الميثاق نت -

الأحد, 03-نوفمبر-2024
خالد قيرمان -
تعمَّدتُ الدخول مبكراً كي أحجز لنفسي كرسياً خلفياً في مقدمة الصالة المستطيلة لعلمي المسبق بالخلل المستفحل لأجهزة الصوت فيها.. وفجأة توافد المدعوون كُـلٌّ يبحث له عن مكان استعداداً لبدء فعالية تكريم الفائزين بمسابقة أجمل صورة للعلم الوطني التي نظمتها وزارة الإعلام..
وبالمصادفة جلس مقدّم فقرات التكريم على المقعد الذي أمامي وتسابق كُـلٌّ من مراسلي القنوات التلفزيونية والإذاعية لوضع الميكروفونات أمامه، فقلتُ في نفسي "يا سلام عِز الطلب يا خالد صورتك ستظل تنوّر الشاشات حتى نهاية التكريم"، وكما يقول المثل "نية المؤمن ولا عمله".. ثم وأنا أشاهد 19 شاباً وشابة زي الفل من مختلف المحافظات وكُـلاً يمسك بيده الصورة الفوتوغرافية التي رُشّحت للفوز؛ تذكَّرتُ موقفاً أضحكني جداً، حتى أن الذي كان يجلس بجانبي استغرب وقال لي مااالك؟ قلت ولا شيء؛ فعند قيام دولة الوحدة عام 1990م استضافت رئاسة الجمهورية ووزارة الإعلام العشرات من أرباب الصحف والمجلات والفرق الإعلامية العربية والعالمية للمشاركة في نقل الفرح العرس الشعبي والرسمي المنقطع النظير للعالم..
وشاءت الأقدار أن أرافق رئيس تحرير صحيفة "الشعب" المصرية آنذاك، أعتقد كان اسمه مجدي حسين، وأراد أن يذهب إلى رئيس مجلس الرئاسة الذي يبعد عَـنَّا في قاعة الإحتفالات بعض الشيء ليسلّم عليه ويحصل على الصورة "اللي هيه" -حد وصفه- حيث أخرج الكاميرا كانون وركَّب لها عدسة زووم وربطها على الكرسي الذي يجلس فيه الرئيس وثبَّتها وتحرَّى تثبيتها على الإستاند ووجَّه أوامره الصارمة إليَّ بأن لا أحرّكها بتاتاً، وما عليَّ سوى الضغط على الزر عند لحظة مصافحته الرئيس؛ قلتُ دعها في يدي فلديَّ خِبرة ومالك إلا صورة من هانا هه -ولمستُ نخرتي- قال ما أظن المهم حِسك عينك تحرّكها اضغط على الزر بس فاااهم، قلت حااااضر.. وما أن استأذنت له من أحد الحراس الأمنيين وكان بزي مدني حتى هبَّ صوب الرئيس، لكن الرئيس قام من مقعده قبل أن يصل مرحّباً برئيس تحرير صحيفة "عكاظ"، ثم تحرَّك أكثر وصافح صاحبنا وسجلت اللحظة بالضغط على الزر دون أن أنظر إلى العدسة خوفاً من أن يشكوني لعبده بورجي السكرتير الإعلامي للرئيس.. وفي نهاية الاحتفال ذهبنا فوراً صوب معامل سكران لتحميضها وطبعها، وقد كان متحمساً لأن تتصدر الصفحة الأولى للصحيفة في العدد القادم، فأوصلتُه لفندق سبأ مقر إقامته، وبعد نصف ساعة عدتُ إلى المعمل لأخذ الصورة فوجدتُ الكرسي فاضياً ولم أجد الرئيس فأُصِبتُ بصعقة وسال العرق من عرعرتي حتى قدمي وقلتُ في نفسي يا الله خراجك أيش أعمل مع الرجال؟ كيف أقنعه بأنه كان السبب في التقاط صورة المقعد بدون الرئيس الأصل؟!.. المهم عدتُ إلى سيارة الضيافة مدندلاً أُذنيَّ؛ قال السائق الله يذكره بالخير مالَك مالَك، وأريتُه الصورة وما أن شافها حتي انفجر ضاحكاً ولم يتوقف، قلتُ أسألك بالله لا عاد تحمّضهاش قدي حامضة؛ قال يارجااال ولا يهمك المهم حق القات عيدان بلدي عليك وأنا أحلها، قلت ابشر القات والغدا، قال أما الغدا فما عدبش أكرم من ضيافة الرئاسة، أقطب غلّق الباب نلحق القوزي الحنيذ، قلت ما عدفعل ذلحين، قال سوف أحصل لك على صورة جاهزة من دائرة التوجيه المعنوي هوذا جنب إذنك معاهم معمل تحميض حديث عادهم اشتروه بملايين زمانهم ذلحين قد حمَّضوا صور الضيوف.. وفعلاً ذهبنا ورشينا حق أبو هادي وحصلنا على صورتين في غاية الوضوح والجمال..
وعند عودتي إلى الفندق كان صاحبنا منتظراً يغلي في الباب يشتي يلحق الغدا ويطمئن على الصورة، فقلتُ في نفسي اسكه أبسر رد فعله فأريته صورة الكرسي بلا رئيس، فأطلق صرخة مجلجلة قائلاً إيه ده إيه ده إنت حمااار فين الريس، فكان ردي أنا الحمار ولااا أنت، قال إيه إيه، قلت إيه عفواً يا أستاذ أنت قلت أوعى تحرّك الكاميرا من مكانها ولا لا؟.. على كلٍّ ولا يهمك اتفضل بدل الصورة ثنتين شوف النقاوة كأنك حتنط منها، عندها أخذ نفس وقال اللهم اخزيك يا شيطان ليه بس تعمل بيا كده، قلت خلاص صافية لبن يله نلحق الغدا وركبنا السيارة وثلاثتنا ننظر إلى صورة الكرسي بلا رئيس ونموت من الضحك؛ وقال الضيف ملاطفاً لن أفرّط بهذه الصورة يا أستاذ خالد.. وعدتُ من سرحاني وأنا أضحك وقد باتت الصالة شبه خالية.. وفي المساء تابعتُ نشرات الأخبار عَلّي أستمتع بصورتي فلم أجد لها أثراً.
تمت طباعة الخبر في: الثلاثاء, 05-نوفمبر-2024 الساعة: 12:15 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-66762.htm