الميثاق نت: - التغيُّر المناخي في اليمن أحد التحديات التي تواجة اليمنيين؛ وكأن الطبيعة والحروب تكالبت عليه لتعمق مأساته وتجعل الأزمة مستديمة، فالأعاصير والأمطار الغزيرة التي شهدتها البلاد مؤخراً أدت لأضرار بالغة في البني التحتية، ناهيك عن الخسائر البشرية.. وبحسب الإحصاءات الأولية هناك نحو 180 ألف تضرر جراء التغيرات المناخية التي اجتاحت عدداً من المحافظات أدت لتضرر أكثر من 24 ألف أسرة في مناطق يصعب الوصول إليها أو مناطق تؤوي نازحين، بالإضافة إلى أزمة الجفاف التي تؤثر على إنتاج الغذاء وتوافر المياه الصالحة للشرب وخدمات الصرف الصحي لأكثر من 18 مليون يمني، بحسب البنك الدولي..
وذكرت نشرة الإنذار المبكر للأرصاد الجوية الزراعية الصادرة عن «الفاو» أن هناك زيادة كبيرة ومستمرة في هطول الأمطار في عدة محافظات، وتتلقى المرتفعات الوسطى ومناطق ساحل البحر الأحمر وأجزاء من المرتفعات الجنوبية مستويات هطول غير مسبوقة تتجاوز 300 ملم..
وقالت النشرة إن أجزاء من الهضبة الشرقية، بما في ذلك محافظات مأرب وحضرموت والمهرة، التي تتميز عادةً بانخفاض هطول الأمطار، من المتوقع أن تتراوح كمية الأمطار التراكمية فيها بين 100 و150 ملم في الأيام المقبلة.. ونبهت «الفاو» إلى أن استمرار هطول الأمطار الغزيرة من شأنه أن يتسبب بحدوث فيضانات شديدة على مستوى اليمن، خاصة في مناطق تجمع المياه المتمثلة بالأودية في المرتفعات الوسطى والمرتفعات الجنوبية ومناطق الهضبة الشرقية التي تواجه مخاطر متفاوتة للفيضانات.. وبينت النشرة أن الأودية المصنفة في خانة «المخاطر العالية للفيضانات»، تشمل: وديان حرض ومور وسردود وسهام وزبيد في محافظة الحديدة، ونخلة ورسيان في الأجزاء الغربية والشمالية الغربية من اليمن، التي من المتوقع أن تشهد فيضانات شديدة وجارفة..
*تأثير كبير
بدورها قالت خبيرة البيئة والمناخ اليمنية الدكتورة نبيلة القادري، إن تغير المناخ له تأثيرات كبيرة على المجتمع اليمني خاصة السواحل الشرقية مثل المهرة، ولفتت إلى نزوح السكان من المناطق التي تأثرت بالفيضانات والأعاصير وموجات الحر القاسية إلى أماكن أكثر أماناً، وشددت على أن تداعيات تغير المناخ تؤثر سلباً على الاستقرار والضغط على الموارد في المناطق الطبيعية..
وبحسب خبراء فإن العديد من المناطق اليمنية تعاني من تداعيات تغير المناخ، من ارتفاع درجات الحرارة، والجفاف الطويل، وتذبذب سقوط الأمطار، وتغير مواعيد مواسم الزراعة والحصاد المرتبطة بالمواسم المطرية أو العواصف والأعاصير والسيول الجارفة وتدهور التربة الزراعية بشكل كبير ونضوب وتلوث مصادر المياه الذي أجبر السكان على الهجرة الداخلية والنزوح بحثاً عن المياه والخدمات..
وتلعب تضاريس اليمن دوراً كبيراً في مخزون المياه الجوفية لوجود مرتفعات تتميز بانحدار شديد يعمل على جريان السيول في اتجاه الشرق والغرب والجنوب، ويحقق أكبر مخزون مياه جوفية في البلاد في حضرموت وسيئون، إلا أن الاستخدام المنزلي الخاطئ والري غير المقنن يستنزفان المخزون المائي، بحسب القادري التي أوضحت أن مشاريع تحلية مياه البحر التي كانت ستمول تعز وإب من جهة البحر الأحمر توقفت بسبب الحرب..
*تيارات بحرية
ويعتقد الخبير البيئي أن التيارات البحرية القادمة من المحيط الهندي القوية المرتطمة بالقرن الصومالي وسواحل خليج عدن سوف تزيد من منسوب مياه البحر حالة المد؛ وأعلى منسوب سوف يجعل من حالة البحر تميل إلى حالة الاضطراب؛ ومع تكثف السحب القادمة من وسط المحيط الهندي بكثافة سوف تتولد حالة مناخية.. والمنخفض الجوي مع معدل منسوب ماء البحر قد يعمل على إغراق المدن القريبة من الساحل وينهمر المطر بشكل لا يصدق.. الخريطة توضح إعصاراً يبدأ من القرن الصومالي تدريجياً ثم مع سرعة الرياح الجنوبية سوف تحدث إعصاراً قوياً يتجه نحو الشمال في البحر الأحمر؛ وأكثر المدن المتضررة هي عدن وأبين والمكلا وتعز وإب والحديدة، ومن ثم السعودية؛ وسوف يتوزع الإعصار نحو أرتيريا والسوادن ومصر وإثيوبيا.. بداية الإعصار المداري هو السواحل اليمنية الغربية كون حركة السحب القادمة التراكمية المحملة بالمطر بدأت تتحرك نحو الشمال المحاذي للسواحل البحرية في مناطق حوض البحر الأحمر.. وحسب التوقعات نزول أمطار غزيرة وسرعة رياح تتجاوز سرعتها في الساعة 50 عقدة والتي سوف تزيد في نقل السحب التراكمية إلى تلك السواحل اليمنية الغربية..
*نداءت سريعة
ومع تسجيل الأمم المتحدة تضرر 260 ألف يمني من الأمطار، أطلق فرع الهيئة العامة للمحافظة على المدن التاريخية في صنعاء نداء استغاثة عاجلاً لإنقاذ المدن التاريخية، وفي مقدمتها المسجلة على قائمة التراث العالمي في صنعاء القديمة وزبيد.. وقالت الهيئة إن البلاغات المسجلة في صنعاء القديمة وحدها تشمل 100 بلاغ لمبانٍ تاريخية معرضة للسقوط، وقد سقط بالفعل أحد قصور المدينة القديمة قبل أيام في حارة بستان السلطان..
وأكد فرع الهيئة في ندائه أن الظروف المناخية التي يمر بها اليمن أثرت على المدن التاريخية، وأن الأمر يتطلب تدخل كل الجهات ذات العلاقة لتقديم المساعدات الطارئة للفرق الميدانية لتدعيم وتأمين المباني في مدن صنعاء وزبيد وثلا وجبلة وبقية المدن التاريخية المتأثرة بالأمطار..
وناشد المنظمات المحلية والدولية المعنية بحماية التراث الثقافي تقديم الدعم العاجل لمواجهة هذه التغيرات المناخية، وكذلك دعم أعمال التأمين المؤقت ومشاريع الترميم..
*خزان مائي
محافظة المحويت كغيرها من المحافظات شهدت الأسبوع المنصرم سيولاً بعد سقوط أمطار امتدت لساعات طويلة أدت إلى انفجار خزان مائي تجميعي تابع لأحد المواطنين يُدعى "مهدي الحصامي"، في مديرية ملحان، جراء الأمطار الغزيرة والسيول، أدى إلى انجراف عدد من المنازل المحيطة، بالإضافة إلى جرف عدد من الدكاكين الصغيرة وسيارتين وانجراف خزانات مائية أخرى، الأمر الذي تسبب
بتجريف الأراضي الزراعية وغرق 30 مواطناً بعضهم ما زال مفقوداً..
الصحفي علي الضبيبي قال في منشور على صفحته بأن جبل “ملحان” من أعظم جبال اليمن وأكثرها انحداراً، والطرق الصاعدة إليه من أكثر الطرقات خطورة.. وفي هذا الليل الماطر بغزارة يشهد سكان هذا الجبل الكبير (مديرية ملحان) واحدة من أكثر فواجع الأمطار: عوائل انجرفت بكاملها، وبيوت وأموال وطرقات؛ وزاد الأمر فداحة انفجار خزان ماء فوق القرى المنكوبة.. وتساءل بقلق عميق: “كيف وما الذي يمكن أن تعمله السلطات ومتطوعو الإغاثة في مثل هذه الظروف الطارئة؟!.. حتى الطُرق في هذه الأثناء مقطّعة وإن لم تكن فالسير فيها ينطوي على مجازفة!”..
*استغلال خارجي
يأتي ذلك وسط غياب دور السلطات المحلية ودفاعها المدني التي لم تقم باتخاذ أي إجراءات أو تدابير سلامة، في ظل مزايدات أممية لمنظمات العمل “الإنساني” ببيانات مأساوية تطالعنا بها عند حدوث أي كوارث في اليمن في استغلال واضح لمآسي اليمنيين وحاجاتهم.. وبحسب باحثين في هذا المجال فإن الوكالات الإنمائية الثنائية والدولية فشلت في إيلاء هذه القضايا الاهتمام الذي تستحقه، من خلال تركيزها على التدخلات الإنسانية قصيرة الأجل وعدم التصدي للقضايا البيئية الملحة والدائمة؛ ولم يعد الأمر مستغرباً تماماً بالنظر إلى معظم إجراءات هذه الدول، أو عدم اتخاذها في بلدانها.. الاستجابة لمثل هذه الكوارث بطيئة جداً، ولا يبدو أن هناك خططاً لمثل هذه الفواجع التي تحدث والحد من تأثيرها على المواطنين. |