الميثاق نت -

الإثنين, 13-سبتمبر-2021
د‮. ‬عبدالوهاب‮ ‬الروحاني‮ ‬ -
الأحداث والكوارث التي تعصف بالدول والمجتمعات، هي محطات اختبار تتعلم منها الشعوب دروسا بليغة في الصبر والتحمل والمواجهة، وهي تُحدِث عند القوى الوطنية الشابة في الاوساط الثقافية والسياسية والعسكريةًً ردود أفعال مقاومة للعبث والفوضى بطرق واشكال مختلفة..
الاحساس بالحاجة للمراجعة يكون عادة هو ردة الفعل الأولى للوجع الوطني، والتأثر بالاحداث التي مر ويمر بها المجتمع هو شعور يساعد بالضرورة على تشكل وعي جديد، ويخلق نخبا جديدة تفكر بطريقة مختلفة عن النخب التي تسببت في الدفع بالبلاد إلى الحرب، واوصلت الوطن إلى حافة‮ ‬الانهيار‮ ‬والسقوط‮ .‬

النخب‮ ‬البالية‮ ‬تجدد‮ ‬نفسها
مررنا في اليمن وبلدان "الشتاء" العربي بأحداث التغيير 2011، التي تجاوزتها مصر وتونس، واستقر نزيفها في اليمن وسوريا وليبيا والعراق، وهو الامر الذي لم يكن مصادفة وإنما جاء بفعل تآمر كبير ومخطط مدروس مر عبر ادوات وقوى الفساد في الداخل الوطني ..

كيف؟‮!‬
لن انساق الى فكرة المؤامرة الخارجية - وان كانت محركاً مهماً في اللعبة - لكني أميل أولاً الى فكرة الاستعداد الداخلي للارتهان والبيع والشراء المتوارث كما في حالتنا اليمنية، ولن اذهب بعيداً، فالكل هرول للارتماء في احضان دول الاقليم، أملاً في الانتصار على الخصم‮ ‬الداخلي،‮ ‬فكان‮ ‬الرهان‮ (‬القديم‮ - ‬الجديد‮) ‬على‮ ‬ايران،‮ ‬والسعودية‮ ‬والامارات،‮ ‬وقطر،‮ ‬وحزب‮ ‬الله،‮ ‬واخيرا‮ ‬التفكير‮ ‬في‮ ‬تركيا،‮ ‬مع‮ ‬ان‮ ‬بعضها‮ ‬دول‮ ‬وجماعات‮ ‬لم‮ ‬تتمكن‮ ‬من‮ ‬حماية‮ ‬نفسها‮ ‬والانتصار‮ ‬لقضاياها‮ ‬الداخلية‮.. ‬
والمهم، رغبة الشباب غير المؤدلج في التغيير الى الأفضل اجهضت في مهدها، والتف عليها عتاولة الاستبداد والفساد التاريخيين (قوى حزبية وقبلية عتيقة متخلفة، وجماعات دينية بائسة ومتطرفة، وساسة وقوى فساد عتيدة)، وقتلوا الفكرة يوم ولادتها، وطردوا الشباب، وركبوا على‮ ‬دمائهم‮.. ‬

سؤال‮ ‬ناومكين
وهنا، أتذكر سؤالاً لصديقي الاكاديمي الروسي المستشرق الشهير (فيتالي ناومكين) كان وجَّهه في مؤتمر صحفي عقد في موسكو (اكتوبر 2011) لثوار "الفيد" الشباب : ياسين نعمان (اشتراكي- 75 عاما)، عبدالوهاب الانسي (اصلاح- 77 عاماً) محمد باسندوة (رئيس حكومة لاحقا-85 عاماً‮) ‬قال‮ ‬فيه‮:‬
‮* ‬انتم‮ ‬هنا‮ ‬تتحدثون‮ ‬عن‮ ‬ثورة‮ ‬الشباب،‮ ‬وتزعمون‮ ‬تمثيلهم‮ .. ‬ولكن‮ ‬اين‮ ‬الشباب‮ ‬بينكم؟‮!‬
كشف‮ ‬السؤال‮ ‬عن‮ ‬حجم‮ ‬الكارثة،‮ ‬وكان‮ ‬بالتالي‮ ‬محرجاً‮ ‬للنخب‮ ‬القديمة‮ ‬وجميع‮ ‬ثوار‮ "‬الفيد‮"‬،‮ ‬الذين‮ ‬حاولوا‮ ‬استثمار‮ ‬وتطويع‮ ‬حركة‮ ‬التغيير‮ ‬لمصالحهم،‮ ‬وتسلموا‮ ‬السلطة‮ ‬وفشلوا‮ ‬لعدد‮ ‬من‮ ‬الاسباب‮ ‬اهمها‮:‬
1‮- ‬استعداء‮ ‬الشباب‮ ‬اصحاب‮ ‬المصلحة‮ ‬الحقيقية‮ ‬في‮ ‬المطالبة‮ ‬بالتغيير،‮ ‬وتهميشهم‮ ‬بل‮ ‬واقصاؤهم‮ ‬من‮ ‬المشهد‮ ‬تماماً‮.. ‬
2‮- ‬بمجرد‮ ‬ان‮ ‬وصلوا‮ ‬السلطة‮ ‬اعتبروها‮ ‬غنيمة‮ ‬تقاسموها‮ ‬بمخالفة‮ ‬لشعارات‮ "‬التغيير‮" ‬التي‮ ‬رفعوها‮ ‬وتغنوا‮ ‬بها‮.‬‭.‬
3‮- ‬مارسوا‮ ‬تجريفاً‮ ‬مخيفاً‮ ‬في‮ ‬الوظيفة‮ ‬العامة،‮ ‬ومارسوا‮ ‬الإحلال‮ ‬الحزبي‮ ‬على‮ ‬حساب‮ ‬الكفاءات‮ ‬الوطنية‮.‬
4‮- ‬تقسيم‮ ‬وتفتيت‮ ‬وتمزيق‮ ‬الجيش‮ ‬الوطني‮ ‬تحت‮ ‬مسمى‮ ‬الهيكلة‮ ‬غير‮ ‬الوطنية‮.. ‬
‮ ‬5‮- ‬تهربوا‮ ‬من‮ ‬الاستحقاق‮ ‬الانتخابي‮ ‬الذي‮ ‬حددته‮ ‬المبادرات‮ ‬الخليجية،‮ ‬ومددوا‮ ‬للرئيس‮ ‬هادي‮ ‬ليمددوا‮ ‬لأنفسهم،‮ ‬خوفاً‮ ‬من‮ ‬نتيجة‮ ‬قد‮ ‬تحرمهم‮ ‬نعيم‮ ‬السلطة‮ ‬التي‮ ‬وصلوا‮ ‬اليها‮ ‬على‮ ‬ظهور‮ ‬ودماء‮ ‬الشباب‭.‬
6‮-‬ادخلوا‮ ‬اليمن‮ ‬تحت‮ ‬البند‮ ‬السابع‮ ‬من‮ ‬ميثاق‮ ‬الامم‮ ‬المتحدة‮ ‬بمؤامرة‮ ‬قذرة‮ ‬من‮ ‬السعودية‮ ‬والإمارات‮ ‬وبعض‮ ‬دول‮ ‬الخليج،‮ ‬تمهيداً‮ ‬لضرب‮ ‬اليمن‮ ‬وتدمير‮ ‬دولته‮ ‬وقتل‮ ‬وتجويع‮ ‬وتشريد‮ ‬شعبه‮.‬
7- حوار السقف المفتوح في الموفمبيك (حوار العوائل)، الذي افرز الروائح الكريهة، وبعث العصبية العرقية والمناطقية والجهوية.. ذلك الحوار الذي فتح الشهية للتشظي والانقسام ومهد بترتيب مهووس للانفصال، وهو ما حذرنا من مآلاته الكارثية في الايام الأولى لانعقاده..
ومُذَّاك والنخب العتيقة البالية والمجربة تجدد نفسها، ولم تسمح للشباب ان يلعب دوره ويلتقط فرصته، ولم يتغير في الأمر شيء.. بل سرنا - وما نزال- نسير بخطى مسرعة ومخيفة الى الأسوأ.. ما يعني ان قواعد اللعبة يجب ان تتغير .. ذلك لأن الاحداث الكبيرة والعاصفة - اية‮ ‬أحداث‮- ‬تفرز‮ ‬بالضرورة‮ ‬نخباً‮ ‬جديدة‮ ‬من‮ ‬الشباب‮ ‬الوطني‮ ‬القادر‮ ‬على‮ ‬حمل‮ ‬الرسالة‮ ‬لحماية‮ ‬وإنقاذ‮ ‬المجتمع‮ ‬وبناء‮ ‬الدولة‮.. ‬ولكنها‮ ‬لم‮ ‬تظهر‮ ‬بعد‮ .. ‬فعلى‮ ‬من‮ ‬الرهان‮ ‬إذاً‮..‬؟‮!! ‬

تمت طباعة الخبر في: السبت, 20-أبريل-2024 الساعة: 01:14 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-61174.htm