬
لأننا‮ ‬ببساطة‮ ‬شديدة‮ ‬أصبحنا‮ ‬أمةً‮ ‬سرعان‮ ‬ما‮ ‬تنسى‮!‬

تمت طباعة الخبر في: الخميس, 25-أبريل-2024 الساعة: 02:33 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-57591.htm