موقع المؤتمر نت



موقع مايو نيوز



موقع معهد الميثاق


189 صحفياً فلسطينياً استشهدوا في غزة - أبو عبيدة يعلن مقتل أسيرة في شمال غزة - زوارق حربية إماراتية في ساحل حضرموت - ارتفاع حصيلة شهداء غزة إلى 44176 - 17 شهيداً في قصف إسرائيلي على غزة - مجلس النواب يدين الفيتو الأمريكي - المستشار الغفاري يبارك نجاح بطولة العالم للفنون القتالية بمشاركة اليمن - الحديدة.. إصابة طفل بانفجار في الدريهمي - وحدة الصف الوطني.. الحصن المنيع لمواجهة المشاريع الاستعمارية - 43846 شهيداً منذ بدء العدوان على غزة -
تحقيقات
الأحد, 21-يونيو-2009
الميثاق نت -    الميثاق نت - متابعات -
عمره دون العاشرة، لكنه لا يعرف طريق المدرسة، ويعرف جيدا كيف يحمل سلاح الكلاشينكوف.
ورغم مرارة الحياة، فإن براءة الطفولة مازالت ترتسم على ملامح "محمد" وهو يعود من السوق إلى منزله مارا وسط طريق ترابي.
ليس الأطفال وحدهم في الجوف يتفاخرون بزينة السلاح، فزائر هذه المحافظة النائية يفاجأ بنساء تغطيهن أحزمة الرصاص.
مسؤولو هذه المحافظة يرون أنه بعد 47 عاما من قيام الثورة ليست الجوف سوى مبنى المحافظة، فهي "سلة هموم، متأخرة عن اليمن أكثر من عشرين عاما"؛ إنها "صورة مأساوية للإهمال".
مدينة الأشباح
زائر الجوف لا يعرف أن مركز هذه المحافظة يخلو من أدنى الخدمات الضرورية، فمدينة الحزم فيها شارع يتيم معبد، ولا توجد إنارة ولا فنادق ولا عمارات ولا أسواق...
"لوكندة معين" هي الوحيدة التي يتزاحم عليها العمال القادمون من محافظات أخرى، ويملكها شخص من محافظة إب. يقول أحد العاملين القادمين من تعز: "هذه اللوكندة تزدحم جدا في المساء، وأغلب من ينامون فيها هم العمال من المحافظات الأخرى".
مطعمان فقط في المدينة، وأربعة صالونات حلاقة، ومثلها مراكز اتصالات. وإذا صادف أن تأخرت عن الـ12 ظهرا فلن تجد سوى عصير وبسكويت تشتريها من بوفيه ودكان الحرازي، الذي يقع في إطار المجمع الحكومي.
زائر الجوف يستخدم الدراجة النارية للتواصل الداخلي، فليس هناك وسائل نقل عامة، والشوارع كلها ترابية، عدا الشارع الرئيسي. وإذا فكرت بالتواصل مع أسرتك عبر الانترنت فليس هناك أي مقهى للخدمة الالكترونية الحديثة.
تشتهر المدينة بسوقين، إحداهما للقات، والأخرى للخضروات. والكل هنا يحمل السلاح، حتى النساء، اللواتي قد يتزوجن في العاشرة من العمر، يحملن السلاح ويقدن سيارات "الشاص" القديمة.
تمارس النساء هناك رعي الأغنام من فوق ظهور الحمير، لكنهن أكثر طموحا في التعليم من الرجال. تقول إحدى التربويات: "بنت الجوف بمجرد أن تصل التاسع الأساسي، 15 عاما، تحمل البندقية خوفا من الثارات".
يتخرج من الثانوية في هذه المحافظة سنويا ثلاثة آلاف طالب، معظمهم من خارج المحافظة، ومن ينتمي منهم إلى المحافظة يقول المهتمون إنهم في عداد الأميين، لأنهم لا يذهبون للمدارس. كما أن مدرسي المواد العلمية معظمهم من خارج المحافظة ولا يحضرون – حسب أحد المدرسين.
يتناقل الناس هنا حوادث كثيرة عن مدارس الجوف، فأحدهم يقول: "ذات مرة وفي مواجهة قبلية بين المصلوب والمتون سقطت قذيفة مدفع هاون على مدرسة خولة في المتون"، وآخر يقول: "قتل أحد الطلبة وأستاذه السوداني وهما عند باب مركز امتحاني بسبب الثار".

الجوف تأريخ وحضارة
تقع محافظة الجوف شمال شرق العاصمة صنعاء، وتبعد عنها حوالي 170 كم. هي ذات تضاريس سهلية ومناخ صحراوي، حيث تتداخل مع صحراء الربع الخالي. تمتلك تأريخا حضاريا، فهي موطن مملكه معين القديمة، وفيها مدن أثرية مثل: قرناو، الخربة البيضاء، الخربة السوداء، وبراقش.
تبلغ مساحة الجوف حوالي 39.495 كيلومترا مربعا، ووفقاً لنتائج التعداد العام في 2004 فإن عدد سكانها يصل إلى 443.797 يتوزعون في 12 مديرية.
يلخص الوكيل الأول للمحافظة، منصور بن عبدان، الأوضاع في هذه المحافظة النائية، بالقول: "المحافظة تأخرت عن اليمن عشرين عاما، ولم تحظَ باهتمام الدولة إلا في عهد الرئيس علي عبد الله صالح الذي كان أول من وضع حجر أساس مشروع تنموي فيها؛ ويعود ذلك إلى أن الجوف تتنافس عليها الجبهة الوطنية من جهة والجيران من جهة والإمامة من جهة، وكل جهة تضع أجندتها".

تقطعات وثارات قبلية
لا أحد ينسى معركة طاحنة دارت بين قبيلتين في صحراء الجوف عام 2004، فقد استمرت المواجهات بين قبلية "آل صيدة" و"المرازيق" ساعات وأدت إلى مقتل أكثر من 15 وجرح أربعين.
هذه المحافظة تكثر فيها الثارات والتقطعات القبلية، ففي المديريات القريبة من مدينة الحزم، مركز محافظة الجوف، والتي تمر من مناطقهم الطرق الرئيسية، يعتقد السكان هناك أن موقعهم يمثل مصدر قوة من خلال التحكم في الطرقات بالتقطعات القبلية.
في إحدى عمليات التقطع لقبائل من همدان، والتي صادفت ليلة انعقاد المؤتمر الفرعي الموسع للمجلس المحلي بالمحافظة، لم تفلح الجهود في إنهائها إلا بعد 24 ساعة.
في هذه العملية نصب عشرات المسلحين الحاملين لأسلحة خفيفة وثقيلة خيمة جوار الطريق، ووضعوا برميلا منتصفه، ولم يرفعوا التقطع حتى لبت وزارة الداخلية مطالبهم.
وقد حالت الثارات القبلية دون مشاركة محلي مديرية الخلق في المؤتمر الخامس للسلطة المحلية. ومحافظة الجوف الوحيدة التي لم تنتخب محافظا، والتركيبة الاجتماعية القبلية حالت حتى دون انتخاب أمين عام للمجلس المحلي.
قبيل الانتخابات المحلية الأخيرة قتل أمين عام المجلس المحلي، عبد الوهاب الشريف، الذي وصل المنصب بتوافق قبلي وليس ديمقراطيا، ومنذ ذلك الوقت لا يوجد أمين عام، وقد تعاقب منذ انتخابات المحافظين في 2008 ثلاثة محافظين.
يؤكد هنا علي بن صالح شطيف، عضو برلماني سابق، أن القبائل تلجأ للمشايخ لحل قضاياهم، خاصة المستعصية التي فيها دماء ويعجز القضاء عن حلها.
ويؤكد أن القضاء وإن كان حل كثيرا من القضايا لكنه يعجز عن التنفيذ "فتظل القضايا مفتوحة".
تستغرب أن تجد في الجوف أشخاصا عاديين يمتلكون أرقاما عسكرية برواتب لا تتعدى ألف ريال، والبعض منهم محسوب على حرس الحدود برواتب تصل إلى 7 آلاف ريال فقط.
العقيد عبد الله الفجغمي، نائب مدير أمن الجوف، يقول إنه يعرف هذه المحافظة منذ الثمانينيات، ويتذكر جيدا كيف كان رجال الأمن يجوبون المحافظة دون أية محاذير، لكنه يقول: "الأمر تغير اليوم تماما".

إهمال وتطور
تعد مديرية "خب والشعف" أكثر مديريات المحافظة حرمانا من الخدمات الأساسية، فيما تعد مديرية "برط العنان" الأكثر تطورا.
رغم أن مديرية "خب والشعف" أكبر المديريات من حيث المساحة والسكان، إلا أن الإحصائيات تظهر أن عدد الطلبة الملتحقين بالصفوف الثانوية في هذه المديرية أقل من ألف طالب، وفي الصفوف الأساسية يقارب 8 آلاف طالب.
ورغم أن عدد الفصول ارتفع إلى 258 فصلا بعد أن كان عددها 109 فصلا فقط في 2003، إلا أنه لا يوجد ارتفاع في أعداد الطلاب يوازي ارتفاع عدد الفصول.
يرجع الكثيرون عزوف أبناء هذه المديرية عن التعليم إلى ارتفاع معدلات الفقر، ما يجعل كثيرا من الشباب يفضلون العمل في المناطق السعودية التي تجاورهم عن الدراسة.
وحسب الأهالي فإن المملكة العربية السعودية تمنح القبائل المجاورة معونات عبر برنامج خاص يسمونه في الجوف "الفكة" ويحصل الشخص فيه على كرت يتم منح مالكه مساعدات وتسهيلات.
تحتوي مديرية "خب والشعف" على أغلب المواقع الأثرية والسياحية في المحافظة، وتوجد بها مقومات السياحة الصحراوية، وفيها مواقع أثرية، مثل "جبل الخصي" الذي يوجد عليه اسم الرسول الكريم ومدن مطمورة وقرية الأسود العنسي وعشرات الكهوف والنقوش؛ لكن الحكومة لم تنفذ هنا أي برنامج سياحي، بسبب الأوضاع المتوترة وغير المستقرة بين القبائل.
وحسب المحافظ حسين حازب فإن هذه المديرية ليس فيها مجلس محلي منذ انتخابات 2006؛ "نظرا للخلافات القبلية".
أما مديرية "برط العنان" فقد استفادت كثيرا حين كانت تابعة لمحافظة صنعاء إداريا، وتتميز بأن الطريق الذي وصفه محافظ الجوف بأنه "رئة المحافظة" يمر بها.
وتتعرض طرق المحافظة لتقطعات قبلية توقف تحديثها أو تعبيدها، كما هو الحال في طريق "الحزم – رجوزة"، التي قال حازب إنه إلى جانب "تلكؤ الشركة المنفذة، هناك متقطعون".
ويضيف: "إذا كان لأحد طلب من الشركة المقاولة فليأتِ إلينا بدلا من عرقلة المشروع وسنتعاون معه".
في مديرية "برط العنان" سوق تجارية يحكمها قانون قديم، وهو ما أسهم في تطور هذه المديرية عن مثيلاتها، فهي "أكثر المديريات استيعابا لنظام السلطة المحلية، وتعادل إيرادات مجلسها المحلي إيرادات بقية مديريات المحافظة"، كما قال عنها مديرها أحمد العنسي.
لا يعد غياب الدولة في برط مشكلة كباقي مديرياتها، ففي هذه المديرية مجمع حكومي ومجمع تربوي وإدارة أمن ومكاتب للتربية والصحة والضمان الاجتماعي والأشغال والمواصلات؛ لكن المشكلة هي الإقبال المتدني على التعليم.

الكهرباء لـ4 بالمائة فقط
بحسب تقارير المحافظة فإن مشاريع البنية التحتية في الجوف خلال الفترة 2003 - 2008 لم تصل تكلفة تنفيذها إلى مليارين ونصف، شاملة الطرق وتحسين المدن والاتصالات والكهرباء والمياه والصرف الصحي. والكهرباء في الجوف لا تغطي 4 بالمائة من نسبة السكان، وجملة ما أنفقته الحكومة في الخمس السنوات الأخيرة على هذه الخدمة نصف مليون ريال.
يقول أهالي الحزم إن المولد الكهربائي متهالك ويتعطل باستمرار وانطفاء الكهرباء متكرر.
مدير عام الكهرباء بالجوف، علي مقري، يقول: "أعضاء مجلس النواب الذين يمثلون الجوف والمشايخ لا يتعاونون معنا في متابعة المؤسسة العامة للكهرباء من أجل توسيع الشبكة".
ويؤكد أن الطاقة الكهربائية زادت من 255 كيلووات إلى 3 ميجا ونصف، أي 3500 كيلووات، لكنه يشير إلى انعدام الصيانة، الذي جعل الطاقة الفعلية 600 كيلووات فلا تغطي بشكل أساسي سوى عاصمة المحافظة.

تعليم الأمية
في دراسة أعدتها جمعية السلام والتنمية في الجوف حوالي 49 بالمائة ممن هم في سن التعليم لا يلتحقون بالمدارس و51 بالمائة يلتحقون، وهم في سن التعليم بمدارس تنقصها الكتب والمدرسين والمباني.
فرغم أن عدد الملتحقين بمدارس المحافظة 33893، فإن الملتحقين بالثانوية فقط 5995 طالبا، تمثل الفتيات نسبة ضئيلة جدا، كون العادات والتقاليد لا تسمح بالاختلاط، فتترك كثيرا من الطالبات مقاعد الدراسة بعد الوصول إلى الصف السادس الأساسي، رغم أن هذه المحافظة تسجل ارتفاعا في معدل الراغبات في الدراسة.
كما أن مسؤولا في التربية يؤكد هنا أن المحافظة "تستقبل سنويا ما يقارب ألف طالب ثانوي من محافظات أخرى، وحصل الكثير منهم على معدلات مرتفعة، وفي أكثر من عام كانت كل المنح الدراسية لطلبة من خارج المحافظة".
ويشكو محافظ المحافظة من قضايا إدارية، يقول: "لقد واجهنا مجلس النواب من أجل إيقاف نقل 186 مدرسا من الجوف، وهناك توجيهات بألا ينقل أحد إلا بدرجة بدل، فلسنا وعاء في الجوف. إن آلية نقل الموظفين غير منفذة هنا، ومدراء التربية في المديريات يعملون على إخلاء طرف الموظفين والاستغناء عن المدرسين ويحملون قيادة المحافظة. المدرسون المنقطعون بالمئات. مشكلتنا إدارية، فمعظم الإجراءات الإدارية خاطئة والمسؤولون لم يستوعبوا القوانين واللوائح، وهناك مدراء عموم يرفضون منح صلاحيات للآخرين".
ويشير إلى أن هناك "سوء استخدام للموجود من الإمكانيات". ويضرب بعض الأمثلة مثل: "يتم بناء مركز صحي في مكان لا يخدم أحدا أو يتم بناء مدرسة من أجل توظيف من حولها فقط".

لا حديث عن الصحة
حين أصيب رجل بصاعقة رعدية تم استدعاء سيارة إسعاف من محافظة مأرب. وبحسب معايير منظمة الصحة العالمية، فإن الجوف بحاجة إلى 48 طبيبا – حسب ما يقول مسؤولوها، لكن لا يوجد فيها سوى أربعة أطباء، ومن المقلق أن محافظة كاملة لا تملك سيارة إسعاف.
يقول الدكتور حسين الغانمي، مدير مكتب الصحة في المحافظة: "الجوف الأسوأ صحياَ بين محافظات الجمهورية، وأكثر من نصف مليون في أمس الحاجة للخدمات الصحية. وحتى المرافق المهيأة للعمل أغلبها إما مغلق وإما مفتوح شكليا وخدماته متدنية".
ويؤكد أن الأشد خطورة من ذلك "افتقار الجوف إلى خدمات الرعاية الصحية الأولية، مما يجعل الأوبئة أكثر فتكا حال تفشيها".
ويقول الغانمي الذي عين مؤخرا: "السلطة المحلية بالمديريات لم تقم بدورها في تفعيل الأنشطة الصحية والرقابة على الكادر الصحي وسير العمل كما لم تتقيد قيادات الوحدات الإدارية بالتعاميم الصادرة من المكتب بعدم صرف النفقات التشغيلية للمكاتب إلا بعد الضبط والمراقبة".
ويضيف: "ميزانية الصحة غير كافية ووسائل المواصلات غير متوفرة، والهيئة الإدارية بالمحافظة لم تجتمع لإقرار الخطة التفصيلية".
وبخصوص مستشفى الحزم في مركز المحافظة يقول: "ما فاقم المشكلة هو قلة الكادر الصحي الموجود وغير مؤهل للعمل نتيجة توظيف مخرجات غير صحيحة، وهناك أجهزة صحية ومعدات لا يفقه فيها أحد في الجوف".
ويطالب مدير مكتب صحة الجوف وزارة الصحة "بتوفير الكادر المتخصص لتشغيل المرافق الصحية والاستفادة من المعدات الطبية قبل انتهاء عمرها الافتراضي".
وبخصوص استقدام كادر من خارج المحافظة يقول: "هنا تنعدم الخدمات الضرورية لأي موظف من خارج المحافظة وهو ما يحول دون القيام بعمله".
المحافظ من جهته يقول: "مئات الموظفين في الصحة بالجوف لا يحملون مؤهلات وقد تحولت الوظائف في الصحة وغيرها إلى ضمان اجتماعي، وهناك عشرون مرفقا صحيا مغلقا بسبب المشاكل بين القبائل أو بسبب تحيز ومجاملة البعض لأصحابه وأقاربه".

محافظة طاردة
يقبل الكثير من محافظات الجمهورية على التوظيف في محافظة الجوف، لكن انعدام الخدمات الأساسية تجعلهم لا يستمرون، ففي الجوف لا توجد فنادق ولا شقق ولا مطاعم، ومن يُوظفون بدرجات المحافظة ينقلون بعد سنة من التوظيف أو في نفس العام إلى محافظات أخرى، وهنا دخلت لعبة توزيع وبيع الوظائف بين المسؤولين والوجهاء والمشايخ دون أية اعتبار للمؤهلات واحتياجات المحافظة.
ويؤكد المحافظ أن هناك 7 آلاف موظف محسوب على المحافظة، ثلثاهم من خارجها.
يقول أحد موظفي فرع البنك المركزي اليمني: "هناك صعوبة أحيانا حتى في الحصول على شربة ماء ولا نجد ما نأكل، ولذا نأخذ معنا أكلا لأسبوع".
ويشير إلى أن الجهة التي تريد معاقبة أي موظف تنقله من المركز في صنعاء إلى الجوف.
وتشير تقارير الانضباط الوظيفي خلال السنوات الماضية في الجوف إلى أنها الأقل بين المحافظات.
مدير عام الخدمة المدنية والتأمينات في الجوف، ربيع الغانمي، يقول: "هناك تحسن في أداء المكتب ولم يعد هناك بيع للدرجات الوظيفية، خاصة وأن المجلس المحلى أسهم بدور فعال في ضبط العملية من خلال التدقيق في بيانات المتقدمين ووثائقهم، وقراره في 2008 فيما يخص التوظيف قضى بأن تكون المفاضلة بين أبناء الجوف فقط"، مؤكدا أن عدد الذين تم توظيفهم العام الماضي كانوا 60 شخصا كلهم من أبناء المحافظة عدى 5 بالمائة من خارجها ولديهم تخصصات علمية لا تتوفر في أبناء المحافظة.

الجوف.. من سلة غذاء إلى سلة هموم
تؤكد دارسه لبعثة هولندية أنه إذا تم زراعة محافظة الجوف فإن إنتاجها يكفي 40 مليون نسمة، وهو ما اعتبره وكيل المحافظة منصور بن عبدان واقعيا.
ويرى أن المحافظة "تحتاج إلى إعادة نظر"، مؤكدا أن الفقر والبطالة اكبر خطر يتهدد أبناءها.
ويقول: "لو أنجزت المشاريع الإستراتيجية فإنها ستوفر فرص عمل ستساعد على امتصاص البطالة وستخفف من الفقر، والجوف غنية بثرواتها الطبيعية والزراعية وفيها الاحتياطي الثاني بين محافظات الجمهورية في المياه الجوفية".
ويشير إلى أن هناك أكثر من 43 مدينة أثرية وهو مقوم سياحي ضخم، والغاز والنفط والمعادن والرخام في باطن أرضها.
وأبدى تفاؤله بتعاون الحكومة في استيعاب التوصيات والخطط التي ترفع من المحافظة.
رئيس مجلس النواب، يحيى الراعي، يقول: "أبناء الجوف غير مدركين لقيمة الأرض الزراعية التي بين أيديهم وسيجدون فرص عمل كبيرة إذا زرعوها، فإنتاج المحافظة من القمح في 2007 لا يزيد عن 6 آلاف كيس، وكان الإنتاج العام الماضي في حدود 53 ألف كيس، وهناك توجيهات من رئيس الجمهورية للحكومة بشراء القمح من مزارعي الجوف، ولو زرعت الجوف ستكفي اليمن، فهي ستكون سلة غذاء لليمن".
ويرى الكثيرون أن غياب التنمية في محافظة الجوف سبب رئيس لواقع التخلف الذي تعيشه.
مدير فرع البنك الزراعي بالجوف، درهم عاطف، يقول: "عدم توفر الأمن والاستقرار في المحافظة وتدخلات السلطة المحلية تعوق نشاط البنك".
ويضيف: "الودائع في البنك بلغت 116 مليونا وخلال فترة وجيزة صرف البنك قيمة الحبوب للمواطنين بمبلغ 423 مليون ريال وقدم 216 مليون ريال قروضا زراعية من مضخات ومعدات".
ويقول: "البنك قدم أكثر من 160 مضخة و76 حراثة و4 حصادات عملاقة لكبار المزارعين، والقروض التي قدمها البنك لكافة القطاعات بالمحافظة بلغت 892 مليون ريال".
عضو محلي مديرية الخلق، هادي جريم، من جهته يطالب المؤسسة الاقتصادية بفتح المزيد من الفروع في المديريات بالجوف، ويقول: "العام الماضي شهد ازدحاما كبيرا، الثارات والمشاكل حالت دون وصول البعض إلى مركز المحافظة، ونهضة الجوف هي في الزراعة".

فجوة بين الموارد والإمكانات
يصف منسق السلطة المحلية للمؤتمر العام الموسع بالجوف، يحيى الكينعي، هذه المحافظة بأنها "سلة من الهموم والتحديات التي تحتم على الحكومة العمل على تسريع التنمية فيها".
ويرجع الكينعي تردي الأوضاع التنموية في الجوف إلى عدة عوامل، منها: "التركيبة القبلية المعقدة التي انعكست سلبا على العمل السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي".
ويضيف: "الجوف تختلف كليا عن بقية المحافظات من حيث عدم اكتمال منظومة البناء التنظيمي والهيكلي على مستوى المحافظة ناهيك عن المديريات، إذ إن بعض المجالس المحلية خارج إطار اكتمال المنظومة الانتخابية، مما أعاق استمرارية العمل الخدمي فيها".
ويؤكد أن الجانب البنيوي الناظم لإيقاعات الأداء التنموي لا يزال دون المستوى، إذ إن "قطاع الخدمات الأساسية ومشاريع البنى التحتية وجهود الإصلاح المالي والإداري عقبة في سبيل التطور والنماء في المحافظة".
ويشير إلى وجود فجوة بين الموارد والإمكانيات ، ويقول: "الموارد المركزية غالبا ما تعتريها نوازع الرغبات في إبقاء مراكز القرار بعيدا عن التأثير والمشاركة فهناك رغبة غير مدركة في إبقاء الأوضاع كما هي عليه من الجمود ويتحمل أبناء الجوف الجزء الأكبر من المسؤولية".
ويرى الكينعي أن تشغيل المرافق الخدمية سيعمل على رفدها بالمخرجات، وهو ما يجعل الجوف – حد تعبيره "تبحر نحو التنمية".
ويؤكد أن الجوف "بحاجة إلى إرادة مجتمعة جامعة ترسي الاستقرار والسلم على مستوى المحافظة بالتزامن مع تعزيز مقومات التنمية بالروافد المادية من المستويات المركزية المختلفة، على ألا يكون هناك تهميش لدور السلطة المحلية".
أبناء الجوف وغياب التنمية
وكيل المحافظة، نايف الاعوج، يرى أن المشكلة في الجوف تنموية. ويضيف: "الوعي متدنٍّ لدى أبناء الجوف بسبب الوضع الاجتماعي والتركيبة القبلية والانعكاسات الحزبية".
ويشير إلى أن المحافظة ضحية لتشويه الإعلام. ويقول: "بعض المشاكل في المحافظة يتطلب حلها من جهات عليا وليس من المحافظة، والمعالجات العليا تحتاج إلى المزيد من الوقت، وإذا ما تأخرت فإن المشاكل تتعقد وتتسع والحاضر في الجوف يرى ما لا يراه الغائب".
وكيل المحافظة، خالد بن هضبان، يقول: "الجوف حرمت من خيرات الثورة، لكن أملنا حين يتم استخراج النفط والمعادن كما هي مأرب".
عضو المجلس المحلي في المحافظة، محمد المعالم، يقول: "محافظة الجوف تأخرت عن بقية المحافظات 47 سنة". ويؤكد أن المحافظة تريد "إرادة سياسية قوية للدفع بالتنمية".
أما عضو المجلس المحلي بالمحافظة، احمد مرعي، فيقول: "نظرة القيادة السياسية لأبناء الجوف ليست كنظرتها لغيرهم، مما جعل الحكومة تتعامل مع الجوف وكأنها مديرية في الأمانة أو تعز".
ويقول العقيد منصور محمد ابواصبع: "عدم وجود كوادر إدارية مؤهلة أكبر المشاكل. كما أن الجوف بحاجة إلى التفاتة من الدولة لدعمها كمحافظة بدائية وما دامت بدائية فإن الواجب مدها بمقومات وبنى تحتية من طرق ومستشفيات ومدارس وكهرباء واتصالات تهيئ لبيئة استثمارية وتتحول إلى مدنية".
ويرى أن انتشال وضع الجوف "لن يكون إلا بتوجه خاص من القيادة السياسية. وهنا أطالب الرئيس بأن ينظر للجوف كما ينظر لغيرها من المحافظات، وأن يوجه بدعم المحافظة بالمشاريع الإستراتيجية التي هي من اختصاص الدولة المركزية مثل الطرقات والمستشفيات والكهرباء".
المواطن محمد عبده ابواصبع يرى أن عدم وجود الأمن والاستقرار في المحافظة تسبب في تأخر التنمية.
ويقول: "الفارق بين مأرب والجوف هو أن مأرب تطورت بوجود المنشآت النفطية والتي لاقت اهتمام كل الحكومات المتعاقبة".
ويضيف: "بنية الجوف متعثرة وتعاقب أكثر من محافظ على المحافظة وعدم وجود الكوادر المؤهلة في المجالس المحلية أبرز أسباب التعثر، و90 بالمائة من أعضاء المجلس المحلي ومسؤولي المكاتب التنفيذية غير مؤهلين، ولذا فإن الجوف مشكلتها إدارية وأمنية". ويشير إلى خريجي تربية موظفين في الصحة، ويقول: "هذا خلط إداري".
مدير مديرية برط، تحدث عن مشكلة تأخر صرف المرتبات في الجوف بسبب تأخر المصرحات المالية في السابق خاصة في التربية.
ويرى أن تقليص السقف المالي للمديريات إلى 15 مليونا والسقف المالي للمحافظات إلى 150 مليونا يتعارض مع توجهات الرئيس نحو الحكم المحلي واسع الصلاحيات. ويقول: "السقف المالي للمديرية يمكن أن يستنفد في ثلاثة فصول مدرسية، فأي صلاحيات يتحدثون عنها؟!".
رئيس اللجنة التنفيذية لأحزاب اللقاء المشترك في الجوف، عبد الحميد عامر، يطالب هنا بزيادة الاعتمادات المخصصة للمحافظة.
ويقول: "اعتمادات المحافظة ما بين 200 إلى 300 مليون ريال سنويا، وهي لا تغطي حتى الالتزامات للمقاولين، ولذلك فإن كثيرا من المشاريع متعثرة في الجوف وبعضها لم ينفذ من عهد أول مجلس محلي بالمحافظة".
ويعتبر قلة الاعتمادات والجهل المطبق على الجوف وسوء مخرجات التعليم والإهمال الرسمي للمحافظة والفساد المالي والإداري أسباب أدت إلى تأخر التنمية في الجوف.
وعن الثارات والتقطعات يقول: "هي نتاج للجهل وهناك استغلال من أصحاب المصالح لها". ويضيف: "مازالت مشكلة همدان والشولان تتجدد والضحايا بالعشرات، وقد تكون أكبر قضايا الثار تعقيدا في الجوف".
ويقول: "رغم التحاق الطلبة بالمدارس إلا أن خريج الثانوية في الجوف كالأمي، يحصل البعض على الشهادات الثانوية والجامعية أحيانا بلا دراسة".
ويؤكد أنه في مديرية الزاهر كل المدارس والمكاتب الخدمية مغلقة "بسبب الاختلالات الأمنية".
أما رئيس المنظمة اليمنية للتنمية والسلم الاجتماعي في الجوف وعضو المجس المحلي بالمحافظة، علي العجي، فيقول: "الجهل والتعليم المتدني والفقر وعدم وجود مشاريع التنموية في الجوف أسباب تؤدي إلى انحراف الشباب وكذا انحراف بعض المشايخ مع الجماعات المتطرفة مثل تنظيم القاعدة أو مع الحوثيين".
ومن هنا يؤكد مدير أمن محافظة الجوف، العميد عبد ربه الحليسي، أن التنمية في الجوف تتحقق "عندما يشعر المواطن أن التنمية تعود عليه بالنفع الخاص والعام، وعندما يشعر بمسؤوليته في تثبيت الأمن والاستقرار، فلا تنمية ولا استثمار بدون أمن".
ويطالب الحليسي بدفعة قوية من قبل الدولة المركزية من أجل استكمال البنية التحتية "كي تلحق بالمحافظات الأخرى".
إذا غابت الدولة حضرت القبيلة
الدكتور محمد الظاهري، أستاذ العلوم السياسية، من جهته يطالب بتواجد الدولة بوظائفها التنموية في الجوف وكل المناطق المحرومة. ويقول: "المواطنة تتعزز لدى المواطن عندما يجد خيرات الدولة ويجب أن تتوزع خيرات الدولة على كل أقاليم الدولة".
ويضيف: "تأخر تنمية بعض المحافظات ومنها الجوف من اكبر المخاطر الحقيقية التي تواجه الدولة كبناء سياسي واقتصادي".
ويؤكد أن الدولة حين تغيب "تحضر مؤسسات ما قبل الدولة، ممثلة في الكيان القبلي". ويقول: "المحافظات التي هي محل انكشاف نحو الخارج مسألة في غاية الخطورة، لأنها محط انتشار وانطلاق للجماعات والعصابات، إذ يجب أن تتجه الدولة نحوها لتسريع عملية التنمية ولتفادي الانتكاسات في المستقبل".
ويضيف الظاهري: "إحدى المديريات أصبحت ملاذا آمنا لعصابات سرق السيارات وقطاع الطرق، وبين الحين والآخر قبائل هذه المديرية تضغط على الدولة بولائها".
ويشير إلى مؤسسة خارجية معنية بدعم العمل الديمقراطي، يقول: "تربطها علاقات بمشايخ من الجوف تسعى من خلال ذلك إلى التغلغل بين أوساط القبائل خلال السنوات الماضية من اجل حل قضايا الثارات والضغط على السلطات بالعمل على التدخل بين القبائل، وهو ما تفسره الدولة أنه اختراق".
حتى لا تكون مرتعا للإرهابيين
من جهته يطالب رئيس لجنة الحقوق والحريات في مجلس النواب، محمد بن ناجي الشايف، الحكومة بالقيام بواجباتها تجاه أبناء الجوف، ويقول: "الجوف بحاجة إلى وضع استثنائي وبرنامج خاص من الحكومة لإنجاح التنمية فيها وإلحاقها بالمحافظات الأخرى فالجوف في آخر القطار".
ويضيف: "ميزانية الجوف السنوية ضئيلة جدا والحكومات المتعاقبة تتعامل مع الجوف كمديرية في محافظات أخرى، ولم تساو الجوف مع مثل عمران التي حصلت على 40 مليار ريال كدعم من خارج الموازنة".
ويتحدث الشايف عن تسبب المقاولين في عرقلة مشاريع طرق، ويطالب بتحويل مشروعي طريق "الحزم – البقع" و"الحزم – رجوزة" إلى دائرة الأشغال العسكرية كي تنفذها، باعتبار الطرق أهم من كل الخدمات الأخرى، فالجوف معزولة عن المحافظات الأخرى.
ويؤكد أن انجاز هذين المشروعين "أكبر تشجيع للزراعة باعتبار الأراضي الزراعية أهم ثروة في الجوف".
ويقول: "الجوف إذا زرعت فإنها ستغطي احتياج سكان الجمهورية ونشيد بدعم الرئيس لمنتجي القمح".
ويشير إلى أن الجوف "غير مؤهلة لانتخاب المحافظين أو المجالس المحلية، والوضع المأساوي الذي هي فيه يحتم بقاء كل شيء في الجوف مركزيا وبعيدا عن الحكم المحلي واسع الصلاحيات الذي تتجه إليه الدولة".
ويقول: "نريد دولة مركزية، و أبناء الجوف لا يريدون انتخاب محافظ، هم بحاجة إلى وجود دولة وتنمية وأمن واستقرار".
ويحذر هنا من "خطورة تحول محافظة الجوف في ظل الإهمال وحالة الحرمان والفقر والبطالة إلى مرتع للإرهابيين على اختلاف مسمياتهم ومشاربهم".
أما المحافظ فيحمل ثلاث جهات المسؤولية في الوضع الحاصل في المحافظة، ويقول: "يتحمل أهل المحافظة بمشاكلهم وبقضاياهم ووضعهم الاجتماعي والقيادات المتعاقبة على المحافظة، وقد أكون جزءا منهم، والوزارات والهيئات الحكومية".
ويضيف: "لقد أنشئت محافظات منذ ثماني سنوات وتحولت أوضاعها بشكل كبير، ولا نحسدها لكننا نستغرب لماذا لا يعطى لمحافظة الجوف نفس الاهتمام؟ البعض في الوزارات يتعاملون مع محافظة الجوف من باب إسقاط الواجب ومن يقصر فإن الشماعة جاهزة.. هذه هي الجوف، وهذه هي ظروفها".
ويقول: "إذا كانت الجوف طاردة للتنمية فالمفروض أن نقترب منها أكثر كي نؤهلها والغالبية من أهلها خيرون وطيبون يريدون التنمية والهدوء".
ويضيف: "الجوف ترى وجهها بعد 47 عاما من قيام الثورة عبارة عن مبنى في الحزم يضم المكتب التنفيذي، وأنا أستغرب على الحكومات والقيادات المتعاقبة في المحافظة لماذا لم يوجدوا بنية سكنية للعاملين فيها، فالمحافظة لا تستطيع أن تستضيف مدير عام واحد لمدة يوم، وللأسف أن المكتب التنفيذي يعيش داخل المجمع وهو سكن وإقامة ومكان أكل وشرب... فكيف نتخيل نتائج العمل في ظروف كهذه؟".
ويؤكد أن ذلك أهم الأسباب التي "أدت إلى تأخر التنمية وأدت إلى خلق شعور لدى المواطن في الجوف بأن مهمة هؤلاء الموظفين أو هذه القيادات الإدارية الموجودة في المحافظة هي صرف المرتبات والمستحقات نهاية كل شهر".
محافظ الجوف السابق: يجب اشراك المجتمع المحلي في التنمية
الدكتور ناجي صالح ثوابة، محافظ الجوف السابق، يقول: "الساسة والقادة يعتقدون بإيجابية التوجه نحو تطبيق نظام الحكم المحلي واسع الصلاحية، ولكن بالنسبة إلى تطبيق ذلك في الجوف لن يكون في صالح المحافظة ولا المحافظات المشابهة، لأسباب علمية بحتة، فهناك فجوة علمية ومهنية تخصصية كبيرة بين محافظة الجوف وبين بقية المحافظات الأخرى، لأن الكوادر البشرية المتخصصة هم من يعول عليهم تنفيذ الأعمال والمهام، وفي حال غياب تلك التخصصات فإن التنفيذ سيواجه صعوبة بالغة، لذلك لا بد من مراعاة ظروف كل محافظة على حدة، والأفضل بناء استراتيجيات بناء على الاحتياج والواقع، ومن ثم يمكن دمج تلك الاستراتيجيات القطاعية في وثيقة عامة موحدة، ولا بد من الإشارة إلى أن ذلك ينبغي أن يكون تحت مظلة سياسة وطنية معدة ومقرة من السلطات المعنية، وفي ذات الوقت يتم تطبيق نظام الحكم المحلي على مراحل تخضع لأعمال التقييم والتحليل".
ويتحدث ثوابة عن مقومات المحافظة ويراها في "امتلاك المحافظة الأراضي الزراعية الخصبة المتجددة والصالحة لإنتاج أنواع من الحبوب والحمضيات والطماطم والخضار وغيرها".
ويشير إلى دراسة هولندية أجريت مؤخرا تقول: "لو أن أرض الجوف زرعت لكفت 40 مليون نسمة، لتوفر المساحات المناسبة للزراعة، بما في ذلك جودة خصوبتها، لكونها تستقبل السيول منذ ملايين السنين من جبال صعدة عبر وادي مذاب، ومن حدود مقالب السيول من جبل اللوز وما جاوره بمنطقة خولان، ومن جبل النبي شعيب وما حواه، لذلك فالأرض تعد خصبه لأن السيول المتدفقة تسحب معها كمية كبيرة من المواد العضوية التي تعتبر سمادا عضويا طبيعيا، وفي بعض مواقع أخاديد السيول يلاحظ أن كمية الطمي التي تكونت على مدى مئات بل الآلاف من السنين نجدها في بعض من تلك المقاطع بعمق 17 مترا".
وعن السياحة يقول ثوابة: "محافظة الجوف تُعد من أغنى المحافظات اليمنية بالآثار بالنظر إلى عدد المواقع الأثرية التي اكتشفت حتى الآن، والتي تصل إلى نحو 53 موقعاً، والتي يعود تاريخها إلى القرن التاسع قبل الميلاد، حيث قامت الدولة المعينية إحدى أهم الدول اليمنية القديمة، لقد شهد وادي الجوف في فترات من التاريخ قيام مدن وممالك مستقلة عن بعضها ومن أهم ما سجلته الاكتشافات من دويلات ومدن مثل: نشان، كمنة، هرم، إنبا، براقش، البيضاء، نشق، ومدينة قرناو، جميعها كانت تتحدث لغة خاصة تسمى اللغة المعينية وأحيانا تسمى "اللغة المذابية" نسبة إلى وادي مذاب وتتدفق مياه الأمطار والسيول إليه من الجبال الواقعة في حدود محافظة صعدة، والتي اكتسب هذا الوادي شهرة كبيرة في التاريخ القديم، حيث كانت الجنان الخضراء الواقعة على جنباته نظراً لوفرة المياه فيه".
ويضيف: "أهمية الجوف الأثرية تقتضي بالفعل وجود خطة واضحة وبرامج للتنقيب، تتزامن مع فرض حماية صارمة لإرث البلاد من الآثار في هذه المحافظة من التعديات التي تحصل من وقت لآخر من قبل البعض".
ويرى أن "المواقع الأثرية في وادي الجوف تتعرض -للأسف الشديد- لأقسى وأبشع أنواع العبث، جراء عمليات الحفر والبحث العشوائي من قبل تجار الآثار، حيث يبلغ مستوى التعامل السيئ مع تلك المواقع الأثرية أعلى مستويات الخطورة، ويلجأ بعض تجار الآثار إلى البحث عن ضالتهم من اللُّقى الأثرية بواسطة الجرافات، رغبة في الوصول السريع إلى الآثار لتنتهي بدورها إلى خارج الحدود".
ويشير إلى أن "الكثير من المعلومات عن حضارة وادي الجوف مازالت مدفونة تحت الأرض، وقد كشفت المؤشرات التي جاءت بها بعض الحفريات المنفذة من قبل علماء الآثار، أو حتى من قبل أولئك الذين يمارسون أعمال السطو على الكنوز الأثرية في وادي الجوف".
ويقول: "عملت كل ما بوسعي من أجل حفز الجهات ذات العلاقة على القيام بدورها من أجل حماية المواقع الأثرية ووقف العبث الذي تتعرض له الآثار، بما فيها قبور الأجداد، وآمل أن تتواصل الجهود من أجل وضع حد لتلك الممارسات من قبل السلطة المحلية والجهات المعنية في الحكومة، ذلك أن أمة بلا تاريخ أمة بلا هوية".
ويؤكد أهمية المحافظة، "وأهمية مكنونها ودور ذلك في الاستفادة ورفد الخزينة العامة للدولة وقبل ذلك الدفع بعجلة التنمية المحلية".
ويعتبر مشاكل المحافظة مترابطة ومتشابكة، و"ذات صبغة ثقافية وتعليمية واجتماعية كلها مجتمعة تعتبر مسؤولة عن تأخر التنمية في المحافظة، ومن الأهمية بمكان ألا نغيب مسألة هامة تتمثل في عدم اعتماد الخطط والبرامج الواضحة والمدروسة للمشروعات التنموية بحيث يتم اعتمادها وتنفيذها وفق الاحتياج والمنفعة والاستخدام وليس اعتماد المشروعات هنا وهناك بناء على عوامل جهوية أو مناطقية أو فردية، وتظل بدون استخدام بعد تنفيذها لأسباب متعددة".
ويشير إلى ضرورة التوجه لتنفيذ مشاريع تنموية كبيرة "كفيلة بأن توفر عمالة، وتوفر حراكا اقتصاديا يفيد المحافظة وأبناءها والبلد بشكل عام".
ويقول: "من أجل ذلك ولجملة من الاعتبارات ينبغي أن يتم إشراك المجتمع المحلي في عملية الحماية والرعاية والصيانة للشركات والمستثمرين بشكل عام، وذلك من خلال تكوين مؤسسة أهلية بحيث يكون مجال عملها الاستثمار الزراعي والصناعي، والقيام بالتوكيلات المحلية للشركات التي ترغب في الاستثمار في موارد المتاحة في المحافظة، وإبرام عقود ذات صبغة خاصة بالمعالات والخدمات طبقاً للقانون المنظم لمثل ذلك، ويمكن للمؤسسة أن تساهم في مجال الخدمات الاجتماعية من خلال مزاولة جميع الأعمال التي تهدف إلى توثيق الترابط والتراحم بين مختلف الجماعات والأفراد في إطار أبناء المحافظة، ويمكن بسهولة التعاون والتنسيق معها في تسهيل نزول المشروعات والاستثمارات العامة والخاصة والمساعدة الجادة في توفير البيئة المناسبة لتنفيذ المشروعات ومجالات للاستثمار، ودعمها بما يسهل عليها المشاركة والمساهمة في إدخال الخدمات الهادفة لإحياء التكافل الاجتماعي المنظم على أساس المنفعة المشتركة، والعمل في مجال التجارية والزراعية والإسكان والسياحة وغيرها من مشروعات التنمية الاقتصادية والاجتماعية في المحافظة".
ويرى أن هـذا المقترح له جملة من الأهداف والغايات، من أهمها "مشاركة المجتمع المحلي في دعم مشروعات التنمية في المحافظة عبر المجتمع المحلي نفسه بعد تنظيمه من خلال جهة اعتبارية يسهل التعامل معها، وهذا التوجه نوع من أنواع إدخال ثقافة: اعمل وازرع لتحصد".
ويضيف: "بما أن المحافظة مكونة من 12 مديرية، لذلك أقترح أن يكون عدد المؤسسين 10 أشخاص من كل مديرية، بحيث يصير عدد المؤسسين إجمالا 120 فردا، وبحيث يكون قيمة السهم للمؤسسين 100 ألف ريال، وينبغي أن يتم اختيار المؤسسين بناء على مواصفات عالية بحيث يكون كل عضو مؤسس من أبناء المحافظة ويتمتع بجملة من الصفات ومنها: الثقافة، الوعي، الفهم، الإدراك، التمثيل الاجتماعي، حسن السمعة، قوة البأس، الصدق، الأمانة، الوطنية، الثقافة، الرغبة، القدرة، الكفاءة... الخ؛ وبحيث يتم اختيار الهيئة الإدارية من المؤسسين بصورة دائمة، وبعد ذلك تكون الدعوة عامة لأبناء المحافظة لشراء أسهم بحيث يكون قيمة السهم مبلغ 1000 ريال فقط، بحيث يكون بمقدور أي فرد شراء أسهم في المؤسسة، وكلما تم توسيع دائرة المشاركة العامة، كان ذلك أفضل لتحقيق الأهداف والغايات المنشودة. من أجل ظروف المحافظة الاستثنائية".
ويقول المحافظ السابق ناجي ثوابة: "من خلال المعلومات المستقاة من الميدان، وقراءتي للوضع العام في المحافظة، وبعد تناول كل الخيارات الممكنة بشيء من التحليل والتفحص والتمحيص، لم أجد أفضل من خيار إنشاء المؤسسة، بحيث تهدف في الأساس إلى ضمان المشاركة المجتمعية في تأمين الاستثمار والمستثمرين، ومحاربة ظاهرة التقطع والاختطاف والقطيعة المجتمعية وغير ذلك، وضمان تنفيذ برامج الخطط الاستثمارية التنموية، وتحريك عجلة التنمية، وإيجاد حراك اجتماعي طيب الصيت، ومحاربة ظاهرة التطرف والخروج من الصف المجتمعي الحميد، من خلال مشاركة المجتمع المحلي في الحماية العامة والخاصة، وتجنيب المنطقة المواجهة بين المواطنين من جهة وأفراد الجيش والأمن من جهة ثانية لتحقيق نفس الأغراض، على أن يواكب عملية الإنشاء والتأسيس حملة توعوية وإرشادية هادفة من خلال البرامج والأنشطة الطلابية والمجتمعية بمختلف أنواعها".
وفيما يتعلق بتأخر برامج التنمية في المحافظة يقول: "بلا شك هناك جملة من الاعتبارات والعوامل، منها الأوضاع الاجتماعية المعقدة، وغياب التعليم والخدمات وبرامج التوعية والتثقيف، وعدم تبني مشروعات تنمية الأسر المنتجة الصغيرة والكبيرة المرشدة والمنظمة، وزيادة نسبة البطالة والأزمة الاقتصادية التي تلحق بجميع مستويات الأسر في المحافظة، كلها عوامل مترابطة ويصعب فصلها وهي كفيلة بأن تؤدي بالكثير من أبناء المحافظة إلى الانحراف، ولسنا بحاجة إلى ضرب أمثلة".
صحيفة السياسية
أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر
إطبع الخبر
معجب بهذا الخبر
انشر في فيسبوك
انشر في تويتر
المزيد من "تحقيقات"

عناوين أخرى

الافتتاحية
حوارات
جريمة الرئاسة
مقالات
في زيارتي للوطن.. انطباعات عن صمود واصطفاف ملحمي
اياد فاضل*

هم ونحن ..!!
د. عبد الوهاب الروحاني

اليمن يُغيّر مفهوم القوة
أحمد الزبيري

مسلمون قبل نزول القرآن الكريم.. فقه أهل اليمن القديم
الباحث/ عبدالله محسن

الأقلام الحُرة تنقل أوجاع الناس
عبدالسلام الدباء *

30 نوفمبر عيد الاستقلال المجيد: معنى ومفهوم الاستقلال الحقيقي
عبدالله صالح الحاج

دماء العرب.. وديمقراطية الغرب؟!
طه العامري

ترامب – نتنياهو ما المتوقَّع من هذه العلاقة؟!
ليلى نقولا*

أين هو الغرب من الأطفال الفلسطينيين السجناء وهو يتشدَّق دوماً بحقّ الطفل؟
بثينة شعبان*

صراع النملة مع الإنسان ولا توجد فرص أخرى للانتصار!!
د. أيوب الحمادي

دغيش.. البرلماني الذي انتصر للوحدة حتى المَنِـيـَّة
خالد قيرمان

جميع حقوق النشر محفوظة 2006-2024 لـ(الميثاق نت)