الميثاق نت -

السبت, 25-مارس-2023
وائل‮ ‬غالب‮ ‬حمود‮ ‬الأهنومي -
تُعد مدينة صنعاء القديمة مدينة مأهولة بالسكان منذ 2,500 سنة، وتتميز بفنها المعماري الفريد -الأبراج المميزة ذات الطوابق المتعددة والتصاميم البيضاء الناعمة- وهي مدرجة على قائمة التراث العالمي لليونسكو.
ولكن هذا التراث والتاريخ يواجه اليوم تهديدات عدة ومنها الأمطار الغزيرة، التي ضربت المدينة قبل اكثر من عام والحقت أضراراً طالت ما يقارب ألف منزل، ما كشف عن الوضع الخطر الذي تعيشه المدينة وعن حجم المشاكل في قطاع الخدمات.
تمثل هذه الأمور تحدياً كبيراً أمام عملية الحفاظ على المدينة القديمة، كما أنها دعت لطرح العديد من الأسئلة حول دور الهيئة العامة للحفاظ على المدن التاريخية في اليمن، وهي الجهة المسؤولة الأولى عن الحفاظ على المدن التاريخية وفقاً للقانون رقم 16 لسنة 2013م.

نبذة‮ ‬تاريخية‮ ‬عن‮ ‬مدينة‮ ‬صنعاء‮ ‬القديمة
يكتنف تاريخ مدينة صنعاء القديمة الكثير من الغموض والأساطير والروايات المختلفة، الأدلة على النشاط البشري في المدينة، بناءً على البحث الأثري، تعود إلى 1.6 مليون سنة، أي إلى العصر الحجري القديم، يقول البعض إن سام بن نوح هو من بنى المدينة، ولكن ليس هناك معلومات‮ ‬تاريخية‮ ‬تؤكد‮ ‬هذه‮ ‬الرواية،‮ ‬كما‮ ‬أن‮ ‬مصادر‮ ‬أخرى‮ ‬تشير‮ ‬إلى‮ ‬أن‮ ‬صنعاء‮ ‬مدينة‮ ‬سبئية‮ ‬بناها‮ ‬هلك‮ ‬أمر‮ ‬بن‮ ‬كرب،‮ ‬ملك‮ ‬سبأ‮ ‬وذو‮ ‬ريدان،‮ ‬عام‮ ‬140‮-‬150‮ ‬في‮ ‬التقويم‮ ‬السبئي‮ ‬الموافق‮ ‬1070‮-‬1080‮ ‬قبل‮ ‬الميلاد‮.‬
‮ ‬ووفقاً‮ ‬لمنظمة‮ ‬اليونسكو،‮ ‬يرجع‮ ‬تاريخ‮ ‬بناء‮ ‬المدينة‮ ‬إلى‮ ‬ما‮ ‬يزيد‮ ‬عن‮ ‬2‭,‬500‮ ‬سنة‮.‬

بُنيت‮ ‬صنعاء‮ ‬على‮ ‬وادٍ‮ ‬جبلي‮ ‬يرتفع‮ ‬2‭,‬350‮ ‬متراً‮ ‬فوق‮ ‬مستوى‮ ‬سطح‮ ‬البحر،‮ ‬في‮ ‬وسط‮ ‬سهل‮ ‬يمتد‮ ‬من‮ ‬نُقم‮ ‬شرقًا‮ ‬حتى‮ ‬عيبان‮ ‬غرباً‮ ‬ومن‮ ‬نقيل‮ ‬يسلح‮ ‬جنوباً‮ ‬حتى‮ ‬منطقة‮ ‬شبام‮ ‬الفراس‮ ‬شمالاً‮. ‬
ساعد موقعها الاستراتيجي الذي سمح بالتحكم بطرق التجارة بين مملكة سبأ في مأرب ومدينة تهامة الواقعة على ساحل البحر الأحمر في ازدهار المدينة في الألف الثاني قبل الميلاد، بحلول القرن الثاني قبل الميلاد، كانت صنعاء قد أصبحت راسخة كمقر للسلطة في المنطقة وأصبحت عاصمة‮ ‬ممالك‮ ‬اليمن‮ ‬القديمة‮.‬
بدأ‮ ‬الصراع‮ ‬بين‮ ‬الدول‮ ‬في‮ ‬المنطقة‮ ‬حين‮ ‬أصبحت‮ ‬اليمن‮ ‬في‮ ‬عهد‮ ‬الخلافة‮ ‬العباسية‮ (‬التي‮ ‬امتدت‮ ‬منذ‮ ‬حوالي‮ ‬عام‮ ‬750‮ ‬وحتى‮ ‬عام‮ ‬1250‮)‬،‮ ‬وكانت‮ ‬صنعاء‮ ‬مدينة‮ ‬يرغب‮ ‬الكثيرون‮ ‬بالسيطرة‮ ‬عليها‮.‬
بالنسبة للدولة الزيادية (819-1018) مثلت صنعاء بداية انطلاقة للسيطرة على كل أجزاء اليمن، أما دولة بني رسول (1229-1454) فقد اعتبرت المدينة معسكراً استراتيجياً مهماً لجنودها، أما الدولة اليعفرية، التي كانت قد استقلت عن حكم الخلافة العباسية، خرجت منتصرة من سلسلة‮ ‬من‮ ‬المعارك‮ ‬ضد‮ ‬قوات‮ ‬الزيديين‮ ‬عام‮ ‬819،‮ ‬وأصبحت‮ ‬صنعاء‮ ‬عاصمة‮ ‬الدولة‮ ‬اليعفرية‮ ‬وامتد‮ ‬حكمها‮ ‬عبر‮ ‬اليمن‮ ‬إلى‮ ‬حضرموت‮ ‬واستمر‮ ‬حتى‮ ‬حوالي‮ ‬عام‮ ‬1000‭.‬

المراحل‮ ‬الثلاث‮ ‬لبناء‮ ‬المدينة‮ ‬القديمة
المرحلة الأولى: فترة ما قبل الإسلام (910 قبل الميلاد - 525 ميلادي)، بُني قصر غمدان في القرن الأول قبل الميلاد، وكان السبب الرئيسي في ازدهار مدينة صنعاء القديمة وتوسعها من مجموعة قرى متناثرة، ثم بُني في فترة بين 115- 80 قبل الميلاد سور من الطين حول المدينة مكون‮ ‬من‮ ‬أربعة‮ ‬أبواب‮ ‬رئيسية‮: ‬باب‮ ‬اليمن،‮ ‬باب‮ ‬شعوب،‮ ‬باب‮ ‬السبح،‮ ‬وباب‮ ‬ستران،‮ ‬وبعد‮ ‬ذلك‮ ‬بُنيت‮ ‬كنيسة‮ ‬القليس،‮ ‬تُعد‮ ‬هذه‮ ‬الأماكن،‮ ‬إضافة‮ ‬إلى‮ ‬السوق،‮ ‬أهم‮ ‬معالم‮ ‬المدينة‮ ‬خلال‮ ‬هذه‮ ‬الفترة‮.‬
المرحلة الثانية: فترة ما بعد الإسلام (627 ميلادي - 1129 ميلادي). استمرت أعمال البناء في المدينة واستمرت صنعاء بالتوسع خلال العصرين الأموي والعباسي، وعام (627 ميلادي)، بُني الجامع الكبير، كما بنيت جبانة مصلى العيد في شمال المدينة عام 998 ميلادي وبُنيت منازل‮ ‬حولها‮ ‬لاحقًا‮.‬
ازدهرت المدينة خلال عهد هارون الرشيد حيث وصلت حدودها إلى مجرى السائلة واحتضنت 70 ألف مسكن، وعام 525 هجري (1131 ميلادي)، بنت الدولة الصليحية الجناح الشرقي للجامع الكبير ورممت سور المدينة وأضافت إليه سبعة أبواب، كما توسعت المدينة غرباً في عهد الأيوبيين في القرن‮ ‬الثاني‮ ‬عشر‮ ‬ميلادي‮ ‬حيث‮ ‬بُني‮ ‬حي‮ ‬النهرين،‮ ‬وبُني‮ ‬أيضًا‮ ‬بستان‮ ‬السلطان،‮ ‬وهو‮ ‬مقر‮ ‬الحاكم،‮ ‬في‮ ‬الجهة‮ ‬الجنوبية‮ ‬من‮ ‬النهرين‮.‬
المرحلة الثالثة: العصر العثماني (1547 ميلادي - 1629 ميلادي)، بنى العثمانيون حياً جديداً في الجانب الغربي من المدينة يُدعى بير العزب وكان يسكنه موظفو الدولة العثمانية، وأحاط العثمانيون هذا الحي بسور وأبراج على نمط سور صنعاء القديمة، كما وسّع العثمانيون قلعة القصر وشيدوا مسجد البكيرية، وفي القرن السابع عشر ميلادي، بُني حي اليهود في موضع سوق السبحة، السبح حالياً، غرباً خارج سور المدينة القديمة، ومنذ ذلك الحين، بُني غيره من الأحياء في الشرق والغرب.
يختزل‮ ‬هذا‮ ‬الإرث‮ ‬من‮ ‬المباني‮ ‬تاريخ‮ ‬مدينة‮ ‬صنعاء‮ ‬القديمة‮ ‬التي‮ ‬حافظت‮ ‬على‮ ‬نسيجها‮ ‬الحضري‮ ‬وطرازها‮ ‬المعماري‮ -‬مبانٍ‮ ‬سكنية‮ ‬ودينية‮ ‬وأسواق‮ ‬وشوارع‮ ‬وساحات‮- ‬تقدم‮ ‬مثالاً‮ ‬حياً‮ ‬للمدن‮ ‬الإسلامية‮ ‬في‮ ‬العصور‮ ‬الوسطى‮.‬
إدراج‮ ‬مدينة‮ ‬صنعاء‮ ‬القديمة‮ ‬على‮ ‬قائمة‮ ‬التراث‮ ‬العالمي
أدرجت‮ ‬منظمة‮ ‬الأمم‮ ‬المتحدة‮ ‬للتربية‮ ‬والعلوم‮ ‬والثقافة‮ (‬اليونيسكو‮) ‬مدينة‮ ‬صنعاء‮ ‬القديمة‮ ‬ضمن‮ ‬قائمة‮ ‬التراث‮ ‬العالمي‮ ‬عام‮ ‬1986،‮ ‬واصفة‮ ‬المدينة‮ ‬كما‮ ‬يلي‮:‬
"تتميز مدينة صنعاء القديمة بالأبراج المبنية من اللبن والطوب المحروق فوق الطوابق الأرضية المبنية بالحجارة، والمزينة بشكل لافت للنظر بأنماط هندسية من الطوب المحروق والجبس الأبيض، يتناسق لون المباني مع لون التراب النحاسي للجبال المجاورة، داخل المدينة، تخترق المآذن‮ ‬الأفق‮ ‬وتنتشر‮ ‬البساتين‮ ‬الخضراء‮ ‬الفسيحة‮ ‬بين‮ ‬المنازل‮ ‬والمساجد‮ ‬والحمامات‮ ‬وخانات‮ ‬القوافل‮ ‬الملاصقة‮ ‬لبعضها‮ ‬البعض‮".‬
ولإدراج أي مدينة أو موقع أثري ضمن قائمة التراث العالمي يجب أن ينطبق عليها أحد المعايير العشرة التي تعتمدها اليونسكو، انطبق على مدينة صنعاء القديمة ثلاثة من هذه المعايير (الرابع والخامس والسادس).
معايير‮ ‬اليونيسكو‮ ‬التي‮ ‬أُدرجت‮ ‬على‮ ‬أساسها‮ ‬مدينة‮ ‬صنعاء‮ ‬القديمة‮ ‬على‮ ‬قائمة‮ ‬التراث‮ ‬العالمي‮:‬
المعيار الرابع: تحتوي المدينة داخل سورها المحفوظ جزئياً مبانٍ تُعد مثالاً بارزاً على الهندسة المعمارية المتجانسة التي يعبر تصميمها وتفاصيلها عن تنظيم استخدام الفراغات خلال القرون الأولى للإسلام والتي حوفظ عليها بمرور الوقت.
المعيار‮ ‬الخامس‮: ‬تقدم‮ ‬منازل‮ ‬صنعاء،‮ ‬التي‮ ‬أصبحت‮ ‬بخطر‮ ‬نتيجة‮ ‬التغيرات‮ ‬الاجتماعية‮ ‬الحديثة،‮ ‬نموذجاً‮ ‬بارزاً‮ ‬لمستوطنة‮ ‬بشرية‮ ‬تقليدية‮ ‬تمثل‮ ‬تحفة‮ ‬استثنائية‮.‬
المعيار السادس: مدينة صنعاء القديمة مقترنة على نحو مباشر وملموس بتاريخ انتشار الإسلام خلال السنوات الهجرية الأولى، الجامع الكبير، الذي بُني عام 6 هجرية، هو أول مسجد بُني خارج مكة والمدينة، لعبت مدينة صنعاء دوراً بارزاً في تاريخ اليمن والعرب والإسلام من خلال‮ ‬مساهمات‮ ‬شخصياتها‮ ‬التاريخية‮ ‬أمثال‮ ‬الحسن‮ ‬بن‮ ‬أحمد‮ ‬الهمداني،‮ ‬وأحمد‮ ‬الرازي‮ ‬والشوكاني‮. ‬
تتميز مدينة صنعاء القديمة بمبانيها المشيّدة من مادة الطين والطوب المحروق والحجر، أما الأسقف فهي مغطاة بمادة الجص والقضاض، وهو مادة بناء عبارة عن مزيج من الجص والنورة (أحجار جيرية) وصخور نايس تستخدم في اليمن منذ القرن الخامس قبل الميلاد، يتراوح ارتفاع المنازل ما بين أربعة إلى تسعة طوابق. وتتميز مدينة صنعاء القديمة أيضاً بأسواقها المتنوعة وحاراتها ومآذنها شاهقة الارتفاع وشوارعها الضيقة وبساتينها وحدائقها، تقدر مساحة مدينة صنعاء القديمة في حدود 5,87 كيلومتر مربع، ويبلغ عدد الأحياء تقريبًا فيها 56 حيًّا سكنيًّا،‮ ‬وتحتوي‮ ‬على‮ ‬7‮ ‬آلاف‮ ‬مبنى‮ ‬سكني‮ ‬و42‮ ‬مسجداً‮ ‬و40‮ ‬سوقاً‮ ‬و15‮ ‬حماماً‮ ‬بخارياً،‮ ‬ويبلغ‮ ‬عدد‮ ‬سكانها‮ ‬وفقاً‮ ‬للتعداد‮ ‬السكاني‮ ‬لعام‮ ‬2004‮ ‬حوالي‮ ‬156‭,‬569‮ ‬نسمة‮.‬
تمت طباعة الخبر في: الثلاثاء, 23-أبريل-2024 الساعة: 07:07 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-63982.htm