الميثاق نت -

الإثنين, 30-سبتمبر-2024
مبارك حزام العسالي -
مخطئٌ جداً من يعتقد أن الثورة اليمنية "26 سبتمبر و 14 أكتوبر" قامت فقط ضد نظام حكم بيت حميد الدين والاستعمار البريطاني، فقد أثبتت أحداث الحرب الأهلية التي أعقبت قيامها مباشرة وتبنّيها النهج الجمهوري وما تلاها حتى اليوم، أنها ثورة قامت بالأساس لمواجهة وجود استعماري أوجد كيانات مبررة وضامنة لمصالحه أهمها هو “النظام السعودي” الذي يُعتبر خطراً مباشراً على كل دول وشعوب المنطقة؛ ذلك ليس بحكم طبيعة تركيبة الحكم السعودي الإرهابية المتخلفة وحسب، بل وبحكم ارتباطات الكيان المعقدة والوثيقة الصلة بالوجود الاستعماري والكيان الاسرائيلي، ولا أعتقد أن أحداً يجهل وجود حكم آل سعود في قلب البنية القانونية لـ “سايكس بيكوا ووعد بلفور وكل ترتيبات ما بعد الحربين العالميتين والحرب الباردة وبخاصة الاتفاقيات الثنائية المباشرة” وبالتالي يمكن القول إننا شعب في حالة نضال مستمر تماماً كما هو حال الشعب الفلسطيني من أجل الحرية والاستقلال الكامل وحق تقرير المصير..

بالنتيجة يصبح القول إن كل حركة أو هبَّة أو ثورة أو فعل حصل ويحصل منذُ ذلك التاريخ حتى اليوم هو عمل مضاف للثورة اليمنية الأساس ولا يخرج عن أهدافها بالمطلق، ولا يستقيم إن لم يتصل بالثورة اليمنية 26 سبتمبر عضوياً، وتعتبر عملية تركيز الثورة ضد بيت حميد الدين جهلاً وانتقاصاً واضحاً لفلسفتها وأهدافها ومجافاة تبعث على الشك، وتلاعباً واضحاً بحقيقة وجود عدو استراتيجي استهدف الحكم الإمامي الملكي باليمن بذات العنف والشراسة الذي استُهدف بها الحكم الجمهوري فيما بعد، لأن غاية النظام السعودي كانت وستظل تدمير مقومات العمران والكيان اليمني بغض النظر عن طبيعته (تخريب الوجود والدور)
وبالتالي يصبح التشتيت أو محاولات الخصخصة أو الرهن للتدافع المستمر بوجه الهيمنة السعودية قلة وعي وخدمة لغايات وأهداف الهيمنة نفسها بوعي أو بدون وعي..!

«أبرز مساوئ النظام الإمامي الذي جعل ثورة السادس والعشرين من سبتمبر ضرورة ملحة»

ومن أبرز مساوئ النظام الإمامي التي أوجدت فجوة كبيرة بين النظام والشعب أدت إلى قيام ثورة السادس والعشرين من سبتمبر :
- تكريس وتجذير الطبقية والمذهبية والتمييز العنصري الفئوي في شعب لم يكن على مر التاريخ إلا ذا هوية واحدة غير قابلة للتقسيم والتجزئة .
- أن الإمام اعتبر نفسِهْ ظلِ الله في الأرض ولا يجوز نقده.
- تجهيل اليمن وعزله عن محيطه لتركيع أبنائه.
هذه الممارسات أوجدت بوناٍ شاسعاٍ بين النظام الإمامي والسواد الأعظم من أبناء اليمن الذين عاشوا في الهامش في ظل جهلُ وفقرُ وتخلْفُ وانغلاقُ لم يشهده بلد في حينه..

«أهداف الثورة اليمنية 26 سبتمبر و 14 أكتوبر وما تلاها من أحداث»

أهداف ثورة 26 سبتمبر:
1- التحرر من الاستبداد والاستعمار ومخلفاتهما وإقامة حكم جمهوري عادل وإزالة الفوارق والامتيازات بين الطبقات.
2- بناء جيش وطني قوي لحماية البلاد وحراسة الثورة ومكاسبها.
3- رفع مستوى الشّعب اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً وثقافياً.
4- إنشاء مجتمع ديمقراطي تعاوني عادل مستمد أنظمته من روح الإسلام الحنيف.
5- العمل على تحقيق الوحدة الوطنية في نطاق الوحدة العربية الشاملة.
6- احترام مواثيق الأمم المتحدة والمنظمات الدولية والتمسّك بمبدأ الحياد الإيجابي وعدم الانحياز.
والعمل على إقرار السّلام العالمي وتدعيم مبدأ التعايش السلمي بين الأمم..

«واحدية الثورة 26 سبتمبر 1962م و 14 أكتوبر 1963م»

لم يأتِ نهاية العام إلاّ وقد اعترف بثورة 26 سبتمبر والجمهورية أكثر من ثلاثين دولة.. كما كان للدعم العسكري القومي من مصر العروبة والذي استمرّ زهاء أربع سنوات دوره في تثبيت النظام الجمهوري، وحين أعلنت ثورة 26 سبتمبر أهدافها الستّة والتي نصّ الهدف الأول منها "كما هو مذكور أعلاه" على التحرر من الاستبداد والاستعمار ومخلّفاتها فإن ذلك يعني بالضرورة مواجهة الاستعمار البريطاني في عدن وبقيّة المحافظات الجنوبية والشرقية. ولهذا كانت شرارة ثورة 14 أكتوبر عام 1963م ومن منطقة ردفان انطلاقة طبيعية..
وانتصرت الثورة اليمنية بإعلان استقلال المناطق الجنوبية والشرقية في 30 نوفمبر 1967م، ورغم هذا الانتصار فإن الوحدة اليمنية لم تحقق فوراً كما كان مؤملاً حيث كان للظروف الداخلية والخارجية السائدة دور كبير في ذلك، فقد قامت حركة 5 نوفمبر 1967م في صنعاء قبل إعلان الاستقلال بـ 25 يوماً، وثمّ حصار السبعين يوماً للعاصمة صنعاء من قبل الملكيين، وتعرّض العالم العربي لنكسة يونيو 1967م لذلك أعلنت الجبهة القومية التي استلمت الحكم من بريطانيا قيام حكومة عدن واستقلالها، وهو ما جعل موقف حكومة صنعاء حرجاً وراضخاً للأمر الواقع.

«الطريق إلى الوحدة»

سير الأحداث بعد 30 نوفمبر 1967:
ظلّت الوحدة اليمنية في وجدان كل اليمنيين قبساً يهتدي به الصغير والكبير وتنطلق منه كافّة الشعارات في صنعاء وعدن رغم التشطير السياسي للوطن والواحد واختلاف رؤية كلا النظامين حول سعيهما لتحقيق الوحدة، وفي أوقات مختلفة بدا تحقيق الوحدة أمراً صعباً، بل دفع الشطرين إلى خوض حربين في عام 1972 وعام 1979م انتهتا في كل مرّة بإعلان اتفاقيّة وحدوية، ففي 21 رمضان 1392هـ/28 أكتوبر 1972م وقّع رئيسا وزراء الشطرين اتفاقية القاهرة، وفي 28 فبراير 1973م وقع الرئيسان بيان طرابلس، والذي تضمّن:
1- تقوم وحدة بين دولتي الجمهورية العربية اليمنية وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، تذوب فيها الشخصيات الدولية لكل منهما.
2- يكون للدولة الجديدة علم وشعار واحد.
3- عاصمة واحدة.
4- رئاسة واحدة.
5- وسلطات تشريعية وتنفيذية وقضائية واحدة.
6- ( أ ) نظام الحكم في الدولة الجديدة نظام جمهوري وطني ديمقراطي، ويضمن دستور الوحدة جميع الحريات الشخصية والسياسية والعامة للجماهير كافة ولمختلف مؤسساتها ومنظماتها الوطنية والمهنية والنقابية، وتتخذ جميع الوسائل الضرورية لكفالة ممارسة الحريات.
( ب) تضمن دولة الوحدة جميع المكاسب التي حققتها ثورة سبتمبر وأكتوبر..
وقد التقى رئيسا الشطرين في مدينة قعطبة بتاريخ 15 فبراير 1977م وتم الاتفاق على تشكيل مجلس من الرئيسين ومسئولي الدّفاع والاقتصاد والتجارة والتخطيط والخارجية يجتمع مرّة كل ستة أشهر بالتناوب في صنعاء وعدن لبحث ومتابعة كافّة القضايا الحدودية التي تهم الشعب اليمني الواحد وتنسيق الجهود في كافة المجالات بما في ذلك السياسة الخارجية.. لكن الأحداث تسارعت وحالت دون تحقيق ذلك إثر موجة اغتيالات تعرّضت لها قيادتا الشطرين..
وما تلى ذلك من أحداث وصراعات وحوارات واتفاقات لا يتسع المجال لذكرها أفضت في الأخير إلى إعادة تحقيق الوحدة اليمنية في الـ 22 من مايو 1990م رغم الحرب التي تلتها لمحاولات إعادة النظام الشطري فيما بعد، إلا أن اليمنيين تمكنوا من تجاوز ذلك واستمرت الوحدة حتى اليوم..

«أسباب تمسك الشعب اليمني بالاحتفال بذكرى ثورة 26 سبتمبر منذُ قيامها في 1962م حتى اليوم»

هذه المعاناة الطويلة والتضحيات الجسيمة تعطي لذكرى ثورة 26 سبتمبر دلالة أكبر وتمنح الشباب اليمني شغفاً أعظم في التمسك بالاحتفال بهذه الثورة التحررية المجيدة التي قام بها آباؤهم وأجدادهم، وسط مخاوف من أن يُعاد البلد إلى عهد ما قبل تلك الثورة، ليبقى الإحتفال بذكراها تجديد للعهد بأن نظل أوفياء للنظام الجمهوري وللثورة والوحدة التي ناضل اليمنيون من أجل تحقيقها في الشمال والجنوب، ونحن نحتفل اليوم بالذكرى 62 لهذه الثورة المجيدة لتبقى قِيَمها حية في قلوبنا وقلوب الأبناء والأحفاد، على الرغم من تعثراتها خلال العقود الستة الماضية إلا أنها أثرت وراكمت في وعي الناس مفاهيم ومعارف عصرية في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والحقوقية والثقافية وحصنت الوعي العام، وهذا التمسك الشعبي بالاحتفال بها دليل وبرهان واضح على أنها ذكرى خالدة في قلوب وأرواح اليمنيين، مهما كانت الإنكسارات وما وصلت إليه اليمن من صراعات ودمار وعدوان خارجي قادته تلك الدول التي حاربت هذه الثورة حتى اليوم، بهدف إعادة اليمن إلى عهد الظلم والتخلف والاستبداد والإستعمار، ولكن هذه الذكرى تذكّر كل اليمنيين بأهداف هذه الثورة والتضحيات التي قُدمت فيها، ليقفوا أمام كل من يريد إعادة اليمن إلى حقبة ما قبل 26 سبتمبر 1962م.
تمت طباعة الخبر في: الأحد, 08-ديسمبر-2024 الساعة: 09:29 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-66631.htm