الميثاق نت -

الإثنين, 30-سبتمبر-2024
أحمد عبدالرحمن -
"هل تدري ما هو المُؤلم والمُرعب في هذا الأمر كله؟
أن أخبار الموت صارت جزءاً من روتين الحياة بالغة العادية!"..
هذا ما كتبه الأستاذ حسن عبدالوارث في مايو من العام 2020م، أي قبل أربعة أعوام من اليوم ضمن مقالة له عنوانها: "متى سأكون الخبر؟!"..

كان منسوب الموت يومها، قد ارتفع إلى أعلى درجاته في حصد أرواح اليمنيين، وكان الجميع ينتظر دوره سواء بآلة الحرب أو بالأوبئة التي تُوّجت بوباء "كورونا" العالمي، لدرجة بدا معها عزرائيل كما لو أنه مقيم في الجوار أو لكأنه يأتي من كل مكان، بينما يواجهه اليمني وحيداً وأعزلَ كما هو حاله اليوم..


أربع سنوات مضت على مقالته تلك، حتى لفظ أنفاسه الأخيرة بعد أيام من إصابة قلبه ونقله إلى إحدى المستشفيات في العاصمة صنعاء، ليستسلم قلبه الكبير والصلب، من دون أن نتمكن من زيارته أو وداعه..

ومن سوء الطالع أن تزامن رحيل كاتبنا القدير وقلمنا الساخر والمتهكم مع العيد الثاني والستين لثورة السادس والعشرين من سبتمبر الخالدة.. الثورة الأم التي وُلد بعد عام واحد فقط من قيامها وانتصارها، وتزامن مولده في عدن مع قيام ثورة 14 أكتوبر الخالدة ضد الاستعمار البريطاني..


لقد كان ميلاده في لحظة مفصلية من تاريخ اليمن الحديث، وهكذا كان رحيله الأليم اليوم، في لحظة لا تقل مفصلية عن لحظة مولده قبل ستة عقود وعام، وفي ذكرى الثورة التي شكَّلت وجدانه وكبر معها وتغنَّى بها وكتب ودافع عنها وأضافت لحياته وأدبه الكثير، وشكَّلت جزءاً مهماً من كيانه الفكري والأدبي، وأضفت على رحيله الأليم والباكر دلالة عميقة..


عُرِف الأستاذ حسن عبدالوارث بسخريته اللاذعة وتهكمه العميق، وكان مثالاً حياً للمثقف العضوي، المتفاعل دوماً مع قضايا الناس وآلامهم وآمالهم، وهو القلم المبضع، أو "القلم النطاسي الذي يحيي ويميت" بتعبير الأستاذ عبدالباري طاهر صديقه ورفيق دربه.. وبرحيله نفقد ويفقد اليمن صحافياً وشاعراً وأديباً متميزاً، لطالما شكَّل جزءاً من الضمير الأدبي والصحافي الوطني على مدى أزيد من أربعة عقود من مسيرته الصحافية والمهنية والأدبية الحافلة، أثرى الحياة الأدبية، ونسج على امتداد رحلته الكثير من الأعمال التي غاص من خلالها في عمق الحياة الاجتماعية وتفاعل معها كدارسٍ للفلسفة وعلم الاجتماع قبل الصحافة..

عرفتُ الأستاذ حسن عبدالوارث عن قُرْب، ووجدتُه أستاذاً وصديقاً دائم الابتسامة والسخرية كما هو قلمه، وحظيتُ في العام 2009م تقريباً بشرف تقديم فعالية توقيع إصداره الأخير "السلام تحية" على منصة مؤسسة العفيف الثقافية حين كنتُ أشغل إدارة البرامج والأنشطة الثقافية في المؤسسة الثقافية الرائدة، ويومها التقيتُ بمعيته مع الأستاذ الجليل أحمد جابر عفيف، رحمهما الله..

في سنواته الأخيرة قاسى الأستاذ عبدالوارث ظروفاً صعبة ومريرة للأسف، من دون أن يُلتفت له، وتُرِك وحيداً يواجه ظروفه المعيشية الجديدة كما هو حال كل الشرفاء في هذا الوطن الذي تتنكر سلطاته المتعاقبة لكل مبدعيه وكُتَّابه وأدبائه وفنانيه ورواده على كل المستويات.. وبفقدانه اليوم يخسر اليمن واحداً من مبدعيه المخلصين والأوفياء، ولا شك أن إرثه سيظل حياً في ذاكرة الوطن، وستبقى كلماته تنبض بالحياة دوماً وتذكّرنا وتذكّر الأجيال بصحافي وأديب وقلم يمني صادق وأصيل.
تمت طباعة الخبر في: الإثنين, 30-سبتمبر-2024 الساعة: 07:20 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-66636.htm