الميثاق نت -

الثلاثاء, 22-أبريل-2025
محمد المخلافي -
الترجمة هي عمل إبداعي يتطلب مهارات لغوية

وثقافية متقدمة في كلا اللغتين المصدر والهدف. فبالنسبة للنصوص الأدبية ذات الاستخدام البلاغي والجمالي للغة، على المترجم أن يوازن بين الإيقاع الموسيقي والرنين الشعري للنص الأصلي، ليعيد إنتاجه بعبق وجمال. أما بالنسبة للنصوص السردية والروائية، فهناك ضوابط خاصة يجب مراعاتها لنقل نبض القصة وتفاصيلها بحرفية.
بشكل عام، تتمثل جودة الترجمة في قدرة المترجم على الحفاظ على مقاصد المؤلف الأصلي مع إعادة صياغتها بكفاءة وفقًا لخصوصيات اللغة المترجم إليها والجمهور المستهدف ثقافيًا وسياسيًا ودينيًا. ويُعتبر المترجم شريكًا للمؤلف الأصلي، حيث لكليهما حقوق ذات صلة بالملكية الفكرية للعمل.

ومن أبرز من برعوا في هذا الفن النبيل في الوطن العربي البروفيسور والأديب اليمني عبد الرحمن عبد الله الدربجي، وهو مترجم محترف ذو باع طويل في هذا المجال، قام بترجمة العديد من الأعمال الحكومية وغير الحكومية البارزة، بما في ذلك ترجمة دستور الجمهورية اليمنية والقوانين النافذة في البلاد، وترجمة القران الكريم، إضافة إلى نصوص أدبية من فنون

إبداعية مختلفة.
يعد البروفيسور الدربجي واحداً من أبرز المترجمين المحترفين على مستوى الوطن العربي. فقد قضى أكثر من 45 عامًا وما زال مستمرًا في مسيرة حافلة بالتدريس الجامعي، والبحث العلمي المتخصص في الأدب الإنجليزي ودراسات الترجمة.
هذه المسيرة الأكاديمية المزدهرة أتاحت له فرصة تقديم خدماته البارزة لعدة معاهد للتعليم العالي في مختلف أنحاء العالم. من هذه المؤسسات المرموقة: جامعة صنعاء في اليمن، جامعة الملك سعود في المملكة العربية السعودية، معهد جامعة مانشستر للعلوم والتكنولوجيا في المملكة المتحدة، مركز الترجمة الأدبية في جامعة آنجليا الشرقية في المملكة المتحدة، مركز الدراسات الأمريكية، والندوة الصلزبورغية في النمسا. كما شغل منصب محاضر في كلية المجتمع لونستار بولاية تكساس بالولايات المتحدة الأمريكية ومركز الدراسات الشرقية بجامعة لا سابيينزا في إيطاليا، والمعهد العربي العالي للترجمة في الجزائر، ومركز الدراسات الشرقية بجامعة لايبزيغ في المانيا، ومركز تدريب معلمي اللغات الأجنبية والتعليم الأوروبي بجامعة وارسو في بولندا وجامعة كوالا لمبور في

ماليزيا.

هذا التنوع والثراء في المسيرة الأكاديمية والمؤسسات التي خدمها البروفيسور الدربجي، يؤكد على مكانته المرموقة كأحد أبرز المترجمين المتمرسين في الوطن العربي.
دعونا نلقي نظرة خاطفة على سيرته الذاتية، ولد الدربجي في الرابع من نوفمبر عام 1955 البيضاء الواقعة شرق اليمن. وبرز منذ صغره كطالب متميز ومتفوق في دراسته، متابعًا هذا النهج المشرق حتى تخرج بتفوق من المرحلة الثانوية.
في مطلع السبعينيات شهد الدربجي انطلاقته الأكاديمية الأولى، إذ حصل على منحة دراسية إلى السودان لدراسة البكالوريوس في اللغة الإنجليزية وآدابها. وكما دأب، كان طالبًا متفوقًا ومتميزًا في جامعته، إذ توج جهوده بالحصول على المرتبة الأولى بين زملائه.
لم يكتف الدربجي بهذا التفوق، بل واصل رحلته في سعيه إلى المزيد من المعرفة والتميز، فانطلق إلى الولايات المتحدة الأمريكية ليحصل على درجة الماجستير في تعليم اللغة الإنجليزية كلغة أجنبية من

جامعة بورتلاند عام 1980. وقد أثمرت هذه التجربة الأكاديمية القيمة بتطور معرفي ومهاري كبير في مجال تدريس اللغة الإنجليزية.
عقب إكماله للدراسات العليا في الولايات المتحدة، عاد الدربجي إلى أرض الوطن ليبدأ مسيرته المهنية كأستاذ للغة الإنجليزية في كلية الآداب بجامعة صنعاء، مقدمًا خبرته ومعرفته للطلاب وإثراء البيئة الأكاديمية بمهاراته اللغوية والتدريسية.
طموح الدربجي الذي لا يعرف الكلل أو الهدوء، دفعه للعودة مرة أخرى إلى الولايات المتحدة لمواصلة رحلته التعليمية، والتي توجت بحصوله على درجة الدكتوراه في تعليم اللغة الإنجليزية كلغة أجنبية من جامعة كانساس عام 1983.
وفي عام 1985، انتقل إلى جامعة منيسوتا الأمريكية المرموقة ليعمل كأستاذ زائر، حيث قضى فترة قصيرة هناك لتبادل الخبرات والمعرفة مع نظرائه الأكاديميين. وبعد ذلك، عاد مجددًا إلى وطنه اليمن.
عند عودته، شغل منصب رئيس قسم اللغة الإنجليزية في جامعة صنعاء لمدة عام، من 1986 إلى 1987، لعب خلالها دورًا بارزًا في تطوير وتنمية القسم وتوجيه الطلاب والعاملين فيه نحو التفوق الأكاديمي.

وبفضل اهتمامه الكبير بالترجمة وعلوم اللغة الإنجليزية، شارك البروفيسور الدربجي في العديد من المؤتمرات والندوات العالمية، ألقى خلالها أكثر من خمسين بحثًا وورقة عمل، معززًا بذلك سمعته كأحد أبرز المترجمين المحترفين في الوطن العربي.
وبجانب أعماله المتميزة في الترجمة، كان الدربجي مستشارًا للمجلس البريطاني في اليمن لسنوات عدة، مما شهد على احترافيته وسعة اطلاعه في هذا المجال.
لقد أضفى هذا الأديب اليمني لونًا استثنائيًا في عالم الترجمة، مضيفًا إلينا ثروة لغوية جديدة لا نظير لها. وهذا جهد يستحق الإشادة، لأنه صاغ لنا من اللغة الإنجليزية مملكة خاصة به؟ ناهيك عن كون مسيرته مثلت عطاءً لا ينضب، ونبعاً لا يجف من الإبداع والتجديد.
لقد وهبنا هذا الرائد لمسة خاصة، بأسلوب فريد ينمُّ عن موهبة فذة وثقافة واسعة. فهو لم يُقَلِّد، بل خلق من لغته الخاصة عالمًا آخر، يسبح فيه القارئ بكامل حواسه، مستسلمًا لسحر عباراته وروعة تراكيبه. ممثلاً في ذلك مدرسة متكاملة في علم الترجمة، ستشرب منها الأجيال القادمة والباحثون عن التميز في هذا الفن النبيل.

ولا ينبغي أن ننسى أنه ظل دائما يتمثل كونه ابن هذ اليمن البلد العريق، الذي غرس فيه جذور الإبداع والتفرد.
تمت طباعة الخبر في: الثلاثاء, 22-أبريل-2025 الساعة: 05:47 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-67332.htm