الميثاق نت -

الثلاثاء, 13-يوليو-2021
‬جمال‮ ‬الورد -
على الرغم من كل التحديات التي مرّ بها المجتمع المدني اليمني، إلّا أنه كان مصدراً من مصادر الحث على التماسك المجتمعي خلال السنوات المنصرمة، فقد قام المجتمع المدني بدور أساسي في دعم وحماية وإنقاذ مجموعات واسعة من المدنيين، وسيلعب دوراً جذرياً في توجيه السياسيات‮ ‬وسبل‮ ‬الحماية‮ ‬وبناء‮ ‬مؤسسات‮ ‬الدولة‮ ‬وإرساء‮ ‬سلام‮ ‬مستديم‮ ‬واستقرار‮ ‬مجتمعي‮.‬
من شبه المستحيل افتراض إعادة بناء القطاع العام في اليمن دون إشراك المجتمع المدني، حيث إنه قد نجح في فرض نفسه كضرورة، سواء لجهة الدور الذي لعبه، وما يزال، خلال الحرب والعدوان على اليمن، والذي جعل منه الممثّل والحامي والمدافع عن حقوق شريحة واسعة من المجتمع. بالإضافة‮ ‬إلى‮ ‬ذلك،‮ ‬هناك‮ ‬دور‮ ‬متوقّع‮ ‬ومرجو‮ ‬من‮ ‬المجتمع‮ ‬المدني‮ ‬يتمثل‮ ‬في‮ ‬رسم‮ ‬استراتيجيات‮ ‬الحوكمة‮ ‬الرشيدة‮ ‬في‮ ‬مرحلة‮ ‬ما‮ ‬بعد‮ ‬الحرب‮ ‬والعدوان،‮ ‬وهى‮ ‬مرحلة‮ ‬بدأ‮ ‬المجتمع‮ ‬الدولي‮ ‬والينميون‮ ‬التحضير‮ ‬لها‮.‬
ولعل من أكبر الأخطاء التي يمكن أن يتم ارتكابها في أي عملية سلام، هو أن يكون الغرض منها فقط إيقاف العدائيات ووضع بنى سياسية جديدة. أن يتم ذلك دون الوضع في عين الاعتبار تصميم استراتيجيات شاملة تضمن تحقيق السلام العادل واستدامته على الأرض وانعكاسه بشكل واضح على المواطنين، سواء في مناطق النزاعات أو غيرها من المناطق التي قد تحوي الشروط اللازمة لاندلاع الحرب والنزاعات المسلحة مجددًا. وربما من أهم الأسباب التي قد تؤدي إلى هذا الخطأ الفادح والمتكرر في اتفاقيات السلام في اليمن وغيرها من البلدان، هو انفراد أطراف النزاع‮ ‬السياسية‮ ‬والعسكرية،‮ ‬بوضع‮ ‬بنود‮ ‬الاتفاقيات‮ ‬والإجراءات‮ ‬المترتبة‮ ‬عليها،‮ ‬دون‮ ‬توسيع‮ ‬نطاق‮ ‬المشاركة‮ ‬العامة‮ ‬في‮ ‬جميع‮ ‬مراحل‮ ‬عملية‮ ‬السلام‮ ‬لضمان‮ ‬شموليتها‮ ‬ومصداقيتها‮. ‬
فمن البداهة أن السلام الحقيقي هو السلام الذي يمثل المواطنين ويخاطب الجذور الحقيقية للمشاكل المؤدية للحرب، وذلك أمر ذاتي الإثبات في الحالة اليمنية؛ لذلك من الضروري أن لا تقتصر عملية السلام على توقيع الاتفاقيات وتقسيم المناصب، دون إحلاله على الأرض وانعكاسه على‮ ‬معاش‮ ‬الناس‮.‬
وتوسيع نطاق المشاركة العامة يستدعى إشراك أطراف أخرى في جميع مراحل عملية السلام قبل وأثناء وبعد التوقيع على الاتفاقيات، أطراف تضمن أن تتم عملية سلام جادة وحقيقية، تزيل المظالم وتؤسس لسلام مستديم. ولربما من أهم هذه الأطراف هي منظمات المجتمع المدني، والتي أثبتت‮ ‬تجارب‮ ‬السلام‮ ‬حول‮ ‬العالم‮ ‬أن‮ ‬مشاركاتها‮ ‬كانت‮ ‬دائمًا‮ ‬تنعكس‮ ‬بشكل‮ ‬إيجابي‮ ‬على‮ ‬تحقيق‮ ‬سلام‮ ‬شامل،‮ ‬عادل‮ ‬ومستديم‮.‬
ومنظمات المجتمع المدني هي المنظمات غير الحكومية، وغير الربحية، الحاضرة في الحياة العامة للناس والمعبرة عن مصالح وقيم أعضائها، أو قيم أشخاص آخرين بناءً على اعتبارات أخلاقية أو سياسية أو ثقافية أو علمية أو دينية أو إنسانية. وهي تشمل جملة واسعة من المنظمات مثل المنظمات السكانية ونقابات العمال والمنظمات الحقوقية والفكرية والثقافية، وهي بطبيعة الحال تمارس أنشطة تهدف إلى تخفيف المعاناة عن الناس وتمثيل مصالح الفقراء وحماية البيئة وتوفير الخدمات الاجتماعية الأساسية والقيام بالتنمية. وهي دومًا تسعى لتحقيق المصلحة العامة‮.‬
ويمكن‮ ‬تقسيم‮ ‬منظمات‮ ‬المجتمع‮ ‬المدني‮ ‬إلى‮ ‬نوعين‮ ‬بناءً‮ ‬على‮ ‬طبيعة‮ ‬عملها؛‮ ‬فبعضها‮ ‬منظمات‮ ‬تنفيذية‮ ‬يتعلق‮ ‬عملها‮ ‬بتصميم‮ ‬وتنفيذ‮ ‬المشاريع‮ ‬التنموية‮. ‬
والبعض‮ ‬الآخر‮ ‬منظمات‮ ‬دعائية‮ ‬تقوم‮ ‬بالدعاية‮ ‬والضغط‮ ‬والدفاع‮ ‬عن‮ ‬قضايا‮ ‬معينة،‮ ‬سواء‮ ‬أكانت‮ ‬قضايا‮ ‬تتعلق‮ ‬بشرائح‮ ‬مستضعفة‮ ‬أو‮ ‬مظلومة‮ ‬أو‮ ‬مهمشة،‮ ‬أو‮ ‬قضايا‮ ‬تتعلق‮ ‬بالبيئة‮ ‬والثقافة‮ ‬والفنون‮.‬
ولربما من هذا التعريف يمكننا التكهن بالأدوار المهمة والمحورية التي يمكن أن تقوم بها منظمات المجتمع المدني في عملية السلام، في كل مراحلها ومستوياتها. بالإضافة لأهميتها في توسيع نطاق المشاركة العامة.
لا يقتصر دور منظمات المجتمع المدني على بناء وإحلال السلام فقط، وإنما يمكنها أن تشارك في التمهيد لعملية السلام نفسها على مستوييها السياسي والشعبي. ويكون ذلك عن طريق تقديم المشورة للأطراف السياسية والمدنية، وإقامة الورش الحوارية التي تساعد على تقريب وجهات النظر‮ ‬بين‮ ‬الأطراف‮ ‬المتنازعة،‮ ‬وبناء‮ ‬شبكات‮ ‬العمل‮ ‬الشعبي‮ ‬الأكثر‮ ‬معرفة‮ ‬وخبرة‮ ‬بمظاهر‮ ‬النزاعات‮ ‬والمظالم‮ ‬والمرارات‮.‬
كما أنها يمكن أن تشارك في فتح الطريق لمبادرات التفاهم وبناء العلاقات بين جميع الأطراف على كل المستويات. وأن تقوم بالضغط بالأساليب المدنية والقانونية، للدفع باتجاه الحل السلمي للنزاعات المسلحة. وأيضًا كشف الخروقات لحسن النوايا بين الأطراف، وتقصي الحقائق، ومراقبة‮ ‬أوضاع‮ ‬حقوق‮ ‬الإنسان‮.‬
وبالنسبة لاتفاقيات السلام نفسها؛ فإن منظمات المجتمع المدني وبطبيعة اختصاصاتها المتنوعة، يمكنها أن تلفت النظر لمسائل تتعلق بالفئات الخاصة والقضايا التي قد يتم إغفالها في الاتفاقات الثنائية الفوقية، تلك القضايا الجوهرية والتي عادة ما تتجاهلها الأطراف السياسية‮ ‬المتعجلة،‮ ‬مثل‮ ‬قضايا‮ ‬المرأة‮ ‬والطفل‮ ‬والنشء‮ ‬والشباب‮ ‬والبيئة‮ ‬وغيرها‮ ‬من‮ ‬القضايا‮ ‬المهمة‮ ‬لتحقيق‮ ‬سلام‮ ‬عادل‮ ‬ودائم‮. ‬
فمنظمات‮ ‬المجتمع‮ ‬المدني‮ ‬يمكنها‮ ‬الضغط‮ ‬لوضع‮ ‬هذه‮ ‬القضايا‮ ‬في‮ ‬عين‮ ‬الاعتبار‮ ‬ضمن‮ ‬بنود‮ ‬الاتفاقيات‮ ‬والمعاهدات‮ ‬الخاصة‮ ‬بالسلام‮. ‬وهو‮ ‬الأمر‮ ‬الذي‮ ‬سينعكس‮ ‬بكل‮ ‬تأكيد‮ ‬على‮ ‬إحلال‮ ‬السلام‮ ‬وشمول‮ ‬العملية‮.‬
وفي إحلال وبناء السلام؛ فبعد تحليل العوامل المسببة للنزاعات، يمكن لمنظمات المجتمع المدني بالتعاون مع أصحاب المصلحة والأطراف الموقعة على الاتفاقيات، يمكنها تنمية الاستراتيجيات والحلول الممكنة لمعالجة تلك العوامل، قبل أن تتفاقم التوترات والمظالم على الأرض، مما يهدد عملية إحلال السلام برمتها. ذلك بالإضافة لتكوين ودعم القنوات بين المواطنين والمؤسسات الحكومية، والضغط عليها باعتبارها أجسامًا رقابية تقوم على مراقبة أداء المؤسسات الحكومية والمفوضيات المختلفة حسب توجهات كل منظمة والقضايا التي تعالجها.
كما‮ ‬أنها‮ ‬في‮ ‬الاتجاه‮ ‬الآخر،‮ ‬يمكنها‮ ‬أن‮ ‬تتعاون‮ ‬مع‮ ‬الحكومات‮ ‬على‮ ‬تنزيل‮ ‬برامج‮ ‬السلام‮ ‬التنموية‮ ‬في‮ ‬جميع‮ ‬المجالات،‮ ‬ضمن‮ ‬عمليات‮ ‬بناء‮ ‬السلام‮ ‬وترسيخه‮.‬
أما على المستوى الشعبي "الجماهيري" فأدوارها يمكن أن تتمثل في بناء الشراكات مع المجموعات المحلية وتطوير برامج تهدف لمعالجة النزاعات وبناء السلام.. كما أنها يمكن أن تعمل على التثقيف في مجال القضايا المتعلقة بالسلم الاجتماعي ونشر ثقافة الحلول السلمية والمدنية‮ ‬للمشاكل‮ ‬الاجتماعية،‮ ‬وذلك‮ ‬عبر‮ ‬وسائلها‮ ‬المختلفة‮ ‬المتمثلة‮ ‬في‮ ‬الإعلام‮ ‬البديل‮ ‬والفنون‮ ‬والفعاليات‮ ‬الثقافية‮ ‬وغيرها‮. ‬
كما أنها يمكن أن تعمل على مخاطبة المرارات التاريخية بشكل بنَّاء والمشاركة في مبادرات المصالحة. كما أنها يمكن أن تنخرط في حماية الأفراد والشرائح المعرضة والمهددة، وتبني قضاياها، وتمكين وتعزيز دور المرأة في المجتمعات المحلية، والمشاركة في تنسيق ودعم برامج إعادة‮ ‬الدمج‮ ‬والتسريح‮ ‬للمقاتلين،‮ ‬وتقديم‮ ‬الدعم‮ ‬النفسي‮ ‬والاجتماعي‮ ‬لضحايا‮ ‬الحرب‮ ‬والنازحين‮.‬
على أي حال، لا يمكن حصر جميع الأدوار التي يمكن أن تقوم بها منظمات المجتمع المدني بأشكالها وتخصصاتها المختلفة وأساليب عملها الإبداعية والمتجددة. ولكن وباعتبار دورها التعويضي والتكميلي للبرامج الحكومية، بالإضافة لطبيعتها المدنية؛ فإن أهميتها بالنسبة لبناء وإحلال‮ ‬السلام‮ ‬لا‮ ‬يمكن‮ ‬التقليل‮ ‬من‮ ‬شأنها‮. ‬خصوصًا‮ ‬في‮ ‬واقع‮ ‬معقد‮ ‬وشائك‮ ‬مثل‮ ‬الواقع‮ ‬السياسي‮ ‬والاجتماعي‮ ‬اليمني‮. ‬
كما أنها لو لم يكن لمشاركتها فضيلة سوى توسيع وشمول السلام وإشراك الأطراف المدنية في صياغة وتنفيذ بنود الاتفاقيات، وتمثيل مصالح الفئات الخاصة والمهمشة، الأمر الذي يحافظ على استدامة السلام؛ فهذه الفضيلة لوحدها تكفيها. وهو الأمر الذي لاحظته وأوصت به عدد من المنظمات الدولية وبينته تجارب السلام السابقة المحلية والعالمية، والتي أظهرت أهمية إشراك منظمات المجتمع المدني في عمليات السلام الناجحة وتحقيق سلام مستديم، وهو الأمر الذي نرجو أن ينتبه له صانعو القرار من جميع الأطراف في عملية السلام الجارية في بلادنا، والتي نرجو‮ ‬أن‮ ‬تكون‮ ‬الأخيرة‮.‬


تمت طباعة الخبر في: الخميس, 28-مارس-2024 الساعة: 07:57 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-60873.htm