د. وهيبة فارع -
بكثير من الإحساس بالصدمة المجتمعية لما يحدث في صعده من تخريب لعقول شبابنا وتوجيههم نحو العنف، وجدنا بعضنا يطلق عليها اسم كارثة أو فتنة أو إرهاب ، لكن اقل ما يقال بان ما يحدث في صعدة ما هو إلا انتهازية متطلعة إلى المال الحرام تحت شعار دنيء ورخيص في توقيته ومضمونه وأهدافه استغل شبابنا دون رحمة ، ففي التوقيت تتوافق مع سياسة استعمارية أمكن بثها في العالم الإسلامي تحت شعارات إنسانية وحضارية ودينية مدفوعة الثمن ، وفي المضمون تخدم إطماعا فردية وتلبي رغبات عنصرية مكبوتة في قهر وتركيع شعب بأكمله بمفاهيم انتفض عليها في ثورة قدمت الآلاف من الشهداء، وفي الأهداف تخدم فكرا منحرفا وغريبا عن الأمة ومعتقدها ،
فهل كان المخطط يمنيا بعد هذا وهل كان له ما يبرره من إحساس بظلم أو طلب لحق أو قضية ؟.
أحداث صعده افتعال لم يكن لها ما يبرره ولم تكن ذات طابع يمني أو هدف وطني يتطلع إليه مواطن سليم العقل والحواس خصوصا وإنه يأتي ضد رغبات اليمنيين على اختلاف توجهاتهم وانتماءاتهم ، وانه لا يحمل مبررات ولا يستند إلى معطيات أو حجج أو انتماء لحرية فكر أو إطلاق عقل أو اجتهاد أو مصلحة عامة ولا يحتمل السكوت عليه
ما حدث فعلا كان عملا غير مسبوق ومحاولة حركية سطحية لبست عباءة أجنبية لإيجاد بعد شعبي وإقليمي لتوجهها العقائدي الذي لا ينجح معتنقوه إلا في ضرب الأهل بالأهل ، ومحاولة لتجريب واختبار الساحة اليمنية لإنجاح معتقدها الهدام وتصديره إليها، من خلال الاتجار بالسياسة التي انتهت بالمقايضة بالأرض والعرض خصوصا عندما تخفت في أوساط الشباب حديثي التجربة والخبرة ، ونفذت من قبل مجموعة تعرضت لغسل أدمغة أفرادها للاتجاه بمحيطها نحو اعتناق فكر خاطئ بدعم مالي وتعبوي وتدريب عسكري للإطاحة بالسلام والأمن الاجتماعي.
هذا العمل أدى بمرتكبيه إلى اقتراف أخطاء غير محسوبة النتائج كلفت المجتمع الكثير من الخسائر الأرواح والأموال ، تحت إغراء خارجي لفئة من الشباب ووعدهم بالغنى والحياة المريحة أو الموت المريح بعد تنفيذ أهداف غير محدودة والتسلل بين الفقراء وصغار السن وقليلي المعرفة والخبرة وسوقهم نحو طريق ظاهرها الرحمة وباطنها الكفر بكل ما هو إنساني أو وطني أو ديني لتختلط النوايا الشريرة بالأكثر شرا، وليصبح ضحاياها هم أصحاب النوايا الحسنة وكل الوطن.
والحدث رغم جسامته بالنسبة لنا هو قضية تنشئة لم يختلف أحدا على إنها قد لقيت من التساهل المجتمعي أول الأمر ما جعلها تنحى أبعادا خطيرة ، وتتجاوز ما يفوق تصور الفرد العادي بتحويرها معاني التسامح وحرية الفكر والمعتقد لتذهب بحسن النية إلى محاولة بث الفرقة وتمزيق النسيج الاجتماعي والوحدة الوطنية بغلو وتطرف من أفراد يِدَعون سلفا أنهم إنما يعدون أنفسهم للجنة بعمى بصر وبصيرة ، ولكن بعيدا عن آداب العقل والنقل المتاح للاجتهاد .
ويذكرنا ما يحدث بحالات مرضية كثيرة تعرض لها بعض الشباب الذين غرر بهم فكريا في بعض المجتمعات الأوربية والأسيوية فدفعتهم نحو الانتحار الجماعي بإفرادهم ومجموعاتهم بل وأسرهم في جهل لآداب عقائدهم وتحريفها ومواجهة مجتمعاتهم بالرصاص، فقد تعرض هولا إلى توجيه مبرمج خاطئ لم يخضع لرقابة مجتمعية فاتجهوا بطاعة عمياء ينفذون مخططات إرهابية ظنا منهم أنهم إنما ينفذون العدل الإلهي عن إيمان وقناعات مطلقة ولم يشعروا بأنهم أصبحوا أدوات للدمار النفسي والاجتماعي تحت مفهوم الحرية الذي انتهى بكوارث إنسانية مفجعة
وقد تكون مثل هذه الظواهر متوقعة أو محتملة الحدوث في مجتمعات تعيش الفراغ الديني والعاطفي والاجتماعي والنفسي ، لكن المخجل أن تحدث في مجتمع عربي ومسلم لا يقبل بانتحار فرد فكيف بانتحار جماعي يحرق نفسه ومن حوله من اجل أوهام مزعومة ، ويرهن نفسه ومستقبله وبلاده لحركة مهووسة همها أن تجند ماتطاله يدها وأموالها في أكثر من مكان لتؤكد إنها على حق وان كانت على باطل ،وتوحي للناس بأنها تحمل مشروعا حضاريا بينما هي تعمل على هدم كل ما هو حضاري وأنساني
ومثل هذه الجماعات لا تعمل إلا في الظلام من استقطاب وتدريب للشباب لان من يؤسسها يحرص على ألا تلقى توجيها أو تصحيحا من أحد ، وبالتالي يصعب التعرف على أفكار محركيها ومنظميها ، وهذا التخفي وهذه السرية ناهيك عن الدعم الخارجي الذي لا يعرف احد مصادره أو حجمه مؤشرات على إن ما تمارسه مثل هذه المجموعات غير صحي وانه يحمل أفكارا شيطانية وغير مقبولة في مجتمع منفتح متعدد الرؤى والاتجاهات السياسية يؤمن بالله وكتبه وملائكته ورسله واليوم الآخر، وانه يضر بالتعددية السياسية والمعارضة التي التقطت بعضها تداعياتها للتشهير باليمن تماما كما يضر بالوطن!
وإذا كان للحركات السياسية ما يبرر وجودها وأحقيتها في معارضتها السلمية ، إذ ا طرحت برامجها بشفافية ولم تسيء للآخرين من أحزاب وإفراد ومجموعات وقبلت بالحوار السلمي وبفرص النجاح القائمة على المساواة والعدالة الاجتماعية لتعارض وتدافع عن أفكارها دون إضرار بالسلم والأمن المجتمعي، فإنها بذلك تتحرك ضمن أصول وقواعد التعددية والمعارضة بالرأي ووفق مبادئ لا يختلف عليها احد وان لم يتفقوا حول كل أطروحاتها فالأصل في التعددية الاختلاف الذي لا يفسد الوطن
لكن ما لا يتفق عليه احد أن تستغل مجموعة ما، أفرادها للعمل ضد المجتمع ودستوره ومواثيقه وان تنتهز فرص الاستقرار والتسامح لتقفز على رقاب الجميع لتوهمهم بأنهم جهلة وإنها قد أحيطت بالعلم والفهم والتوجيه الإلهي فأصبحت تملك حق الوصاية والولاية والعصمة التي لا يستحق المجتمع سوى مباركتها ولو بالقوة، فتلك كارثة على نظامنا التربوي والاجتماعي والسياسي الذي تساهل مع هذه الظاهرة في بداية الأمر ولم يقدر طبيعة ارتهانها الغامضة للخارج ،فأتاح بذلك الفرصة لمجموعة جاهلة تفتقر إلى الخبرة والتعليم الاتجاه نحو التطرف والغلو تحت سمع وبصر التعدد والحرية للمساس بكل المقدسات والنظم الاجتماعية المرتبطة بسلسلة من المصالح المشتركة التي لم يكن يجوز المساس بها
إن مثل هذه الظاهرة تضعنا في محك الاختبار للتساؤل عن أسباب تأخرنا في تدريس أصول المواطنة وأصول الانضباط الاجتماعي والولاء الوطني لمختلف الشرائح حتى لا تفهم الحرية بأنها مطلقة ولا تتحول يوما إلى سلاح بيد كل من هب ودب لفعل ما يحلوا له دون رقيب وحسيب، وحتى لا تتوغل بين البسطاء باسم الدين مستغلة محدودية ثقافة المجتمع الريفي والقبلي وتدَينه لتغرس فيها من الأفكار الضارة وتستورد له ما يجب أن يعتنقوه ويمارسوه وكيف يؤدوه خروجا على الجماعة بمنهجية منظمة تم تصنيعها على مستوى عال من الخبث والحقد في الخارج لتصبح أكثر خطرا من الإلحاد
نعم اخطأ هولا الشباب بإتباعهم دجالا تم إعداده في الخارج فلم يفرقوا بين الأصنام والأشخاص ، و كان من الممكن أن ننتبه إليهم مبكرا والى تطلعاتهم واحتياجاتهم العقلية والنفسية والاجتماعية لنغرس فيهم من الولاء ما يحصنهم وحتى لا يقعوا فريسة لانتهازيين لا يحسنون شيئا سوى نبش القبور واكل لحم الموتى حتى لم يبق شيئا لم ينهشوه من إعراض الوطن وعقيدته ومذاهبه ومدارسه الفكرية التي أعطت للعالم العربي والإسلامي صورة نموذجية عن التسامح والتآخي والتكامل الفكري الإنساني ، فلا نجد مدرسة في كل أنحاء اليمن لا تدرس كامل المناهج الفقهية باعتبارها إرثا لكل الشعب اليمني يوحد رؤاه ويسَير مقاصد ويوحد أهدافه .
ولقد استفاد الغوغاء وحدهم من هذه الزلة وأحسنوا استغلال النوايا البريئة لعموم البسطاء ليجعلوا منها ظاهرة،واستغلوا التسامح والمراجعة التي أبداها النظام السياسي لهولا المغرر بهم بالنصح والمواجهة الفكرية والعقائدية لعلمه بأنها نزوة وزلة كان يمكن تلافيها ، لكنهم خيبوا ظن الجميع واستبشر الحاقدون إننا على أبواب التنكيل بالنظام الجمهوري وبالتوجه السياسي الذي ارتضيناه ودفعنا من اجله الأرواح، واستبشر الأعداء بأننا مقبلون على ما في أذهانهم من كوارث تنال من الوطن، لكنهم لم يقدَروا مرة أخرى إن المجتمع لم يكن أولئك الجهلة ولا الشاطحون المغفلون وان الإنسان اليمني الذي لم يعد يقبل العودة إلى الوراء لن يفرط في العقيدة أو الوطن أو النظام الجمهوري تحت أي ذريعة ومهما كانت درجة التسامح .
من هنا، لم يعد مجديا تكرار الحديث عن مخاطر المخطط الإقليمي علينا الذي لم يكل من العزف على الوتر العاطفي والديني، فقد أصبح واضحا للعيان بأنه لن يستثني أحدا في المنطقة ، ولكن أصبح من الضرورة بمكان التوجه إلى إعداد أبنائنا إعدادا تربويا مناسبا خصوصا وقد فهمنا خطورة المخطط ، ولم نعد نجهل أهدافه في التمدد بكل اتجاه ونيته في نقل المغامرة للعالم العربي كله ، ليس حبا فيه ولا في أل البيت ولا في رسالة الإسلام وإنما برسالته التي حرفها طمعا بان يكون له دعما جماهيريا ودورا قياديا في عموم المنطقة العربية.
وحسنا فعلت الحكومة في توحيد التعليم وتوحيد مناهجه لان العبرة في هذا التوحيد كان قطع الطريق على المزايدين باسم العقائد وتذرعهم بأنهم أكثر حرصا منا جميعا على أنفسنا وعلى أبنائنا، لكننا لم نجدهم إلا أكثر إفسادا لكل ما هو أصيل وخَير بأفكار تتصادم مع تطلعات شعب مسلم يتوق لتعليم أبنائه أصول العلوم الدينية دون وسطاء مهنتهم تجارة الدين السياسي بلا وسطية ولا اعتدال.
وقد آن الأوان لمراجعة الكثير من الأطروحات الثقافية والسياسية على الساحة والتي يمكن أن تشكل خطرا على إعداد الشباب الإعداد الصحيح، مع ضرورة الدعوة إلى توحيد الحركات الشبابية ودعمها لتشجيعها على مراجعة تجربتها في ظل الدستور والقانون والتوجيهات والمواقف الوطنية المسئولة للأخ الرئيس القائد على عبدا لله صالح الذي كثيرا ما وجه بتطوير أدوار الشباب وإعدادهم الإعداد السليم للمستقبل الواعد بالخير لليمن، و لم يألوا جهدا أو يتردد في دعمهم وتبني أنشطتهم لتعمل فئاتهم في إطار الحركة السياسية والاجتماعية الصحيحة والمخلصة في أهدافها وولائها الوطني .. فهل نحن فاعلون .؟
أوليس من الأجدى أن لا ننسى مسؤولياتنا كمؤسسات وأسر وأفراد ضرورة تقديم الدعم والتوجيه للمنظمات الشبابية والثقافية لتنشط وتشارك وتعمل أمام أعيننا حتى نحميها من مغبة الإخطار المحدقة بها في مثل هذه الزمن الرديء الذي يباع فيه الولاء ويشترى فيه الإخلاص والإيمان وتستباح العقائد من اجل المصالح فيتحول الشباب المؤمن إلى شباب ضال لأننا أهملنا واجباتنا تجاههم وتركنا غيرنا يقوم بمهمة التوجيه والإرشاد انها مسؤولية الجميع اولا واخيرا......؟
|