الميثاق نت -

الإثنين, 06-يوليو-2020
طه‮ ‬العامري‮ ‬ -
أعترف أن وصولي إلى منطقة الحوبان في تعز لفت نظري أكثر من مشهد أبرز هذه المشاهد كان رغبة الناس في الحياة والديمومة والتعمير والإصرار على البقاء وممارسة حياتهم اليومية وكأن شيئا لم يكن ؛ وكأن لا حرب ولا عدوان ينهش في جسد المحافظة وليس هناك قرابة 13 جبهة عسكرية مفتوحة تواجه هذه المحافظة وتعيش بناسها ويلاتها اليومية وعلى مدار الساعة .. ثمة إصرار على الحياة والبقاء والديمومة رأيتها في عيون البسطاء من أبناء تعز وفي حركتهم وحضورهم اليومي بدءاً من عمال وموظفي الفندق الذي نزلت فيه إلى نزلائه إلى سلوكيات ومواقف الناس في الشارع الذين لا أعرفهم قطعاً ولكني عرفت مدى تحديهم للواقع وظروفه وتمسكهم بالحياة وممارسات حياتهم اليومية بجدية أكثر ؛ إنهم ناس يتمسكون بحقهم بالحياة رغم كل الظروف ورغم كل التحديات محتفظين بذات السلوكيات التي عرف بها أبناء تعز من السلام وهي التلقائية وسرعة المعرفة والألفة ..إذ وبعد قضاء ليلتي الأولى في الفندق وبالرغم من سهري المتواصل لم أذق تلك الليلة النوم لا أكثر من ساعة وبضعة دقائق ثم صحوت قلقا وما أن امتدت يدي لهاتفي لمعرفة الوقت حتى تفاجأت برسالة من ولدي زكريا طه يخبرني فيها بوفاة جده عبدالمؤمن سعيد الذي يكون عمي شقيق والدي.. خبر قضى على أملي بنومة هانئة فواصلت لحظات تأملي حتى الخامسة ثم لم أعرف بعدها إن كنت نمت أو غفلت أو سرحت المهم انتبهت والزميل نزار الخالد منهمك على هاتفه فيما الساعة كانت تشير للسادسة إلا بضعة دقائق ؛ صبحت عليه فبادر بتعزيتي بعمي ثم نهضنا معا وغادرنا الفندق إلى مقهى صغير أمام بوابة الفندق تناولنا فنجان البن مع بعض (الخمير أو الزلابية) ورغم بساطة المكان ..القهوة .. المكونة من صندقة صغيرة إلا أني تذوقت فنجان قهوة بن حمل في ثناياه عبق الماضي والحاضر والمستقبل ..بعد أن فرغنا من تناول قهوتنا قرر زميلي أن ننطلق كما نحن في جولة سيرا على الاقدام وفعلا اتجهنا نحو جولة (القصر) كان كل شيء طبيعيا وهادئا والباصات الصغيرة تمر والسيارات باتجاه الجولة وسوق الجملة لنتوقف أمام معرض زجاجي ضخم تم هجره طويلا بسبب الحرب لكن مؤخرا بُدئ العمل بترميمه وتجهيزه ربما بهدف افتتاحه وعلمت من زميلي أنه يتبع مؤسسة جمعان للتجارة .. توقفنا أمام(تبة السلال) التي كانت تقع علي يسارنا وتبة سوفتيل على يميننا وهالني ما لحق فندق سوفتيل من دمار وتذكرت عام 2006م حين نزلت به لثلاثة أيام وكيف كان يعج بالحياة كما كانت تعز وكل اليمن حينها .. قعدنا على رصيف الشارع نتأمل ونتذكر وتذكرت كم قطعت وأولادي هذا الشارع وأرصفته خلال الفترة 2015-2016م حين كنت من سكان حي الجملة قبل أن أنقل الأسرة لمنزل الأستاذ الفاضل لطفي القرشي الواقع أمام جولة سوفتيل وربما من سوء حظي أنني لم أبِتْ في منزل الأستاذ لطفي سوى ليلة واحدة ثم غادرت تعز إلى صنعاء لتبقى أسرتي فيه حتى التحقوا بي في العاصمة ..ذكريات كثيرة تفجرت في الذاكرة لم يقطعها إلا زميلي بتواصله مع الأستاذ والشيخ العزيز سلطان السامعي مرفقا المحادثة بصورة جماعية التقطها زميلي لي وله على الرصيف والتي أضحكت أستاذنا ؛ واصلنا سيرنا على طريق العودة ولكن من الناحية الثانية أي من جهة الشارع الذي يربط سوق الجملة بجولة سوفتيل ومررنا من أمام منزل الأستاذ عبد القادر حاتم رعاه الله ..والحقيقة أن كل شيء من حولنا كان يثير اعجابنا وخاصة حركة البناء والتنمية والتعمير وهي أحدى الصور التي تجسد تحدي أبناء تعز لكل التحديات وليس هناك أسوأ من الحرب والعدوان ولكن رغم ذلك تعز تتعمر وتتوسع وتنهض من كبوتها وكأنها تقتفي أثر طائر النورس .. وعلى امتداد طريق عودتنا للفندق كان كل شيء يوحي بأن ثمة إرادة تفرض قوانينها في تعز وأن متى‮ ‬امتلك‮ ‬الانسان‮ ‬إرادته‮ ‬فليس‮ ‬هناك‮ ‬ثمة‮ ‬قوى‮ ‬يمكنها‮ ‬أن‮ ‬تحبطه‮ ‬ولو‮ ‬كانت‮ ‬هذه‮ ‬القوى‮ ‬تتجسد‮ ‬بحرب‮ ‬وعدوان‮ ‬وحصار‮ ‬دولي‮ ‬مطبق‮ ‬وحياة‮ ‬استثنائية‮ ‬يصعب‮ ‬على‮ ‬أي‮ ‬شعب‮ ‬التعايش‮ ‬معها‮ ‬إلا‮ ‬أن‮ ‬كان‮ ‬يمنيا‮ ‬وحسب‮ .‬
عدنا قرابة السابعة والنصف للفندق وجهزنا أنفسنا للخروج وفعلا غادرنا الفندق في تمام الثامنة وبضعة دقائق صباحا واتجهنا بسيارة زميلي إلى جولة الحوبان أو مفرق الراهدة ورغم كوننا في بداية اليوم إلا أن المشهد كان يوحي وكأن تعز لم تنم ؛ كانت الحركة تؤكد أن تعز آمنة وليس فيها 13 جبهة عسكرية مفتوحة .. حياة طبيعية ناس متفائلة رغم الكثير من المنغصات التي تراكمت من الماضي والكثير من التفاؤل بقدرة وإمكانية الأستاذ سليم مغلس ورويته وحماسه في محو وعلاج تلك المنغصات ورهان الناس البسطاء عليه وثقتهم بقدرته على الفعل رغم التداخلات في الصلاحيات والاختصاصات وخاصة في القضايا الأمنية وقضايا الأراضي والاعتقالات وكلها ورثها المحافظ لكنها بالصدفة أو بتخطيط مسبق تفجرت أمامه وكأنها قنابل موقوته وقتت لتنفجر أمامه وفي بداية عهده ومع ذلك فإن ما يمكن ملاحظته في الوعي التعزي هو موقفان متباينان‮ ‬الأول‮ ‬موقف‮ ‬البسطاء‮ ‬من‮ ‬العامة‮ ‬الذين‮ ‬لا‮ ‬يخفون‮ ‬ثقتهم‮ ‬بالمحافظ‮ ‬ورهانهم‮ ‬عليه‮ ‬والثاني‮ ‬موقف‮ (‬النخب‮ ‬الوجاهية‮ ‬والثقافية‮) ‬الذين‮ ‬يرهنون‮ ‬قربهم‮ ‬أو‮ ‬بعدهم‮ ‬من‮ ‬المحافظ‮ ‬بحسب‮ ‬مصالحهم‮.‬

تمت طباعة الخبر في: السبت, 20-أبريل-2024 الساعة: 11:18 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-58741.htm