د. عبدالوهاب الروحاني - التغيير سُنة الحياة.. ومن ذا الذي لا يرغب في التغيير ؟!!.. كلنا نسعى إليه، أفراداً وأُسراً وجماعات ومجتمعات، جميعنا نبحث عن الأفضل، كل في إطاره وبحجم طموحه.. وذلك حق مشروع..
عندما خرجتم الساحات وطالبتم بإسقاط النظام قلتم إنها ثورة تغيير سِلمية، وإنها تستهدف تحقيق العدالة والمساواة؛ وبغباء صدقناكم.. لكن السؤال المهم هو، هل الأهداف التي أشعلتم بها الساحات في فبراير 2011م هي نفسها التي أفضت إلى مشروع التغيير الذي يعيشه شعبنا منذ أربعة عشر عاماً؟!..
إذا كان كذلك، فما الذي غيَّرتموه.. وكيف غيَّرتم؟!
• قلتم إن "ثورتكم" سِلمية تستهدف بناء دولة مدنية، وإذا بها تَنقضُّ على الدولة وتخرّب مؤسساتها، وتلغي الأنظمة والقوانين، وتتجاوز الدستور..
• قلتم إنكم خرجتم لبناء جيش وطني بدلاً عن الجيش العائلي، وظهرتم من اليوم الأول بميليشيات مسلحة، وعصابات وقُطاع طرق، ثم مزقتم الجيش والأمن بمسمى "الهيكلة"..
• قلتم إنكم طلاب عدالة ومساواة، فأشهرتم من اليوم التالي سيوف القبلية، والمناطقية، والعنصرية، والتمييز بين الأُسر والجماعات والأفراد.. وبهذا السيف الصدِئ أنتم اليوم تحكمون الوطن مجزَّءاً منذ 14 عاماً..
• قلتم إنكم ستبنون شراكة وطنية، فتقاسمتم السلطة والثروة مع عيالكم وأهليكم وذويكم، وتَلفَّعتم بكل الوساخات، وطبَّقتم سياسة "الأقربون أولى"، وضربتم بالدستور والقوانين، وقِيَم الدين والأخلاق عرض الحائط..
• كذبتم وقلتم إنكم "ستقضون على الفساد والتوريث".. وأظهرتم الوجه الأقبح، وبدوتم الأكثر فساداً، والأمهر في التوريث والسيطرة والاستحواذ من أول يوم لكم في السلطة..
الفساد الخجول
كانت لدينا دولة، نعم بها فساد، لكنه الفساد الخجول.. كان المسئول الفاسد يُفسِد وهو خائف من مَلام ونشر وتشهير، وتقريع، وربما من عَزل إنْ لم نقل قضاء ومحاكمات..
الفَسَدة في ظل الدولة التي أسقطتها الفوضى في 2011م بنى بعضهم ثروته على مراحل وربما عقود، ولكن على شيء من الخوف والحذر، بينما "ثوار فبراير 11" أصبحوا مليونيرات خلال بضع سنوات إنْ لم نقل بضعة أشهر، رغم الحرب والجوع والتشريد الذي أذاقوا الشعب مرارته..
راجعوا كشوفات حكام اليوم.. نزلاء "خيام فبراير".. ببساطة ستكتشفون كيف قفز هؤلاء من خيام الساحات إلى قصور فارهة، ومشاريع تجارية عملاقة شيَّدوها بأموال الجائعين ومرتبات الموظفين، ليس فقط حيث يتواجدون ولا يتواجدون في أماكن سيطرتهم، وإنما في الخارج أيضاً.. حيث يديرون استثماراتهم من إثيوبيا، ودول الخليج، ومصر إلى تركيا، والعراق، ولبنان، وأوروبا والأمريكيتين..
الغريب، المضحك والمبكي في آن، أنه بعد 14 سنة من ثورتهم، التي أنتجت قتل اليمنيين وخراب الدولة، والتفريط بالسيادة، ما يزالون يقولون وبلا حياء إن ثورتهم مستمرة.. وهو كلام أرى فيه ضرباً من وقاحة وصفاقة لا مثيل لها.. أتعرفون لماذا ؟!
• لأن رموز هذه الثورة ومختطفيها من سدنة المعبد السابق يمتهنون الفساد حتى آذانهم، ويمارسون الفوضى حد الخراب الذي ليس بعده ترميم ولا إصلاح..!!
• ولأنهم يبيعون ويشترون بقِيَم الدولة والمجتمع، ولأنهم يعبثون بأموال الشعب دون حسيب ولا رقيب..
أيُّ ثورة هذه؟!
الثورة عادةً هي التي تأتي بمشروع وطني يقيم دولة، ويبني مؤسسة، ويحفظ كرامة الوطن والمواطن، ويحقق العدالة والمساواة، ويقود البلاد إلى التطور والنماء، وليس إلى الدمار والفناء..
في ضوء هذا المفهوم المبسَّط للثورة نعود ونتساءل:
• أيُّ ثورة هذه التي يرقص ثوارها على أشلاء أطفال مكسورين بلا غذاء ولا دواء ولا مدارس ولا تعليم، ولا مستشفى ولا طريق؟!
• أيُّ ثورة هذه التي يعيش قادتها على أقوات الناس، ويأكلون مرتبات الموظفين، ويصادرون حقوقهم وممتلكاتهم.. ؟!
• أيُّ ثورة هذه التي لا تحفظ للناس كراماتهم ولا تصون للمواطن عرضه وحقه؟!
خلاصة القول:
ثورة يستحوذ حكامها على لقمة عيش المواطن ويتاجرون بقوت يومه، ويحرمونه من أبسط حقوقه الإنسانية ليست ثورة.. ثورة لا يحترم رموزها أنفسهم، ويتسكعون بابتذال بين العواصم غير مُرحَّب بهم فيها ليست ثورة..
من هنا نقول لهؤلاء، كفى عبثاً بعواطف الناس، اخجلوا أن تسموا فبراير ثورة وهي ليست أكثر من كذبة كبرى كان ثمنها سقوط الدولة، وتقسيم الوطن، والتفريط بالسيادة والعبث بالمواطن..
اخجلوا أن تطلقوا على أنفسكم ثواراً، فذلك والله لَـعَـيْب كبير، والتافه منكم يتقاضى في الشهر مابين عشرين إلى ثلاثين ألف دولار في كشوفات رسمية، بينما 90% من أبناء الشعب الذين تُمسِكون بخناقهم يعيشون تحت خط الفقر، اخجلوا أن تتحدثوا عن الكرامة وانتم تبيعون وتشترون بالكرامة..
يا أصدقاء فبراير النكبة.. قد ابتُـلِـيتُم فاستتروا.. جزاكم الله خيراً.
|