الثلاثاء, 06-مايو-2008
د. طارق المنصوب* -
أشار النبي صلى الله عليه وسلم، إلى أن شعور الفرد بالأمن داخل الجماعة يعد من الأسباب المهمة للشعور بالسعادة الغامرة في الدنيا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أصبح منكم آمناً في سربه، معافى في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا».
ونظراً للمكانة المتميزة التي يحتلها الأمن في الشريعة الإسلامية، فقد عد الأمن - بكافة أبعاده ومستوياته - مقصداً من مقاصد الشريعة؛ حيث حصر علماء الشريعة المقاصد أو الضرورات في خمس، هي: حفظ الدين، والنفس، والنسل (العرض)، والمال، وأخيراً، حفظ العقل. وقالوا بأنها مراعاة في كل ملة، وأن أحكام الإسلام كلها دائرة حول هذه الخمس الضروريات التي لا يمكن حمايتها وصيانتها إلا بمحاربة أعمال العنف التي تنال منها أو تعطلها، فجرائم العنف والاعتداء والتخريب والفوضى والقتل التي تستهدف الناس في عقائدهم أو أرواحهم أو أعراضهم أو عقولهم أو أموالهم كلها من الفساد في الأرض الذي يحرمه الإسلام، وشرع الحدود لمعاقبة المعتدي عليها.
وللعنف - كما يشير بعض الباحثين - عدة معاني، منها ما يربط العنف بالحرية بدرجة أساسية؛ حيث العنف هو كل مبادرة تتدخل بصورة خطرة في حرية الآخرين، وتحاول أن تحرمهم حرية التفكير والاعتقاد والتدين والرأي والتقدير؛ ومنها ما يربط العنف بكل أذى مادي أو معنوي يلحق بالأشخاص أو بالهيئات والممتلكات. ويمكن تصنيف التعريفات التي تناولت تعريف مفهوم العنف في اتجاهين أساسيين: الاتجاه الأول: ينظر للعنف بوصفه الاستخدام الفعلي للقوة أو التهديد باستخدامها لإلحاق الأذى والضرر بالأشخاص والإتلاف بالممتلكات. الاتجاه الثاني: ينظر للعنف بوصفه تعبيراً عن أوضاع بنيوية، أي مجموعة من المقومات والسمات الكامنة في البنية الاقتصادية والاجتماعية للمجتمع مثل: ازدياد حدة الفقر، والظلم الاجتماعي وغياب التضامن، وتفشي البطالة في أوساط الشباب، وشيوع مظاهر الفساد، وهي أمور تؤدي إلى تفشي مظاهر العنف داخل المجتمعات وبين الجماعات، ولذلك يطلقون عليه اسم العنف البنيوي.
وقد يمارس العنف بصوره وأشكاله المختلفة بأهداف مختلفة ومبرراتٍ شتى، فقد يمارس بهدف الجريمة وترويع المدنيين الآمنين لخلق حالة من انعدام الأمن وغياب الاستقرار النفسي الفردي والجماعي، وقد يمارس بهدف تحقيق مكاسب سياسية سواء في إطار العلاقات الدولية بين القوى الدولية المتصارعة، أم في إطار العلاقات التصارعية أو التنافسية بين القوى السياسية المتعددة في المجتمع الواحد، وفي بعض الأحيان قد يبرز العنف وسيلة لإدارة الصراعات السياسية في إطار العلاقة بين النظام السياسي وباقي القوى في المجتمع الواحد. وفي جميع الحالات فالعنف الذي يمارسه بعض الأفراد أو الجماعات ضد الآخرين يستهدف المس بأمن المجتمعات؛ حيث يعد من مسببات الاضطراب وغياب الاستقرار السياسي والاقتصادي، وتقلص مساحة السلم الاجتماعي في أي مجتمع من المجتمعات، وقد يقود إلى تفشي مظاهر من غياب الحريات الفردية والجماعية، وبروز الخوف أو انعدام الأمن داخل المجتمع.
ولذا فأياً كانت الجهة التي تقف وراء حادث الاعتداء الآثم والجبان على جموع المصلين في أحد المساجد بمحافظة صعدة، وسواء أتمت تنفيذاً لأوامر عليا من قيادات بذاتها، أم باجتهادات فردية خاطئة جانبها الصواب، وكذا أياً كانت الدوافع والمبررات التي تدفع تلك الجهة أو أولئك القلة من القتلى إلى قتل المصلين الآمنين في بيت من بيوت الله، في سابقة هي الأولى في نوعها من حيث استهداف أماكن العبادة التي ظلت تحظى بحرمة وقدسية في ضمير ونفس كل يمني، والثانية من حيث استهداف أماكن التجمعات ذات الكثافة البشرية، بعد استهداف مدرسة السابع من يوليو للبنات في العاصمة صنعاء، يقصد منها إلحاق أكبر خسارة في صفوف المدنيين بهدف ترويع باقي أفراد المجتمع وبث الخوف والفزع في أوساط أبناء الشعب اليمني، وزعزعة الأمن الذي كنا - وسنبقى على الدوام - نعتقد أنه المكسب الأهم الذي تحقق لشعبنا اليمني بعد مسيرة طويلة من الصراعات وتجدد دائرة العنف. وربما لا تكون بعيدة عن التطورات السياسية التي يعرفها مجتمعنا اليمني في ظل التوجه الجاد صوب انتخاب محافظي المحافظات من قبل الهيئات الناخبة المحلية تعزيزاً لمسيرة الإصلاح الديمقراطية الوطنية وصولاً إلى الحكم المحلي الكامل.
والواقع أن تكرر هذه الأعمال الإجرامية الأخيرة مؤشرٍ على تحول خطير في مجريات الأحداث له دلالاته التي قد لا تخفى على كل ذي لب، فهي توحي بأنه لم تعد توجد أماكن تتمتع بقدسية أو حرمة بعد استهداف دور العبادة والعلم، وانتقال أعمال العنف إلى أماكن تمركز وتجمع المدنيين المسالمين الذين لم يكن ذنبهم إلا تواجدهم في تلك الأماكن التي استهدفتها أيدي الغدر الآثمة ساعة تنفيذ الجريمة الغادرة. وهذا يجعلنا نشد على أيدي الجهات المختصة بضرورة الإسراع في تقديم الجناة إلى العدالة لتقضي فيهم بشريعة الله، بعد استكمال إجراءات التحقيق معهم، وكشف تفاصيل التحقيق كاملة أمام الرأي العام اليمني عن أسباب ارتكابهم لتلك الجريمة التي يجرمها الدين الإسلامي وكافة الشرائع السماوية والمواثيق والقوانين المدنية الوطنية والدولية.
*- أستاذ العلوم السياسية المساعد- جامعة إب
تمت طباعة الخبر في: الأحد, 19-مايو-2024 الساعة: 03:58 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-6863.htm