الميثاق نت -

الثلاثاء, 12-يناير-2021
تحقيق - صفوان القرشي -
يعيش ملايين الأطفال اليمنيين أوضاعاً أقل ماتوصف بالمأساوية كونهم الشريحة الأكثر تضرراً من هذا العدوان الذي شارف على عامه السابع ولا بوادر تلوح في الآفق لقرب انتهائه وتسبب بكارثة إنسانية تهدد حياة ومستقبل ملايين الأطفال من بعد أن وجدوا أنفسهم أمام خيارين لا ثالث لهما أما الموت برصاص وقذائف وصواريخ العدوان أو التخلي عن طفولتهم ومدارسهم ومنازلهم وخوض معركة الحياة القاسية بكل بشاعتها من أجل البقاء.. كل هذا فيما المنظمات الدولية والمعنية بحماية الأطفال من كافة اشكال الانتهاكات وتحسين أوضاعهم والدفاع عن حقوقهم بما فيها حقهم في التعلم تكتفي برفع التقارير والاحصاءات لعدد القتلى والمعاقين والنازحين والمشردين واليتامى ومن تركوا مقاعد الدراسة والتحقوا بالعمل في سن مبكرة الذين التهمت سنوات الحرب حاضرهم ومستقبلهم.. كل ذلك يجري على مرأى ومسمع من دعاة الإنسانية والمنادين بحقوق‮ ‬الطفل‮ ‬وهذه‮ ‬بعض‮ ‬مآسي‮ ‬الأطفال‮ ‬التي‮ ‬تمشي‮ ‬على‮ ‬قدمين‮.‬


‮* ‬نور‮ ‬بائعة‮ ‬اللبان
يعمل سعيد البالغ من العمر 9 سنوات في تنظيف ومسح زجاج السيارات في جولة الرويشان بصنعاء بينما تعمل (نور) البالغة من العمر 10 سنوات في بيع مناديل الفاين واللبان (العلكة) أما بشرى فهي أصغر بعامين من ابنة عمها نور فهي تقوم بتنظيف زجاج السيارات..عمل هو أقرب إلى التسول في محاولة لكسب لقمة عيشهم من أجل البقاء على قيد الحياة بعد أن أجبروا تحت وطأة العدوان على النزوح من الحديدة صوب صنعاء مثل مئات الأطفال غيرهم بعيدا عن بيوتهم ومدارسهم وحياتهم التي حرموا منها..
قالت (نور) إنها كانت تحب المدرسة وتحلم أن تصبح طبيبة تداوي الأطفال الصغار والفقراء في قريتها بمديرية الدريهمي وهي إحدى مناطق المواجهات العسكرية في الحديدة..لكنها اليوم تحلم فقط بالحصول على المال الكافي لشراء أكل وشرب لها ولأمها واختها الصغيرة وأبيها الذي فقد‮ ‬قدميه‮ ‬في‮ ‬انفجار‮ ‬لغم‮ ‬وأصبح‮ ‬عاجزا‮ ‬عن‮ ‬أن‮ ‬يعول‮ ‬نفسه‮ ‬ناهيك‮ ‬عن‮ ‬إعالة‮ ‬أسرته‮ ‬الصغيرة‮... ‬وحتى‮ ‬تستطيع‮ ‬توفير‮ ‬ايجار‮ ‬الغرفة‮ ‬التي‮ ‬تسكنها‮ ‬مع‮ ‬اسرتها‮..‬
وتضيف أنها ليست شحاتة بل تبيع اللبان والمناديل وتشكي قلة ما تحصل عليه وأن الناس لم يعودوا يقدمون لها العون كما كانوا من قبل ولهذا اضطرت والدتها للعمل في احد منازل الميسورين وتعمل من الساعة الثامنة صباحا وحتى السادسة مساء.. وما يثير مخاوفها ومخاوف أمها كما تقول‮ ‬أن‮ ‬تبدأ‮ ‬انوثتها‮ ‬بالظهور‮ ‬وهي‮ ‬تعمل‮ ‬في‮ ‬الشارع‮ ‬وحينها‮ ‬تصبح‮ ‬عرضة‮ ‬للتحرش‮ ‬وربما‮ ‬الخطف‮ ‬والاغتصاب‮ ‬أو‮ ‬القتل‮ ‬كما‮ ‬حصل‮ ‬مع‮ ‬قريبتها‮ ‬في‮ ‬عدن‮.‬

‮* ‬سعيد‮ ‬منظف‮ ‬السيارات‮ ‬
حاولنا الحديث مع الطفل ( سعيد ) والذي ليس له من أسمه نصيب ولم يعد يعرف معنى السعادة منذ أن تحمل مسؤولية العمل واعالة نفسه واسرته..لكنه رفض إلا اذا اعطيناه (500 ريال ) لأنه كما قال سنقوم ببيع صورته وقصته للمنظمات وسنحصل على فلوس كثير..استجبنا لطلبه.. فقال إنه من مدينة التحيتا وهي أيضا من مناطق محافظة الحديدة.. وهرب مع امه واخته وأخيه إلى صنعاء بعد مقتل والده واحراق بيتهم..ويضيف بكل براءة: مروان وعلي وفاطمة كلهم ماتوا ونحن هربنا صنعاء وهملنا القرية والاغنام والحمار والبقرة حقنا..
ويتابع‮ ‬سعيد‮ :"‬اشتي‮ ‬ادرس‮ ‬واتعلم‮ ‬بالقرية‮ ‬درست‮ ‬صف‮ ‬أول‮..‬أنا‮ ‬الآن‮ ‬اشتغل‮ ‬انظف‮ ‬أمسح‮ ‬زجاج‮ ‬السيارات‮..‬صاحب‮ ‬الدكان‮ ‬اللي‮ ‬نسكن‮ ‬داخله‮ ‬قال‮ ‬إما‮ ‬ندفع‮ ‬له‮ ‬الايجار‮ ‬أو‮ ‬يطردنا،‮ ‬وصنعاء‮ ‬برد‮ ‬كيف‮ ‬نرقد‮ ‬بالشارع؟‮"..‬

‮* ‬النوم‮ ‬على‮ ‬الرصيف‮ ‬
وعلى رصيف التشرد والضياع في احد شوارع العاصمة صنعاء التي اصبحت قبلة لآلاف النازحين من مختلف المحافظات..كان أحد الأطفال الذي لايتجاوز من العمر 10 سنوات يغط في نوم عميق غير مكترث بضجيج السيارات وأقدام المارة من حوله ربما منحته حرارة الشمس الدفء لينام، وزحمة النهار تشعره بالأمان لأنه لا يستطيع النوم في ساعات الليل الباردة وخلو الشارع يشعره بكثير من الخوف..فهذا الرصيف هو منزله الذي يأوي اليه يفترش الكراتين ويلتحف قطعة ممزقة من بطانية..لا نعرف ما قصته ولم نحاول أن نعرف واكتفينا بالتقاط صورة له تحكي كل تفاصيل حياته‮ ‬ومأساته‮ ‬الموجعة‮ ‬التي‮ ‬يعيشها‮ ‬بعد‮ ‬أن‮ ‬سلبه‮ ‬العدوان‮ ‬كل‮ ‬حقوقه‮ ‬المشروعة‮ ‬بما‮ ‬فيها‮ ‬حقه‮ ‬في‮ ‬الحياة‮ ‬والنوم‮ ‬بأمان‮ ‬مع‮ ‬أسرته‮ ‬بين‮ ‬أربعة‮ ‬جدران‮.‬

‮* ‬طفل‮ ‬القمامة‮ ‬جامع‮ ‬علب‮ ‬البلاستيك
وهناك غير بعيد مأساة أخرى.. طفل لا يتجاوز عمره 8 سنوات ينبش برميل قمامة فما الذي يبحث عنه؟ اقتربنا منه وسألناه عما يفعل داخل برميل القمامة المتعفن والممتلئ بالأوساخ اجاب بكل براءة أنه يشتغل.. واستمر في نبش القمامة المتواجدة في البرميل حينها فقط عرفنا ماذا يعمل؟ إنه يبحث عن العلب البلاستيك الفارغة يجمعها ثم يقوم ببيعها.. ملابسه المتسخة وقدماه الحافيتان وجسمه النحيل يعكس معاناته وحاجته لتوفير كسرة خبز يابسة تسد جوعه.. عرفنا أن اسمه (ريان) يتيم الأب نازح من مدينة تعز.. وهو يعمل في جمع علب البلاستيك مع اخيه الأكبر ثم يقومان ببيعها.. عمل شاق ومستمر يبدأ كل يوم مع ساعات الصباح الأولى وينتهي مع غروب الشمس ورغم كل هذا الوقت فما يجمعه بالكاد تصل قيمته إلى 500 ريال في احسن الأيام وهو مبلغ ضئيل في ظل الاوضاع الاقتصادية الصعبة..
يقول ريان: إنه كان يدرس بمدرسة خاصة في الصف الأول قبل أن يموت والده ويسرق المسلحون البقالة حقهم..نزح مع أمه واخيه إلى صنعاء ويسكن في دكان صغير..كل أحلامه أن يعود إلى تعز وإلى المدرسة والحارة التي ولد فيها وتعود له طفولته التي حرم منها..فهل سيتحقق له هذا الحلم‮ ‬العزيز‮ ‬قبل‮ ‬أن‮ ‬يهرم‮ ‬ويتخطى‮ ‬ما‮ ‬تبقى‮ ‬من‮ ‬سنوات‮ ‬عمره‮ ‬وهو‮ ‬يلهث‮ ‬خلف‮ ‬جمع‮ ‬علب‮ ‬البلاستيك‮ ‬من‮ ‬أجل‮ ‬أن‮ ‬البقاء‮ ‬على‮ ‬قيد‮ ‬الحياة‮ ‬؟‮ ‬

‮* ‬استاذنا‮ ‬الطيب‮ ‬وبائعة‮ ‬الأقلام
كانت الساعة تشير إلى الـ7 صباحاً حينما وجدها في الشارع القريب من منزله في مدينة حدة بالعاصمة صنعاء..تبلغ من العمر 10 سنوات سألها ماذا تفعل في هذا المكان ومن أين جاءت في هذا الوقت المبكر؟.. ردت عليه أنها تبيع أقلاماً.. اعطاها مبلغاً من المال دون أن يأخذ منها شيئاً..رفضت واصرت على اعطائه قلمين..أثار تصرفها دهشته..اعاد عليها السؤال من اين جاءت ولماذا لا تذهب إلى المدرسة للتعلم ؟ ردت عليه أنها من منطقة شملان وهي مضطرة للعمل لتصرف على أمها واخيها الرضيع لأن أباها كان لديه بسطة لكنه اُستشهد بغارة لطيران العدوان..
وتقول بائعة الأقلام إنها تركت المدرسة للعمل كما أنها لا تملك قيمة الزي المدرسي ولا مصاريف المدرسة..كما لا يوجد مع أمها قيمة غاز للطبخ ولا ايجار البيت..أثر كلامها على قلب هذا الإنسان الرحيم عطف عليها واعطاها قيمة الغاز ومبلغ الإيجار للمنزل..بكت بكل ما تملك من الدموع فرحاً بما حصلت عليه من المال الذي سيبقيها وأمها شهراً آخر دون خوف من المؤجر الذي يهدد بطردها وأمها، ومن ناحية أخرى كانت دموعها دليل صدقها وشكرها لهذا الإنسان الذي عطف عليها وأن هناك من مازال يحمل في قلبه الرحمة ويشفق على أمثالها من الذين فقدوا عائلهم‮ ‬واصبحوا‮ ‬ايتاماً‮ ‬مشردين‮ ‬يستجدون‮ ‬لقمة‮ ‬عيش‮ ‬يابس‮ ‬تشبع‮ ‬بطونهم‮ ‬الجائعة‮ ‬وملابس‮ ‬بالية‮ ‬تستر‮ ‬اجسادهم‮ ‬المنهكة‮.‬
‮* ‬وهنا‮ ‬نسجل‮ ‬بعض‮ ‬تصريحات‮ ‬المنظمات‮ ‬الدولية‮ ‬والاحصاءات‮ ‬التي‮ ‬أوردتها‮ ‬حول‮ ‬الأطفال‮ ‬اليمنيين‮ ‬وأوضاعهم‮ ‬المعيشية‮:‬
‮* ‬منظمة‮ ‬الصحة‮ ‬العالمية‮ ‬قالت‮ ‬إن‮ ‬تسعة‮ ‬ملايين‮ ‬طفل‮ ‬يمني‮ ‬مهددون‮ ‬بفقدان‮ ‬إمكانية‮ ‬الوصول‮ ‬لخدمات‮ ‬الصحية‮ ‬الأساسية‮.‬
* منظمة العمل الدولية : عدد الأطفال العاملين في اليمن يفوق 400 الف طفل ينتمون للفئة العمرية »10-14« سنة نسبة الذكور منهم 55,8٪ ونسبة الإناث 44,2٪ وأن هناك 1,4 مليون طفل يعملون في اليمن محرومين من أبسط حقوقهم..
‮* ‬منظمة‮ ‬اليونيسيف‮ : ‬لقد‮ ‬تسبب‮ ‬النزاع‮ ‬وتأخر‮ ‬عجلة‮ ‬التنمية‮ ‬والفقر‮ ‬في‮ ‬حرمان‮ ‬ملايين‮ ‬الأطفال‮ ‬في‮ ‬اليمن‮ ‬من‮ ‬حقهم‮ ‬في‮ ‬التعليم‮.‬
وتضيف‮ : ‬أكثر‮ ‬من‮ ‬2500‮ ‬مدرسة‮ ‬أصبحت‮ ‬خارج‮ ‬الخدمة‮.. ‬66‮ ‬٪‮ ‬تضررت‮ ‬نتيجة‮ ‬حرب‮ ‬و27‮ ‬٪‮ ‬اغلقت‮ ‬و7٪‮ ‬تستخدم‮ ‬لأغراض‮ ‬عسكرية‮..‬
وتقول‮: ‬إن‮ ‬الكوادر‮ ‬التعليمية‮ ‬في‮ ‬75‮ ‬٪‮ ‬من‮ ‬المدارس‮ ‬الحكومية‮ ‬لم‮ ‬يتلقوا‮ ‬رواتبهم‮ ‬منذ‮ ‬أكثر‮ ‬من‮ ‬4‮ ‬سنوات‮.‬
* منظمة اليونيسكو: الوضع المزري في اليمن أدى إلى خروج أكثر من مليوني طفل من المدرسة وأن 5,8 مليون كانوا مسجلين في المدارس اصبحوا عرضة لخطر التسرب وهذا يعرضهم لخطر كبير مثل عمالة الأطفال والتسول والتجنيد في الجماعات والقوات المسلحة وزواج القاصرات والاتجار بالبشر‮ ‬والوقوع‮ ‬في‮ ‬قبضة‮ ‬الجماعات‮ ‬الإرهابية‮.‬
‮* ‬الأمم‮ ‬المتحدة‮ ‬تقول‮: ‬إن‮ ‬نحو‮ ‬2‭,‬7‮ ‬مليون‮ ‬يمني‮ ‬قد‮ ‬نزحوا‮ ‬في‮ ‬الداخل‮ ‬بسبب‮ ‬الصراع‮ ‬نصفهم‮ ‬من‮ ‬الأطفال‮..‬وإن‮ ‬5‭,‬2‮ ‬طفل‮ ‬يمني‮ ‬يواجهون‮ ‬خطر‮ ‬المجاعة‮.‬
وتضيف‮ : ‬نسبة‮ ‬عمالة‮ ‬الأطفال‮ ‬ارتفعت‮ ‬من‮ ‬10‮ ‬٪‮ ‬قبل‮ ‬الحرب‮ ‬إلى‮ ‬70٪‮ ‬أي‮ ‬أن‮ ‬هناك‮ ‬5‮ ‬ملايين‮ ‬طفل‮ ‬ينشطون‮ ‬في‮ ‬سوق‮ ‬العمل‮.. ‬
أرقام‮ ‬مخيفة‮ ‬وإحصاءات‮ ‬مفجعة‮ ‬ولكن‮ ‬لا‮ ‬حلول‮ ‬منتظرة‮ ‬وسيبقى‮ ‬الحاضر‮ ‬مرعباً‮ ‬والمستقبل‮ ‬أكثر‮ ‬رعباً‮ ‬ما‮ ‬دام‮ ‬المجتمع‮ ‬الدولي‮ ‬يجيد‮ ‬النفاق‮ ‬ويمتهن‮ ‬الكذب‮ ‬على‮ ‬الشعوب‮ ‬ويتاجر‮ ‬بمآسيها‮.‬
تمت طباعة الخبر في: الثلاثاء, 16-أبريل-2024 الساعة: 08:51 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-59871.htm