كان لليمن ادب وشعر كثير، وأدباء وشعراء كثيرون قبل الاسلام وبعده، سواء أكانت هذه الكثرة داخل اليمن لم يتطرق اليها مؤرخو الادب العربي لبُعد اليمن عن مراكز الجذب في مكة والمدينة، ودمشق، وبغداد، أو كانت هذه الكثرة خارج اليمن، وقد حظيت بقسط من الدراسة والذكر الحسن من خلال ادب وادباء وشعر وشعراء يمنيين نزحوا الى أجزاء كثيرة من الوطن العربي خارج الجزيرة العربية وداخلها قبل الاسلام، او عند ظهور الاسلام او بعده.
ولأن تاريخ العرب الادبي واحد، موضوعات، وهموماً ومناحي، واتجاهات ومراحل، واليمن بتاريخه وتاريخ ادبه جزء من هذا التاريخ العام، مؤثر متأثر في كل متغيراته وتحولاته وتطوراته، ومشارك مشاركة فعلية في مجراه ومسار حياته فإن اية محاولات لفصل تاريخ الادب والشعر في اليمن عن المسار العربي العام او خلق مبررات الاختلاف لغة واداء وموضوعاً -ماعدا بعض السمات المحلية الخاصة- قد تؤدي الى اصدار احكام مجازفة، وتشير الى نقص التمحيص عند طرح المقدمات مما يسبب خطأ في الاستنتاج وبالتالي النتائج.
وتلك السمات المحلية الخاصة للادب والشعر في اليمن قد يتمثل بعضها في :
١- التمرد على بعض اعراف القبيلة، وتقاليد المجتمع غير المتمدنة، او الانسانية.
٢- ظاهرة الخزن والاسى من أجل حضارة اليمن الغاربة بدلاً عن الوقوف على الاطلال والدّمن، والمنازل والرسوم الذي كان من سمات الشعر في شمال شبه الجزيرة العربية.
اما التغني بالفروسية والبطولات الفردية وكرائم الاخلاق العربية وامجاد القبيلة فقد كانت سمات او صفات مشتركة للاديب والشاعر العربي في شبه الجزيرة العربية كلها شمالها وجنوبها.
والمراجع لأمهات كتب تاريخ الادب العربي يجد اسماء بارزة من اليمنيين كانوا من حملة السيف والقلم والفروسية والقيادة وهم :
١- إما مهاجرون من اليمن الى الحجاز او الشام او العراق في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام، او عهد الخلفاء الراشدين، او عهد بني امية مثل : عمرو بن معدي كرب الزبيدي، وفروة بن مسيك المرادي، ويزيد بن عبدالمدان، ومالك بن نمط الهمداني، وامرؤ القيس بن عابس الكندي، وهذا الشاعر له قرابة بامرئ القيس المشهور، وهؤلاء وفدوا على النبي صلى الله عليه وسلم على رأس وفود من قبائلهم وكذلك الأشتر النخعي، والنجاشي ووضاح اليمن وغيرهم بعد ذلك.
٢- وإما شعراء وادباء نزحوا او نزح آباؤهم في تلك الهجرات الجماعية التي يحدثنا عنها تاريخ العرب كاللخميين وآل غسان، والاوس والخزرج وقضاعة والازد، وغيرهم ومنهم امرؤ القيس الشاعر المشهور، وحسان بن ثابت، والطرماح بن حكيم، ويزيد بن مفرغ، والسيد الحميري، وعدي بن الرقاع وغيرهم..وبانتشار الدعوة المحمدية وظهور الاسلام حدث ضعف وهزل في جسد الادب والشعر العربي ومنه الادب والشعر في اليمن. إلاّ ان اليمن استبدلت بالادب والشعر اللذين صدرتهما بكثرة فقهاً وتشريعاً غزيرين على يد الطفيل الدوسي اليمني، ومعاذ بن جبل، وابي موسى الاشعري.
الحكمة والخطابة
ويذكر لليمن انها صدرت الى جانب الشعر والادب فن التأليف والحكمة والخطابة، ويعد عُبيد بن شرية اول من صنف الكتب من العرب، وهو من الخطباء الحكماء قبل الاسلام وادرك الاسلام، واستقدمه معاوية بن ابي سفيان الى دمشق ليروي له اخبار الاقدمين من العرب فحدثه، وامر بتدوين اخباره، واملى كتابين : احدهما كتاب »الملوك واخبار الماضين« طبع مع كتاب »التيجان وملوك حمير« تحت عنوان »اخبار عبيد بن شرية في اخبار اليمن واشعارها وانسابها« والثاني كتاب »الامثال«.
وقد عاش هذا الى ايام عبدالملك بن مروان.
اما الشعراء اليمنيون في هذه المرحلة فهم كثيرون إلاّ ان المؤرخين لم يذكروا منهم إلاّ من لمعوا في سماء الشعر والفروسية وازدادوا لموعاً بنزوحهم الى مراكز الحدث وشاركوا في وقائع وحروب الفتح والدفاع عن الدعوة الجديدة، من هؤلاء الشعراء من عاش في الجاهلية وادرك الاسلام ووفد على النبي محمد بن عبدالله صلى الله عليه وآله وسلم الى المدينة مثل الشاعر الفارس عمرو بن معدي كرب الزبيدي، واخباره واشعاره معروفة، والشاعر امرؤ القيس بن عابس الكندي، وله قرابة بامرئ القيس بن حجر الكندي، وله شعر قاله قبل الاسلام وبعده ووفد على النبي صلى الله عليه وسلم وعاد الى اليمن.
ومن الشعراء اليمنيين في هذه الفترة تذكر لنا كتب التاريخ اليمنية نتفاً عنهم، مثل الشاعر عمرو بن براقة فارس همدان وشاعرها، والشاعر مالك بن حريم بن مالك الهمداني والشاعر ابن الاشعب الجنبي، ومالك بن الحارث النخعي، والشاعرة اليمنية كبشة اخت الشاعر الفارس عمرو بن معدي كرب الزبيدي، والشاعر عمرو بن يزيد بن عبدالله بن الحارث، وهؤلاء الشعراء وغيرهم كان لهم شعر كثير ومكانة في قومهم وماتزال اخبارهم واشعارهم مطمورة في الكتب المخطوطة والمطبوعة اليمنية تنتظر الدارسين المهتمين.
ويبرز بعد هؤلاء الشعراء عدد من الشعراء اليمنيين على المستوى المحلي اليمني، او على المستويين القطري والاقطار العربية آنذاك، وكان الشعراء اليمنيون المهاجرون او النازحون اكثر حظاً في تناول الادب العربي من زملائهم الذين بقوا داخل اليمن، وعاشوا وماتوا بعيدين عن مراكز الجذب كما اسلفنا في مكة والمدينة ودمشق والكوفة والبصرة.
وحدة المسار
ان الباحث الحصيف قد لايستطيع ان يؤكد سمات وملامح كبيرة للادب في اليمن منذ ماقبل الاسلام مروراً بالعهد الراشدي وحتى العهد الاموي وبداية العصر العباسي سوى بعض السمات المحلية التي ذكرنا بعضها سابقاً، والتي فرضت نفسها على الاديب والشاعر من خلال الظروف التاريخية التي مرت بها المجتمعات العربية المتنافرة، والمختلفة فيما بينها عادات وتقاليد واسلوب حياة استجابة للموروث الثقافي والحضاري، وتفاوت البيئة بين بدوية وصحراوية، وقبلية شبه متمدنة.. ومايستطيعه الباحث هو التأكيد على وحدة مسار الادب العربي واتجاهاته العامة في المنطقة العربية آنذاك ابتداءً من تاريخ وحدة اللغة العربية الفصحى في شمالها وجنوبها، والتي أكدت لغة القرآن الكريم وحتى الفترات اللاحقة.
ولنضرب مثلاً بشاعرين من اليمن برز احدهما خلال الفترة الممتدة من بزوغ الاسلام حتى العهد الاموي، وهو الشاعر الفارس عمرو بن معدي كرب الزبيدي، وظهر الثاني او برز في العهد الاموي وهو الشاعر الرقيق المعروف بوضاح اليمن، وهما من الشعراء الذين لايختلف اثنان على نسبتهما الى اليمن، وعلى بعض شعرهما المدوَّن.
ان شعر الأول في الجاهلية لايخرج عن طبيعة الشعراء الفرسان اداء ولغة ومعاني واعتداداً بالقبيلة والفروسية والتغني بمكارم الاخلاق العربية المتعارف عليها.
ليس الجمال بمئزر ا وإن رُدّيت بُردا
إن الجمال معادن ومناقب أورثن مجدا
أعددت للحدثان سابغة وعدَّاء علندا
وعند ظهور الاسلام يقل شعر هذا الشاعر الفارس او يضعف، مثله مثل اقرانه من الشعراء العرب الفرسان.
ولايختلف الشاعر الثاني وضاح اليمن عن أمثاله من الشعراء الذين ظهروا وبرزوا في العهد الاموي كشعراء حب وغزل، اذ لا نجد فرقاً بين قاموس شعره وقاموس شعراء المرحلة الغزليين اداء ولغة ورقة عواطف، ومشاعر تجاه الحب، ومن يحب، كما لانجد فارقاً كبيراً في مكونات شخصيته الشاعرة في صنعاء »شعوب« وبين مكونات شخصياتهم في بيئة دمشق مما يدل على أنه وجد في اليمن شعراء كثيرون من الصنف نفسه، وبالمستوى الشعري نفسه، ونوع ولون الشعر، لم تصل اليهم اقلام التدوين والتوثيق.
من شعر وضاح :
قالت : ألا لا تلجن دارنا
إن أبانا رجل غائرُ
قلت : فإني طالبٌ غِــرَّة
منه، وسيفي صارم باترُ
قالت : فإن القصر من فوقنا
قلت : فإني فوقه ظاهرُ
ويبدو في شعره متأثراً بمدرسة امرئ القيس التي تأثر بها امثاله من شعراء العهد الاموي ونجد تشابهاً الى حد ما في المناخ السياسي والثقافي، والبيئة الاجتماعية بينه وبينهم.
ان وجود هذين الشاعرين اليمنيين لدليل على وجود شعراء كثيرين، وتنوع الشعراء على أيديهم في اليمن وتجانس مع الشعر المدون لشعراء تلك المرحلة.
وان اهمال تدوين ادب تلك الفترة كان لأسباب مختلفة، منها الجغرافية، والسياسية، والتاريخية، وقد آن للبحث الادبي الموضوعي ان يشق طريقه لاستكمال ربط الحلقات الغامضة والمفقودة من تاريخ الادب والفكر في اليمن، لا للتباهي وابراز التفوق او التميز، وانما لمعرفة حجم الدور الذي قامت به اليمن في تكوين وصنع العهد الجديد الذي بدأ بظهور الاسلام، وبدأت به تلك المتغيرات المهمة التي هزت وخلخلت كل جسد الكيان العربي آنذاك، والبشرى بشكل عام.
❊ المصدر: الموسوعة اليمنية
|