بروفيسور/سيف العسلي -
من عجيب الأمور ما يظهره اليمنيون في هذه الأيام من اهتمام وتوحد تجاه فيروس الخنازير على الرغم مما يمكن أن يحدثه لهم من أضرار محدودة للغاية مقارنة بالأضرار الناتجة عن فتنة الحوثي، فمن المفترض أن يكون ذعرهم وخوفهم من الفيروس الذي تسببه فتنة الحوثي على الأقل بنفس خوفهم من فيروس الخنازير.
ومما يزيد من العجب أن الأضرار التي يمكن أن تلحق باليمنيين بسبب الاصابة بفيروس الخنازير لا زالت حتى الآن احتمالية في حين أن أضرار فيروس فتنة الحوثي واضحة وثابتة، فقد عانى اليمن واليمنيون من هذا الفيروس الخبيث لفترة طويلة امتدت لأكثر من ألف عام فحدوث فتنة الحوثي بعد كل هذا الوقت وتعامل بعض اليمنيين معها على هذا النحو يدل بشكل قاطع بأن هذا الفيروس قد انتصر على اليمنيين.
إن هذه الحقيقة تحتم على اليمنيين إعادة النظر بطريقة تعاملهم مع هذا الفيروس من جديد مستفيدين من دروس الماضي ولا شك أن من أهمها قدرة هذا الفيروس على السبات لفترة طويلة قبل أن يعيد نشاطه من جديد عندما يشعر أن الظروف مناسبة له، ولذلك فإن التخلص منه يحتم تعقيم محاضنه بشكل كامل، ومن الواضح أن عملية مثل هذه لن تنجح إلا بتحمل الجميع كامل مسئوليتهم في ذلك.
المقصود بفيروس فتنة الحوثي الاستكبار الذي هو التعظم، المتكبرون هم الذين يرون أنهم أفضل الخلق وان لهم من الحق ما ليس لغيرهم وهذه الصفة لا تكون إلا لله خاصة، لأن الله سبحانه وتعالى هو الذي له القدرة والفضل الذي ليس لأحد مثله، ولذلك فهو الذي يستحق أن يقال له المتكبر وليس لأحد غيره أن يتكبر لأن الناس في الحقوق سواء فليس لأحد ما ليس لغيره فالله المتكبر.
أما محاضن الاستكبار فهي الثقافة التي تبرره وتنشره وتدافع عنه. ولا يجادل أحد بأن الثقافة اليمنية لازالت تحوي مكونات تمجد وتنشر وتحمي وتجاهر وتتبنى العديد من دعاوى الاستكبار لا يقتصر الأمر على الدعاوى الاستكبارية لدى بعض إخواننا الهاشميين بل تشمل دعاوى فئات اجتماعية ودينية أخرى، فتصديق وتمسك بعض إخواننا الهاشميين لخرافة أن الله فضلهم على غيرهم، وبالتالي فهم سفينة نوح وأن الله قد أعطاهم الحق بحكم اليمن، هما أهم محضنين من محاضن الاستكبار، وبالتالي فإنهما أهم سببين لفتنة الحوثي فما يظهره الحوثي من كبر وعدم اكتراث بدماء اليمنيين لا يمكن فهمه إلا في إطار ثقافة الاستكبار هذه.
ونتيجة لهذه الثقافة فلم يدرك أنه هو سيكون أول ضحاياها، فالتاريخ يشهد أن الهاشميين أنفسهم قد اكتووا بنارها قبل غيرهم فقد استكبر بعض، الهاشميين على بعضهم البعض مما ترتب عليه ظلمهم وقتلهم لبعضهم البعض بالإضافة إلى ذلك فإن تكبر بعض الهاشميين على اليمنيين قد خلق بينهما الشك والريبة مما ترتب عليه توتر العلاقة بين الجانبين.
ومن باب العدل فإن اليمنيين قد ساهموا في تغذية محاضن الاستكبار فقبول بعضهم بهذه الدعاوى والدفاع عنها قد عمق من قوتها هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فإنه وعلى الرغم من انكار بعض اليمنيين على الهاشميين دعاواهم هذه فإنهم قد سمحوا لأنفسهم بتبني دعاوى مماثلة ومن أمثلة، ذلك ترفع المشائخ وأبنائهم على غيرهم من أفراد القبيلة «الرعية» وترفع أبناء القبائل على فئات الأخدام والمزائنة وكذلك - تفاخر بعض القبائل على بعضها البعض وسخرية أبناء بعض المناطق من أبناء المناطق الأخرى - انها كلها محاضن لدعاوى استكبارية.
وقد تسربت الدعاوى الاستكبارية إلى بعض المتدينين والمتعلمين والمثقفين، ألا ترى أن الحركات الإسلامية تسخر من بعضها البعض وأن اتباع المذاهب الإسلامية تسفه بعضها البعض ولا يتورع بعض المثقفين من نشر هذه الدعاوى ومن يشك في ذلك فما عليه إلا أن يرجع إلى كتابات العديد ممن ينسبون أنفسهم إلى المتعلمين والمثقفين وسيجد ذلك في العديد من أعمالهم أوليس من ذلك تصوير البعض للشمال بأنه متخلف مقارنة بالجنوب؟
إن أول خطوة في تعقيم محاضن الاستكبار كلها من وجهة نظري تكمن في توضيح سفاهة هذه الدعاوى والأضرار التي تلحق بسببها لمتبنيها قبل غيرهم فقد بين الله في كتابه العزيز ذلك أوضح بيان، فالاستكبار يؤدي إلى خداع النفس أولاً ثم خداع الآخرين من البشر ثانياً. ولا شك أن ذلك يصيب قلوب المتكبرين بالمرض والمجتمع بالفتن. ذلك لأنهم لا يستطيعون أن يدركوا الفرق بين الإفساد والإصلاح فيترتب على ذلك إشعال الفتن. فإذا ما أنكر عليهم غيرهم فإنهم لا يستجيبون على اعتبار أن غيرهم سفهاء.
فالكبر يجعلهم يعتقدون أن كل ما يقومون به حق وصلاح وكل ما يقوم به غيرهم فساد وسفه على الرغم من أن الواقع يخالف معتقداتهم هذه شكلاً ومضموناً.
ومن مظاهر سفههم أنهم يفضلون ما فيه خسرانهم على ما فيه فلاحهم فإذا تكرم الله عليهم بالنور ليمشوا فيه قعدوا وعندما يذهب الله به يمشون لا يستطيع أحد أن يمشي في الظلمات لأنه لا يبصر ومن يحول دون ذلك فإنه حتماً سيقع في الحفر والهاوية والوديان السحيقة وخصوصاً إذا ما قام بسد أذنيه وتكميم فمه لأنه سوف لن يسمع صراخ وتحذيرات الآخرين له. فالمتكبرون يهوون في الهاوية تباعاً كما تحترق الفراشات حول النار تباعاً.
ومن مظاهر سفههم عدم مقارنة معتقداتهم مع الواقع ومع المعتقدات الأخرى بهدف التعرف على طبيعة الأشياء كما هي لا كما يرغبون أن تكون لو فعلوا ذلك لتمكنوا من تجنب العديد من الأضرار التي تصيبهم والاستفادة من المنافع التي سخرها الله لهم. والدليل على ذلك تعاملهم مع المطر، فبدلاً من أن يستفيدوا منه في الشرب والنظافة والزراعة وتربية الحيوانات فإنهم يحرصون على المشي فيه حتى ولو كان يوجد ظلام دامس وقت نزوله، فبدلاً من أن يهرعوا إلى بيوتهم عند نزول المطر فإنهم يخرجون منها للمشي بهدف الاستفادة من لمعان البرق. والنتيجة أنهم لا يستطيعون القيام حتى بخطوة واحدة. فقط عرضوا أنفسهم لمعاناة البرد والخوف الشديد من أصوات الرعود.
ومن أمثلة سفههم أنهم ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك هم الخاسرون.
الاستكبار يولد التعصب الذي يؤدي إلى الضلال فالتعصب يمتد إلى داخل الدين الواحد أو المذهب الواحد أو الأمة الواحدة أو الثقافة الواحدة يؤدي إلى تدميرها كلها. ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين ولن يحدث ذلك إلا بسبب التعصب للموضوعات الجزئية وتغليبها على القواسم المشتركة فلا تؤمنوا إلا لمن اتبع دينكم.
ومن أمثلة خداعهم للآخرين أنهم غير صدفين في مشاركتهم ما هم عليه فلا هم تركوهم وحالهم ولا هم قبلوا بالمساواة معهم، ولذلك فإنهم لا يقبلون بحقيقة أن الله هو الذي تفضل على من يشاء على عباده إذا كانوا غيرهم، الاستكبار يولد الأنانية التي تؤدي إلى الضلال. أم لهم نصيب من الملك فلن يؤتوا الناس نقيرا انهم يفرقون بين تعاملهم مع بعضهم البعض وتعاملهم مع الآخرين. فيحضون على الأمانة فيما بينهم ولا يكترثون في خيانة الآخرين. انهم يقولون ليس علينا في الأمين سبيل. لكنهم ما يلبثون أن يخونون أنفسهم. ونتيجة لذلك فإنهم جميعاً لا خلاق لهم في الدنيا ولا في الأخرى ولا يزكيهم ولا ينظر إليهم.
الاستكبار يولد التنطع الذي يؤدي إلى الضلال، المقصود بالتنطع هو المبالغة في تحريم ما رزق الله عباده من الرزق وكذلك عدم أخذ الظروف بعين الاعتبار عند المنع أو الإباحة وتفسير النصوص بشكل متعسف لتبرير ذلك.
الاستكبار يولد الكذب الذي يؤدي إلى الضلال، إنهم يحرفون ما أنزل الله من كتاب ويشترون بذلك ثمناً قليلاً، إنهم بذلك قد اشتروا الضلالة بالهدى، إنهم يلوون ألسنتهم لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب ولذلك فإنهم يسعون إلى اختلاف وبدون أي سبب بهدف التضليل على الناس على اعتبار أن ما يقترفونه من الكذب على الله يمكن قبوله كنوع من التنوع والتباين فهذا النوع من الاختلاف يحدث فتناً ويتسبب في العديد من الأضرار. انه يوقعهم في شقاق بعيد.
الاستكبار يولد تزكية النفس الذي يؤدي إلى الضلال، إنهم يحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا. ونتيجة لذلك فقد تجرأوا على افتراء الكذب على الله بادعائهم أنهم أبناء الله وأحباؤه بغض النظر عما يقومون به من أعمال فأغراهم ذلك في اقتراف السيئات. ان غرورهم هذا قد تسبب في طمس وجوههم في ردها على اعقابها. يستخفون من الناس ولا يستخلفون من الله. إنهم يتناسون أن من يكسب إثما فإنما يكسبه على نفسه. وكذلك أن من يكسب خطيئة أو إثما ثم يرمي به بريئا قد احتمل بهتانا وإثما مبينا.
الاستكبار يدعو إلى الطاغوت الذي يولد الضلال. إنهم لا يقبلون بالإقناع وإنما يفهمون القوة فقط. إنهم يؤمنون بالجبت والطاغوت. إنهم لا يحكمون بين الناس بالعدل.
ومن أجل تعقيم هذه المحاضن فإنه لا بد من العمل بوصية الله لعبادة المسلمين أن يسألوه أن يهديهم طريق الذين أنعم عليهم وأن يجنبهم طريق الضالين في كل صلاة يصلونها سواءً كانت فريضة أو نافلة. ولا شك أن ذلك يعني التخلص من كل مظاهر الاستكبار سواءً تلك التي تكون في الشخص نفسه أو في محيطه. ففيروس الاستكبار أشد انتشارا من فيروس الخنازير. ان ذلك يجعل من التخلص منه مسؤولية جماعية لأن أضراره جماعية أيضاً.
بعد ذلك فإنه لا بد من الحوار بين الجميع على أساس من المساواة والتخلص من كل دعاوى الاستكبار. في هذه الحالة سيتمكن اليمنيون من تعقيم محاضن الاستكبار وبالتالي سيتمكنون من العيش بسلام في ظل وطن واحد للجميع.
|