د. طه حسين الهمداني -
مرّت، خلال الأيام الماضية، الذكرى السادسة على رحيل الأستاذ الكبير والمناضل الوحدوي والمربي الفاضل محمد سعيد باكحيل، القدوة الحسنة والرجل العصامي، وأستاذ جيل تعلمنا على يديه ونهلنا من علمه وكتبه، وفي مقدمتها "مبادئ المحاسبة"؛ وهو أحد المقررات الأساسية لطلاب كلية التجارة بمختلف تخصصاتهم.
كنت محظوظًا في حياتي لقربي منه، تعلمت منه الكثير.. دقيق في عمله، مثال للالتزام والانضباط، صارم في قراراته، نزيه في سلوكه، عالم جليل في تخصصه. ودود في تعامله، محب لأهله، متواضع وبسيط في تعامله.
كان بالنسبة لي وللكثير من جيلي، ومن تتلمذ على يديه، المثل الأعلى والقدوة الحسنة، كفاءة علمية وعملية كبيرة. واحد من أهم المراجع في علم المحاسبة والادارة. تخرج من الكلية الحربية السورية، ثم درس في كلية التجارة بجامعة دمشق وأكمل دراساته العليا في بريطانيا.
كان لي بمقام الأخ الأكبر، الداعم والمشجع لي على إكمال دراستي الجامعية وما تلاها. لا تمل من حديثه ومعارفه. رجل امتلك الخبرة والتجربة.
كرس حياته لعمله، سواء في التدريس في جامعة صنعاء عند تأسيسها، أو من خلال رئاسته لقسم المحاسبة في المعهد الوطني للعلوم الإدارية، أو العمل المهني كمحاسب قانوني؛ إذ كان من أوائل المحاسبين اليمنيين الذين أسسوا مكتباً قانونياً للمحاسبة والمراجعة، ونهض بمهمة تدريب العديد من الكوادر الذين أصبحوا فيما بعد زملاء له في المهنة.
أسهم في تأسيس جمعية المحاسبين اليمنيين، والتي أصبحت إطارًا جامعاً لأصحاب المهنة، والإسهام في وضع ضوابط العمل وشروط منح تصاريح العمل.
كما أسهم في صياغة معظم القوانين المتعلقة بالعمل المحاسبي، أهمها وضع النظام المحاسبي الموحد بعد إعادة تحقيق الوحدة المباركة.
كما قام بإجراء عديد من الدراسات والأبحاث في مجال التعاونيات، ووضع نظاماً محاسبياً للزكاة والأوقاف، وغيرها من الأبحاث لتطوير الأجهزة الرقابية والحفاظ على المال العام.
كما أنه درّس جيلاً كبيراً من رواد المحاسبة والإدارة، وأصبحوا فيما بعد من قيادات الدولة في مختلف أجهزتها ومؤسساتها.. ومازال كثير من المحافظين والقيادات الإدارية يذكرون محاضراته لهم أثناء عقد الدورات لتأهيلهم، ومنهم مديرو النواحي "مديرو المديريات" في مجال المحاسبة والادارة، وغيرهم من الدارسين بالمعهد الوطني للعلوم الإدارية، والذي تخرج منه الآلاف من كوادر وقيادات الدولة.
أتذكر أيضاً مؤتمرات الإصلاح الإداري، والتي كانت تنعقد سنوياً ويساهم فيها كل أعضاء هيئة التدريس بالمعهد وجامعة صنعاء.
الأستاذ باكحيل، محاسب قانوني على مستوى دولي، يقدس العمل، وكرس كل حياته للعمل والعلم. كما كان محباً لأهله وأولاده وكرس حياته من أجلهم وتعليمهم وأسعادهم.. فعلاً، رجل مثالي في كل الجوانب.
رحمة الله عليك يا أستاذ محمد، لم ولن ننساك أبداً، فأنت حاضر معنا رغم الغياب.. لقد أدركتُ فيما بعد لماذا كنتَ تصر على أن يكون للشخص مهنة يعيش منها، ويعتمد على نفسه، وليس على الوظيفة العامة.
الحمد لله، الأولاد شقوا طريقهم ونجحوا في أعمالهم، ويفتخرون بك أباً ومعلماً، ويعيشون على سمعتك ومكانتك الطيبة.
افتقدناك يا أبا يحيى، لكنها إرادة الله، فجميعنا راحلون.. كما يقول الشاعر العربي:
نبكي على الدنيا وما من معشرٍ
جمعتهم الدنيا ولم يتفرقوا
لروحك الرحمة والمغفرة، وربنا يجزيك عنا وعن طلابك كل الخير لما قدمته من علم نافع.. وأسأل الله الكريم أن يرحمنا ويحسن خاتمتنا ويلحقنا بكم صالحين.
| 
الرحيل الجلل.. محمد سعيد باكحيل