أمين الوائلي -
من بين الملايين اليمنيين هناك عشرات أو حتى مئات الأشخاص يمارسون الجرائم المسلحة وأعمال التخريب في مناطق محدودة من المحافظات الجنوبية.. وقد يتفاجأ هؤلاء غداً بعشرات الآلاف من المواطنين يتصدون لهم، وربما تكتشف جريدة “الأيام” حينها معاني أخرى لما تسميه هي الآن “جموع كبيرة” أو “مجاميع شعبية” لأن الجريدة غير معنية.. على ما يبدو، إلا بتأجيج الأوضاع واستدعاء التبعات والتداعيات التي يمكن أن ينخرط فيها الشارع والمواطن والشاب والعامل والمرأة، لا أقول من أي منطقة أو محافظة أخرى، بل من قلب المناطق والقرى والوديان والتجمعات البشرية والسكانية في المحافظات الجنوبية ذاتها وبدرجة أساس، حيث كتائب الوحدويين والوطنيين المؤمنين بالوحدة اليمنية، وحيث “المجاميع الكبيرة” و”الجموع الحاشدة” يمكنها أن تسد عين الشمس وتملأ البسيطة بمحيطات من رجال!
واذا كانت مطبوعة “الأيام” تنسى أو تحاول أن تنسي الآخرين: من هو الكبير في اليمن، الشعب أم العصابات؟ فلسوف تحظى بفرصة مواتية لتكتشف كم هو اليمن الواحد كبير، وكم هي العصابات صغيرة وقزمة، وكم هو الشعب سيد نفسه ووصي على وحدته وحقوقه السابقة واللاحقة.. وهو شعب يأبى أن تقوده عصابة أو أن يستغله ويستخف به قاطع طريق أو سارق ليل أوحمالة حطب.
على أن “الأيام” وهي تعنون صدر صفحتها الأولى بالأحمر وبمانشيت عريض يقول “جموع كبيرة من المسلحين تحكم السيطرة على الحبيلين” لا تشعر بالخجل وهي تتحدث في السياق وضمن العدد نفسه- كما في سائر الأيام والأعداد- عن ذلك باعتباره “تحركات سلمية” أومظاهر لـ “النضال السلمي”!!
فلولا العقل لما عرف الله، ولولا العقل لما عرفنا- مثلاً- أن السلاح والسلام لا يجتمعان وان احكام السيطرة ونصب نقاط التفتيش والتقطعات المسلحة لا يمكنها أبداً أن توصف بـ “النضال السلمي”.. وان قلَّبت “الأيام” الأمور.
وأيضاً لا تشعر بالخجل وهي تبرز خبراً بعنوان عريض أسفل المانشيت السابق.. عنوانه “مقتل شاب أعزل في الحبيلين وأسرته تطالب بالقتلة”!
ففي صفحة واحدة تعلن عن أن جموعاً مسلحة وكبيرة احكمت سيطرتها على الحبيلين.. كما عنونت، ولكنها لا تعرف والحال كذلك من قتل الشاب الأعزل في الحبيلين وفي نفس المناسبة والتوقيت؟!
وكأن من يقرأ الجريدة هم أناس لا علاقة لهم بنعمة العقل وملكة الفهم والتفكير!
وسوف تجعل الأيام من المسلحين والجموع الكبيرة المبندقة وإحكام السيطرة على الحبيلين والتمركز في جهات وجبهات مختلفة.. كل ذلك ستجعله “نضالاً سلمياً” لا غبار عليه، أما انها قادرة على الربط بين هذا الجنون المسلح والدموي.. وبين مقتل شاب في المكان نفسه والتوقيت نفسه فهذا فوق مستطاع الأيام والقائمين عليها!
بل لديها من “البراءة” و”حسن النية” ما يجعلها تبحث عن القاتل في محافظة أخرى شريطة أن يكون من المحافظات الشمالية.. مأرب أو المحويت أو حتى بلاد الطعام في ريمة، المهم أن لا يكون القاتل هو القاتل الحقيقي الذي يعرفه دم القتيل.. وتعرفه “الأيام” يقيناً!
ولكن -أيضاً- ما فائدة كل هذا السرد والشرح إذا كانت “الأيام” مصرة على أن تسمي القتل نضالاً.. والقتلة مناضلين.. والعنف سلماً.. والدموي سلمياً؟!.