الميثاق نت -

الإثنين, 20-سبتمبر-2021
مطهر‮ ‬تقي -
عشقت مدينتي ومسقط رأسي صنعاء الحضارة والتاريخ منذ بداية قدرتي على استيعاب عظمة فنها المعماري الفريد في العالم ودقة التخطيط الحضري لشوارعها وحاراتها ومساجدها وأسواقها وحماماتها البخارية اليمنية القديمة (وليست تركية كما يردد البعض).
طبيعة‮ ‬اهلها‮ ‬الطيبين‮ ‬وعاداتهم‮ ‬وتقاليدهم‮ ‬العريقة‮ ‬وعلاقاتهم‮ ‬الاجتماعية‮ ‬المتميزة‮ ‬بالتسامح‮ ‬والتآلف‮ ‬البعيد‮ ‬عن‮ ‬النعرات‮ ‬والتعصب‮ ‬واستخدام‮ ‬العنف‮..‬
مدينتي‮ ‬صنعاء‮ ‬تعتبر‮ ‬كل‮ ‬أبناء‮ ‬اليمن‮ ‬أبناءها‮ ‬وترحب‮ ‬بكل‮ ‬من‮ ‬يفد‮ ‬إليها‮ ‬لاتسأله‮ ‬من‮ ‬أي‮ ‬منطقة‮ ‬هو‮ ‬او‮ ‬من‮ ‬أي‮ ‬محافظة‮ ‬ينتمي‮ ‬ولاتسأله‮ ‬عن‮ ‬مهنته‮ ‬او‮ ‬مذهبه‮ ‬او‮ ‬فكره‮ ‬السياسي‮ ‬فحضنها‮ ‬يستوعب‮ ‬الجميع‮.‬
كانت الحياة رخيصة والمعيشة فيها هادئة وخدمات الماء والكهرباء والتلفون منذ منتصف الستينيات منتظمة وبتسعيرة في متناول حتى الاسرة الفقيرة.. وقد شهدت المدينة نقلة في شوارعها منذ بداية الثمانينيات حين اعلنت صنعاء مدينة تراث عالمي فتم رصفها بالأحجار ومنع المخالفات في مبانيها خارج النمط المعماري الصنعاني كما تم تنظيم حركة المرور فيها وتم ضبط البسطات العشوائية واحترام ارصفة المشاه فكانت بحق في الثمانينيات والتسعينيات وحتى بعد ذلك بسنوات قليلة نموذجاً للمدينة المتميزة باستمرار إقامة مشاريعها الخدمية خصوصا في عهد أمين العاصمة الأسبق الاستاذ حسين المسوري ومن بعده الاستاذ احمد الكحلاني ورئيس هيئة المدن التاريخية المؤسس المرحوم الدكتور عبدالرحمن الحداد.. من بذلوا جهوداً استثنائية في الحفاظ على المدينة وإلاهتمام بنظافتها وأداء مرافقها الخدمية المختلفة من مدارس بكامل احتياجاتها ومراكز صحية بعلاجاتها ومراكز شرطتها النموذجية وغيرها من المرافق المدنية الناجحة.. اما المستوى المعيشي لأهلها من خلال توفير الوظائف لأبنائها وازدهار تجارة أسواقها ورخص أسعارها فكانت بحق رمزاً للزمن الجميل الذي يتذكره أبناؤها اليوم بحسرة وحزن وهم يعيشون‮ ‬اليوم‮ ‬ومنذ‮ ‬قرابة‮ ‬أحد‮ ‬عشر‮ ‬عاما‮ ‬من‮ ‬ضياع‮ ‬الدولة‮ ‬وسبعة‮ ‬أعوام‮ ‬من‮ ‬العدوان‮ ‬والحصار‮ ‬وانتشار‮ ‬ألامراض‮ ‬والأوبئة‮ ‬والفقر‮ ‬المدقع‮ ‬وضعف‮ ‬الخدمات‮ ‬العامة‮ ‬والقسوة‮ ‬والغلظة‮ ‬على‮ ‬المواطن‮ ‬البسيط‮.‬
تلك الصورة الجميلة لزمن الطفولة ومابعدها من زمن الرخاء والمعيشة الطيبة التي شهدتها صنعاء التاريخ تذكرتها ومازلت أتذكرها كل يوم ادخل صنعاء وسط الإزدحام المروري الخانق الذي تسيطر عليه الفوضى وقلة الذوق العام الذي أدفع ثمنه وأسرتي وكل سكان المدينة كل يوم.. وخصوصا منهم المرضى الذين لا يمكن اسعافهم للعلاج وكذلك الحوامل عند وضعهن إلا على الأكتاف او فوق عربات تجرها الأيادي. فقد تحولت صنعاء اليوم الي موقف كبير للسيارات تحتل عدداً من شوارع المدينة السيارات المعطلة والشوارع والحارات الأخرى.. سيارات أصحاب الدكاكين ومن يأتي لصنعاء للتسوق دون حراك او شعور بالواجب من أمانة العاصمة التي لاتجيد إلا فن الجبايات المالية وتأجير كل شبر في صنعاء التاريخ وكل شوارع العاصمة.. أما حال نظافتها السيئة وفوضى بسطاتها فحدّث ولا حرج بالرغم من جهود مدير مديريتها الحالي الاخ مهدي عرهب ومن قبله الاخ احمد الصماد ومعهما امين عام المجلس المحلي مجاهد الغيل وأعضاء المجلس ولكنها جهود تصطدم معها قلة الإمكانات أمام مشاكل وازدحام المدينة التاريخية التي تكاثرت واستفحل امر معالجتها خصوصا وهيئة الحفاظ على المدن التاريخية برئاسة مجاهد طامش ونائبه عقيل النصاري والوكيلة امة الرزاق جحاف (شفاها الله) ومن خيري مهندسيها وموظفيها بالرغم من جهودهم في الحفاظ على المدينة إلا أن مشاكل المدينة وانتشار فوضى المخالفات فيها بفعل توقف صرف المرتبات قد جعل البعض يصدر تراخيص بالمخالفات ويستلمون من المخالفين غرامات مالية كبيرة وكأنهم بذلك يشتركون مع المخالفين من بعض المواطنين وعدد من التجار الذي تغلب عليهم الجشع بتحويل بيوت قديمة إلى متاجر اسمنتية بعد التحايل لخراب تلك المنازل وهذا العمل الآثم قد أخل بالتخطيط الحضري المتميز للمدينة الذي فصل بين الأسواق وحارات السكن فقد زحفت الدكاكين وتلك الأسواق على الأحياء السكنية بجهل وتربص ولم يصل الأمر إلى هذا الحد فقط بل إن حارات سكنية تحولت إلى أسواق تعمها الفوضى المرورية للسيارات والموتوات وعدم النظافة.. والمثل على ذلك حارة الفليحي التي كانت في الزمن الجميل كما وصفها ابن الفليحي الأديب الثائر احمد الشامي في كتابه رياح التغيير بأجمل حارة صنعانية وهي الحارة التي سكنها عالما اليمن المفتي احمد زباره ومن بعده المفتي محمد اسماعيل العمراني وكذلك المؤرخ والأديب عبدالله الجرافي وهزار النشيد الصنعاني العزي النعماني وسيبويه اليمن القاضي عبدالله السرح‮.‬
وصنعاء الحضارة كانت ومازالت بالرغم من مآسيها مصدراً لإلهام قريحة الشعراء واشهرهم الدكتور عبدالعزيز المقالح والأستاذ عبدالله البردوني والأستاذ عباس الديلمي ومن قبلهم الشاعر الكبير عبدالرحمن الآنسي وعلي محمد العنسي وغيرهم.... ومن تلقف تلك القصائد من الفنانين الذين تغنوا بصنعاء وترنموا حباً وعشقاً في جمالها من أمثال الأساتذه فؤاد عبدالله الكبسي واحمد فتحي وأبو بكر سالم بلفقيه واحمد السنيدار ومحمد عبده... وكذلك منشدي الإنشاد الصنعاني من أمثال المنشد المقرئ الشيخ محمد عامر ويحيى المحفدي وقاسم زبيدة وعلي محسن الاكوع‮ ‬رئيس‮ ‬جمعية‮ ‬المنشدين‮ ‬اليمنيين‮ ‬وغيرهم‮ ‬ممن‮ ‬عشقوا‮ ‬صنعاء‮ ‬وحضارتها‮ ‬وعظمة‮ ‬مكانتها‮ ‬في‮ ‬نفوسهم‮ ‬ونفوس‮ ‬كل‮ ‬ابناء‮ ‬اليمن‮ .‬
وانا‮ ‬اليوم‮ ‬وغيري‮ ‬من‮ ‬أبناء‮ ‬اليمن‮ ‬من‮ ‬عشاق‮ ‬صنعاء‮ ‬نقول‮:‬
لك الله ياصنعاء يا زهرة مدائن الدنيا ومركز التراث الإنساني العالمي ورمز عبقرية البنائين اليمنيين.. ففي زمن العدوان وزمن الاعراب الذين يتطاولون اليوم بالعمران الاسمنتية الجوفاء من اي عبق حضاري إنساني قامت طائراتهم بقنابلها وصواريخها بأستهداف مبانيها وقتل أطفالها‮ ‬ونسائها‮ ‬في‮ ‬الفليحي‮ ‬والقاسمي‮....‬
لكم الله يا أهلها من اهلي وأصدقائي وكل ساكن فيها وانتم تقاسون اليوم وطأة الجوع والفقر والمرض نتيجة قلة حيلة اليد وانتم الأعزاء من تأنف نفوسكم طلب الغير وشكوى الفاقة وتفضلون الموت في منازلكم شرفاء كرماء .
لكم الله يا اهل صنعاء وانتم تقاسون مرارة الحياة حين تنتظرون مياه مؤسسة المياه كل عشرين يوماً لوقت لايزيد عن الساعتين او الثلاث من طرطرة المياه ولا يمكن لأحدكم شراء وايت الماء إلا بمبالغ مالية اغلى لصعوبة دخوله إلى شوارع صنعاء جراء ازدحام الشوارع بالسيارات والدراجات‮ ‬النارية‮ ‬في‮ ‬ظل‮ ‬صمت‮ ‬امانة‮ ‬العاصمة‮ ‬على‮ ‬الفوضى‮ ‬التي‮ ‬لم‮ ‬تعرفها‮ ‬صنعاء‮ ‬من‮ ‬قبل‮.‬
لكم الله يا اهل صنعاء وانتم تبحثون عن الغاز المنزلي وتتنقلون بدبات الغاز الفارغة بين عقال الحارات ومندوبي شركة الغاز وتحصلون على دبة واحدة لكل اسرة كل اسبوعين او ثلاثة أسابيع وبالسعر الذي يفرض عليكم.
لكم الله يا اهلي واصدقائي وكل اهل صنعاء وقد حرمتم من كهرباء الدولة وتولى امر مابقي من خطوطها تجار غلاظ يفرضون سعر الكيلو الواحد بأكثر من ثلاثمائة ريال يضاف إليه اشتراك شهري بدلا من سعره في الزمن الجميل بسبعة ريالات.
لكم الله يا أصحاب الدكاكين والبيوت الوقف التي اوقفها الآباء والأجداد عوناً للفقراء والمعسرين وهيئة الأوقاف تطاردكم بمضاعفة الايجارات إلى مئات الأضعاف وكأن منازلكم ودكاكينكم محل مضاربة واستثمار من هيئة الأوقاف خارجا عن رغبة الواقفين في وقفيتهم التي تهدف لمساعدة‮ ‬الضعفاء‮ ‬والفقراء
كل تلك المعاناة يا أهل صنعاء ويا كل أبناء اليمن وضرورة العيش توجب عليكم أن تأكلوا وتلبسوا وتتعالجوا في زمن انعدام المرتبات وزمن الاقتتال بين الاخوة ووجع العدوان ووطأة الحصار وضياع الدولة بكل مرافقها وبكل رجالاتها.... فلكم الله.. والله وحده هو المعين لكم على ما انتم فيه من أوجاع وآلأم وفقر وانتم تنظرون إلى السلام لعله يأتي لكنه مازال بعيداً بعيداً فالكل ضد السلام وضد الأمان والغلبه لأصحاب المشاريع الضيقة ولتجار الحروب.. فلا نامت اعينهم.. والله حسبنا.
تمت طباعة الخبر في: الخميس, 28-مارس-2024 الساعة: 03:40 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-61226.htm