سيف الرحبي -
في دراسته الموسومة "مقاربات، عن واقع الرواية في اليمن" بمجلة "غيمان" يطرح الدكتور عبدالعزيز المقالح إشكاليات الرواية منحدراً من العام الروائي وملابساته وإشكالاته إلى الخاص اليمني الذي يتأمله الدكتور بعين الناقد المعايش أيما معايشة غائرة في الأعماق اليمنية حياةً وكتابةً.
كاهن الأرض اليمنيّة، لخص العالم الواسع في اليمن وأحال اليمن إلى العالم والتاريخ الأدبي.
تلك الأرض الشاقة والحنونة "مهد الحضارات" وأرواح الأسلاف الغابرين، التي ما زالت تفترسها حراب القبائل والطوائف محاولة إرجاعها كلما تقدمت خطوةً إلى كهوف التخلف والظلام.
ليس الإبداع الروائي العربي عالة على الغرب، كما يروج البعض وهو خالٍ من الخصائص والملامح والمنجزات. بل هو كما عبر رولان بارت بصدق، إذ لا يوجد شعب،لا في الماضي ولا في الحاضر، وفي أي مكان إلا وله قصة ولا يوجد من غيرها..
يركز الشاعر الناقد اليمني الشهير، على الموروث العربي في رفده النتاج الروائي والسردي الحديث بمعينه الخاص، رغم استفادته الأكيدة من الإنجاز الغربي والعالمي الضخم.
وان المرحلة العربيّة ليست حتما وانحيازاً لا للشعر ولا للرواية كما جرت عادة النقاش وإنما لعولمة التسطيح والاستهلاك..
يستقصي المقالح نشأة الرواية اليمنية ومسارها التاريخي حتى اللحظة الراهنة.. أسماء شكلت أرض المحاكاة التقليديّة للرواية العربية، مثل رواية محمد العثمان ومحمود الزبيري وأرسلان. حتى الاتجاه الذي يمثل أصالة التجديد والمغامرة وعلاماته الفارقة من محمد عبدالولي وزيد مطيع دماج في روايته الأساسية حتى على الصعيد العربي (الرهينة) تلك الرواية التي أضاءت بأسلوب فني محكم وشاسع عتمة القلاع والأئمة والحريم والعبيد.
وحتى الجيل الجديد، حبيب السروري، نبيلة الزبير، محمد عبدالوكيل، وجدي الأهدل، سمير عبدالفتاح والقائمة تطول.
مثلما طرح الدكتور المقالح أسئلته حول الرواية العربيّة أصالة وتقليداً وعلاقتها بالرواية الغربيّة، تطرح أحياناً على الصعيد العربي، أسئلة حول إمكانية إبداع رواية حقيقيّة ليس في اليمن وإنما في الجزيرة كلها والخليج؟!
بما أن الرواية نتاج مديني ينتمي إلى شبكة العلاقات المدينية وتعقدها في بنياتها المختلفة.
يشكك هذا الرأي في وجود هذه البنيات في هذه المنطقة من أي نوع كانت وعليه يستحيل إنتاج رواية حقيقيّة.
هذه الإطروحة السطحيّة التي تدحرها الوقائع الإبداعيّة الكثيرة، ربما تكونت كظل باهت لاطروحة لوكاتش المعروفة كون الرواية ملحمة البرجوازية في صعودها.. وإذا اعتمدنا هذه الأخيرة فيستحيل الإمكان الروائي على الصعيد العربي للغياب الأكيد لأي برجوازيّة وطنية مدنية أو مدينيّة صناعية،...الخ التي يحل محلها طبقة من الكمبرادور والسماسرة الجهلة على امتداد الوطن العربي المدّمى..
يبقى التذكير بمقولة بارت، إن لكل شعب قصته التي من الممكن طبعاً أن تكون رواية أو غيرها..
ويمكن أن ينعقد السرد الروائي حتى في غياب بطولة الوضع البشري لتحل محله بطولة الطبيعة وتجلياتها الوحشيّة الآسرة. والأمثلة كثيرة، تلك التي تكسر ذلك النوع من التفكير البالغ الفقر والادعاء بسبب تعال زائف ليس في محله إلا مراكمة العقد والأوهام.
شاعر عُماني، رئيس تحرير مجلة "نزوى" الفصلية الثقافية
[email protected]
*عن" الحدث"