تحقيق: منصور الغدرة -
في مساء 3 أغسطس عام 2004م كان أكثر من »2500« موظف وعامل ومن خلفهم مئات الأسر التي يعولونها- من عمال شركة انتاج وتسويق الملح والجبس بالصليف.. كانوا يتزاحمون أمام شاشة التلفزيون لسماع النبأ والبشرى في نشرة التاسعة لذلك اليوم، لتزف لهم حلمهم في التملك لقوت يومهم ومستقبل أبنائهم في لقمة عيشهم الشريفة.. ظل صخب، وضجيج الأطفال إلى أن جاء دور قراءة الخبر الخاص باجتماع مجلس الوزراء فساد الصمت بمجرد أن قال المذيع: »وافق مجلس الوزراء في اجتماعه على إعادة هيكلة شركة انتاج وتسويق الملح والجبس بالصليف محافظة الحديدة، وذلك بتحويلها إلى شركة مساهمة يمنية يمتلك اسهمها جميع العاملين فيها بالتساوي«.. وهذا ما تضمنه القرار رقم »124« لسنة 2004م، في فقرته الخامسة.
ذلك اليوم عمت الفرحة في أوساط موظفي وعمال الشركة وأسرهم، واعتبروه- حينها- يوم سعد، غير مدركين لما يخطط له »حمران العيون« دوماً- أنه سيتحول إلى يوم شؤم لهؤلاء الكادحين ومن الذين أمسوا »شقاة في شركة وأصبحوا ملاكاً لها«.. كان النافذون ممن اعتادوا على »الفيد« ونهب الحقوق بشقيه العام والخاص لسرقة فرحة اولئك العمال وتحويلهم إلى مشردين ومتسولين أو على الأقل إلى مشارعين، لا إلى ملاك.
القضية تفاصيلها تدمي القلوب تبدأ بصدور قرار مجلس الوزراء حيث شرع المكتب الفني باللجنة العليا للخصخصة بتنفيذه على أرض الواقع وبتسليم الشركة بكل أملاكها وأصولها إلى الشركة المساهمة الجديدة، وهي الأصول الثابتة والمنقولة التي كانت مملوكة للشركة وكذا المباني والمواقع والمحاجر والمناجم المملوكة للدولة والتي كانت مستغلة من قبل الشركة في كل من منطقة الصليف واللحية والقمة.. وذلك مقابل استيعاب الشركة المساهمة الجديدة لكامل الموظفين وضمان استمرارهم في العمل بكافة حقوقهم التي تكفلها القوانين.. هذا وفق مانصت عليه الفقرة رقم »5« من قرار مجلس الوزراء..
وبعد أن استكمل الفريق الفني اجراءات نقل الشركة من وضعها القديم إلى وضعها الجديد.. انتقلت إدارة الشركة الجديدة إلى مباشرة عملها الميداني واستكمال إجراءات بسط اليد على مناجمها وإبرام عقود الايجار مع الهيئة العامة للأراضي والمساحة والتخطيط العمراني في المناجم والمحاجر ومواقع وجبال الملح في الصليف والمنيرة والقمة واللحية وهي المواقع التي كانت تملكها شركة إنتاج وتسويق الملح والجبس- قبل خصخصتها..
يؤكد ذلك عقد ابرمته الشركة مع فرع هيئة الأراضي والمساحة والتخطيط العمراني بالحديدة بتاريخ 2008/1/1م لمدة خمس سنوات بإيجار سنوي »1.662..387« ريال.. لموقعي جبل الملح، كنشعة بمديرية اللحية، وتم توريد المبلغ بموجب اشعار البنك المركزي اليمني رقم »715010041108/003236« بتاريخ 2008/3/17م..
وأورد عقد الايجار الموقع من الجهات الأربع والمساحة بالمتر، كما تضمنت وثائق القضية مخططات للمواقع المسقطة والمؤجرة للشركة.
وعقد ايجار آخر بمنجم جبل القمة ومساحة أخرى بجانبه للتوسع المستقبلي، ووردت الشركة قسيمة الايجار السنوي بموجب سند رقم (041108004071=34501) بتاريخ 2008/4/10م كما وردت مبلغ 1.662.381ريالاً ايجار منجم الجبس بمديرية اللحية، وفق سند رقم »159457« بتاريخ 2008/3/16م وحمل ملف الوثائق التي حصلت عليها الصحيفة ترخيص لمزاولة النشاط من هيئة المساحة الجيولوجية والثروات المعدنية بتاريخ 2006/11/17م..
إلى هنا وشركة انتاج وتسويق الملح والجبس المساهمة تعمل بأمان، وملاكها الجدد يثابرون ويجتهدون.. لكن مع اطلالة العام يوم 2008/1/9م بدأ »حمران العيون« بتنفيذ مخططهم لنهب الشركة.. حيث توجد وثيقة ايجار صوري لأملاك الدولة من شخص يدعى الساكت، والذي حسب المستند أنه اجر مساحة 20 معاد في جبل الملح باللحية بايجار سنوي ثلاثة آلاف ريال للمعاد الواحد.. ولم يذكر المستند ما الأساس الشرعي الذي استند عليه كاتبه وباع بموجبه البائع للمشتري- المدعو »ص.ز« القيسي..
الأفظع من ذلك أن هذا يتم مع الأسف بمساعدة متنفذين، وأيضاً بدعم ومساندة أعضاء في السلطة المحلية بمديرية اللحية في المحافظة.. بل ان اطماع البعض وتمرسهم على الاستفراط بالحق العام الذي كان فيما مضى مهاباً- وهو ما تؤكده وثيقة معنونة بـ»عقد ايجار« ابرمه مدير مديرية اللحية مع النافذ- الذي سمي في العقد مستثمراً بتاريخ 2007/10/23م المسؤول المحلي أجر جبل الملح بمديرية اللحية مقابل حصوله على نسبة 3٪ من المواد المستخرجة بعد البيع.. بل أنه عند تحديد الجبل للموقع المؤجر قال يحده شرقاً مملحة الكميم- مع أنه لايوجد في المنطقة أرض مملوكة لشخص يحمل هذا الأسم وإنما هناك الموقع مملوك للشركة، وعادل حسين الكميم يتولى فيها منصب رئىس مجلس الإدارة..
سارع مدير المديرية في انجاز الصفقة قبل أن يلتفت اليها أحد.. فراسل السلطات المحلية في المحافظة وهيئة مساحة الجيولوجية وخاطبها بسرعة منح المستثمر ترخيصاً لموقع جبل الملح باللحية- وساق المسؤول المبررات الكثيرة في رسائله للمحافظ وهيئة الجيولوجية لتصديقه، وبالتالي تمكين المستثمر بتحقيق مايطمع الحصول عليه.. وفعلاً حصل من هيئة الجيولوجية على عقد استغلال رقم »5« لخام الملح والجبس في منطقة جبل العقيلية بمديرية اللحية بمساحة 200 ألف متر مربع، وذلك بتاريخ 2008/3/1م..
لكن المستند هذا-عقد استغلال- لايحمل لاختماً ولا توقيعاً وأيضاً الديباجة المفرطة له والتي تحاول التبرير للجهة أن إجراءاتها سليمة وأن الموقع ليس ملكاً للدولة وأنها فقط تقوم بمنح الترخيص للمستثمر فقط.
بطعم الملح
لكن ما بدا واضحاً أن هناك فهماً خاطئاً للفقرة أو البند رقم »5« من قرار مجلس الوزراء رقم »214« لسنة 2004م.. والقاضي بإعادة هيكلة الشركة وتحويلها إلى شركة مساهمة للعمال فيها.. حيث تعاملت هيئة المساحة الجيولوجية والثروات المعدنية أن تحويل الشركة إلى شركة مساهمة هو اسمياً فقط دون أصولها وممتلكاتها ورأس مالها..
المكتب الفني للخصخصة قد أوضح في أكثر من مذكرة وجهها لهيئة الجيولوجية منطوق نص الفقرة »5« من قرار مجلس الوزراء يقول: على أن تخضع المناجم والمحاجر المستغلة من قبل الشركة لنصوص القانون رقم 24 لسنة 2002م والخاص بالمناجم والمحاجر ومايترتب عليه.. وأن هذا ينطوي عليه منح الشركة المساهمة الجديدة حق استغلال المناجم والمحاجر التي كانت تستغلها شركة انتاج وتسويق الملح والجبس.. باعتبار ان استخراج مادتي الملح والجبس وتسويقهما محلياً وخارجياً يمثل هدف تأسيس الشركة ومحور نشاطها وقوام استمرارها..
وتضيف مذكرة المدير التنفيذي للمكتب الفني للجنة العليا للخصخصة- بتاريخ 2008/4/1م أي أن هذا يعني أن عوامل ومقومات الشركة من أصول ومنقولات ورأس مال تؤول إلى الشركة الجديدة مباشرة..
وحذر مكتب هيئة الجيولوجية من التجاوزات لاختصاصاتها ومنح تراخيص للغير في المواقع المملوكة للدولة أصلاً والتابعة لشركة انتاج وتسويق الملح والجبس المساهمة..
رغم كل ذلك إلاّ أن الهيئة الجيولوجية مضت في منح التراخيص لأشخاص آخرين من املاك الدولة في المواقع التابعة للشركة..
بعد الترخيص رقم »5« الممنوح من هيئة الجيولوجية بدأت الاجراءات التنفيذية تدور تروسها على أرض الواقع- حيث قام المدعو القيسي بالاعتداء على موقع الشركة في جبل الملح بمنطقة الكشعة بمديرية اللحية، طبعاً يتم هذا بمساعدة بعض النافذين في المحافظة ورغم التوجيهات الصادرة لمدير المديرية بضبط المذكور ومنعه من الاعتداء على مناجم ومحاجر الشركة إلاّ أنه لم ينفذ أياً من تلك التوجيهات، ومازال المعتدي يمضي في اعتداءاته، بقوة وإرادة الداعمين.
ليصل أخيراً أمر استغاثات وصراخ ضحايا السطو على الشركة من المواطنين والعاملين في الصحافة- والسلطة التشريعية التي أوفدت لجنة برئاسة مقرر اللجنة الدستورية في المجلس- النائب سنان العجي وعادت اللجنة من مهمتها الميدانية في الحديدة أمس الأول- السبت- بعدما قامت بزيارة مناجم الملح والجبس التي تعرضت للنهب، التقت خلالها بالسلطة المحلية في المحافظة وأيضاً الضحايا المتضررين من موظفي وعمال شركة إنتاج وتسويق الملح، وأكدت اللجنة البرلمانية أن كل المناجم تعرضت للنهب، ويتوقع أن تقدم تقريرها عن القضية إلى المجلس هذا الأسبوع.
تزوير
> الاعتداء الذي تعرض له موقع- أو منجم الشركة في جبل الملح بمديرية اللحية- شجع أخرين على الاعتداء على مناجمها في جبل القمة بمديرية المنيرة بالصليف.. لكن الفرق بين قضيتي الاعتداء أن مدير مديرية المنيرة هنا يقف في صف الحق- مع الشركة وكان الاعتداء الذي حدث يوم 2008/4/13م من قبل »ن.أ. الشرفي« والذي اعتدى على موقع الشركة في جبل القمة واستند هذا في اعتدائه ليس على عقد ايجار من رئىس المجلس المحلي في المديرية وإنما على وثيقة بيع مزورة، إذ قام شخص يدعى »م. ع. القحم« بعملية البيع والموقع عبارة عن منجم للملح والجبس بمساحة ألف معاد وبمبلغ بليون ريال.
وثيقة البيع المزورة حررت بتاريخ 2008/4/13م يعني في نفس اليوم الذي تم فيه الاعتداء على الموقع..
بخط شخص ليس من أبناء المنطقة، واختصاصه كأمين
> اطماع حمران العيون من النافذين والناهبين لأملاك الدولة وحقوق المستضعفين لم تتوقف عند مواقع شركة انتاج وتسويق الملح وإنما أمتدت إلى نهب وتزوير وثائق بأراضي ومواقع كثيرة- منها أراضي املاك الدولة التابعة للمنطقة العسكرية الشمالية الغربية.. وهو ما تؤكده الوثائق التي تحتفظ بها الصحيفة.