د. عبـــدالعــزيز المقــالـح - بعد سنوات من السبات الثقيل بدأ ضمير أوروبا ينهض ويترجم ما كان مخزوناً ومستتراً من المشاعر تجاه الكيان الصهيوني الذي خلقته سياسة ما بعد الحرب العالمية الثانية بانتهازيتها وتصوراتها غير الانسانية.. وكان كتاب ومفكرون اوروبيون كثيرون ينتظرون هذه اللحظة، لحظة صحوة الضمير الأوروبي الذي كانت الحرب الدامية قد اربكته وجعلته يحل ما سمي بالمشكلة اليهودية على حساب الفلسطينيين والعرب الذين كانوا اصدقاء اوفياء وشركاء في التصدي للنازية وما كانت تمثله من مبادئ تدميرية وعنصرية لا انسانية.
واذا كان سوط اللاسامية قد ظل سيفاً مصلتا على رؤوس المفكرين والعقلاء الأوروبيين طوال هذه الفترة التي طالت من أعقاب الحرب العالمية الثانية حتى وقت قريب، فإن هذه السوط لم يعد مخيفاً سيما وقد فضح الكيان الصهيوني نفسه بنفسه من خلال ما يقوم به من عدوان على العرب ومن تقتيل يومي للفلسطينيين وتدمير بالغ القسوة لما تبقى من أراضيهم الخاضة لأبشع انواع الاحتلال.. وذلك كله كافٍ ليثبت لكل ذي عقل وضمير ان الصهيونية لا تختلف عن النازية وانها تقيم علي أرض فلسطين نماذج متكررة لهلكوست دموي متواصل، وبعد العدوان والدمار الذي ألحقه هذا الكيان بمصر وسوريا لم يسلم لبنان الصغير منه فالحق به ما رأى العالم من القتل والدمار.
لذلك ليس غريباً ما كتبه واعلنه الكاتب النرويجي »بوستن جوردر« من ان الوقت قد حان لتعيد اوروبا النظر في الاعتراف بهذا الكيان الغريب حين يقول: »لا يجب ان نعترف بالدولة الاسرائيلية أكثر من ذلك.. كما لم نعترف بنظام التمييز العنصري بجنوب افريقيا«.. إن دولة اسرائيل في صورتها الحالية يجب أن تكون في ذمة التاريخ، نحن لا نؤمن بما يقال عنه »شعب مختار« مثل هذه التصورات مثيرة للسخرية ولا نستطيع ان نراهم يرتكبون الجرائم.. عندما يتصرف شعب وكأنه شعب الله المختار، فذلك ليس غباء وعجزاً ولكنه ايضاً انتهاك ضد الانسانية، نحن نطلق عليها عنصرية«.
ويستمر الكاتب النرويجي المعبر عن صحوة الضمير الأوروبي في تحديد ملامح الموقف الجديد: »ان هناك حدوداً لصبرنا وحدوداً لتسامحنا فنحن لا نؤمن بتلك الوعود الإلهية التي اتخذوها ذريعة الاحتلال والفصل العنصري، عليهم ان يعلموا اننا تركنا "العصور الوسطى" وراء ظهورنا وأنه لمدعاة للسخرية ان هناك البعض من هؤلاء الذي يعتقدون ان آلهة الزهور والحياة والمجرات قد اختارتهم ليكونوا احباءه دوناً عن باقي الخلق واعطاهم صحف موسى الحجرية والشجرة المقدسة واعطاهم الإله تصريحاً بالقتل! اننا نسمي الذين يقتلون الاطفال: قتلة الاطفال ولا نقبل اطلاقاً اي تفويض إلهي او سبب لتلك الافعال الشريرية اللا أخلاقية«
لقد أقضَّ هذا الموقف المعلن الصريح الذي يعبر عن الضمير الأوروبي مضاجع الكيان الصهيوني، وأمثال هذا الصوت الصادق الشجاع سوف يتكرر ويتعالى، ليجد الكيان القاتل نفسه محاصراً من كل الجهات ولن تنفعه ان تقف الانظمة الكبرى الى جواره مساندة وداعمة اذا كانت شعوبها قد بدأت تستيقظ وبدأ ضميرها يصحو.
|