حاوره: منصور الغدرة: -
العميد علي محمد القفيش التحق أواخر 1964م بالقطاع العسكري للجبهة القومية وأصبح واحداً ممن صنعوا صباح اكتوبر الوضاء في الـ14 من اكتوبر لعام 1963م وصولاً الى الاستقلال الناجز وتحرير أراضي جنوب الوطن اليمني من الاحتلال البريطاني وبراثين عملائه.. وبمناسبة احتفال شعبنا بالذكرى الـ46 لثورة 14 أكتوبر المجيدة تحاول «الميثاق» نبش ذاكرة القفيش من خلال هذا الحوار، الذي تطرق فيه الى مراحل النضال والكفاح المسلح ضد المستعمر، ويتناول حالة الصراعات الدموية التي دارت بين أجنحة ورفاق السلاح في جنوب الوطن.. مؤكداً في هذا الخصوص أن ثورة اكتوبر أكلت عيالها أو أبطالها وعدد الشهداء والجرحى الذين ذبحوا في الصراعات الداخلية ولم يسقطوا في الكفاح المسلح ضد الاحتلال البريطاني ..
حقائق وقضايا كثيرة يكشفها لأول مرة المناضل علي محمد القفيش رئيس هيئة مناضلي وشهداءالثورة اليمنية.. في الحوار التالي:
باعتبارك ممن عاصروا ثورة 14 أكتوبر.. بل كنت على رأس إحدى فصائل الكفاح المسلح.. ونحن نحتفل بالذكرى الـ46 لهذه الثورة.. بماذا تحتفظ ذاكرتك عنها..؟
- أولاً لابد من الإشارة إلى أن الثورة اليمنية ومبادئها واحدة- سواءً أكانت ثورة 26 سبتمبر الأم أو ثورة 14 أكتوبر.وأما فيما يخص ثورة 14 أكتوبر في الحقيقة هي تضررت كثيراً، خاصة انه تم ذبح رموزها وأبطالها..وهذا كان نتيجة التآمر الذي حاكه حزب العمال البريطاني بتواطئه مع الألمان والروس وتسليمهما أثناء الاستقلال عام 1967م أرض جنوب الوطن للتنكيل والثأر من ثورة 14 أكتوبر ورموزها وقاداتها الذين ذُبحوا جميعاً، وأكبر مذبحة لهؤلاء كانت هي مجزرة الطائرة للدبلوماسيين عندما عادوا من الخارج وأقاموا لهم مؤتمر الدبلوماسيين وعقب انتهاء المؤتمر طلعوهم الطائرة على أساس تنظيم لهم جولة حول المحافظات وتم تفجير الطائرة في الجو وقتل كل ركابها.. وهذا كان في مايو عام 1973م..
في أي عام التحقت بفصائل الكفاح المسلح ضد المستعمر البريطاني.. وكيف كان انضمامك؟
- أواخر عام 1964م التحقت ضمن العناصر الثانوية للجبهة القومية، والذي أطرني هو المرحوم علي عبداللاه احمد وارسلنا مباشرة إلى تعز مقر القيادة العربية- المصرية- وهناك في تعز عقدت لنا دورتان تدريبيتان على المتفجرات وزراعة الألغام، وتجهيزنا عسكرياً وقتالياً وفنياً وعدت إلى جبهة المنطقة الوسطى التي تضم مناطق يافع ودثينة والعواذل، والفضلي وباكازم- لأعمل فيها قائداً للفرقة المتجولة- بقايا جيش التحرير في منطقة فحمان- لأن جيش التحرير في فحمان كان يقوده المرحوم ناصر السقاف والمرحوم محمد علي هثيم، ثم بعد ذلك علي ناصر محمد والمرحوم سعيد ناصر عشال- ظليت قائداً للقطاع العسكري في فحمان إلى يوم إعلان الاستقلال في 30 نوفمبر 1967م، فانضممت بعدها وبعض من زملائي إلى المؤسسة العسكرية وتم ترفيعي إلى رتبة الرائد وعينت مديراً لأمن أبين وظليت في هذا الموقع إلى أن حدث الانقلاب على الرئىس قحطان الشعبي فرفضت التعامل مع النظام الجديد الذي يترأسه «سالمين».. كنا في المنطقة الوسطى كقاعدة انطلاق لتنفيذ عمليات فدائية في مكيراس وفي الضالع وفي عدن، كالمناضل عبدالحافظ الملقب «الابي» كان من عناصرنا، والذي نفذ عمليات فدائىة فريدة ونادرة في عدن ضد مراكز وقيادات الاحتلال.
التصفية.. لغة الرفاق
من الذي وجدته يتعاون معكم ويمدكم بالسلاح والعتاد من قيادة النظام في الشمال؟
- كان الاتصال والتعاون يتم مع الأخوة في الشمال وعلى رأسهم حسين شرف الكبسي، وأيضاً الضباط والقياديين في المناطق الحدودية كعلي الحيمي وعلي السعيدي، واحمد علي السلامي والشوذري، ومحمد عبدالسلام منصور، عندما كان مدير أمن البيضاء بعد الثورة.. وغيرهم وكل هؤلاء كانوا يمدوننا بالسلاح والتموين الغذائى وغيرهما.
لماذا لم تتعامل معه..؟!
- لأن تعامله كان نظاماً ماركسياً بوضوح..
> بروز لغة التصفية لرموز الثورة.. هل كنتم بذلك تطبقون المقولة الفرنسية الشهيرة «بأن الثورة تأكل أبناءها أو قاداتها» على ثورة 14 أكتوبر..؟!
- فعلاً ثورة أكتوبر أكلت «عيالها» أو قاداتها، وهذا يعترف به الجميع، وتؤكده الوقائع التاريخية التي لايمكن لأحد إخفاءها أو إنكارها..وفي نظري المخطط لذلك كان خارجياً- بريطاني- والذين نفذوه يمنيون وقتلوا زملاءهم لأن هؤلاء القتلة كانوا غير قادرين أن يحكموا البلد بوجود تلك القيادات الكفؤة من زملائهم مثل فيصل عبداللطيف وقحطان الشعبي ومحمد صالح عولقي وغيرهم الكثير.. وعلي ناصر محمد اعترف مؤخراً ان الذبح في الجنوب كان يتم وفق قرار سياسي لذبح كل المناضلين.
فشل الانقلاب
هل كان خروجك إلى الشمال بإرادتك أم لأسباب أخرى..؟
- بعد عام من الانقلاب على قحطان، كنا نخطط للانقلاب على سالمين، فكشف المخطط وفشل الانقلاب واعتقلت قيادة الانقلاب بزعامة القيادي علي عبدالعليم، وأودع المعتقل، بل الزنزانة نفسها التي أودع فيها من قبل الانجليز قبل الاسقلال.. حتى أنه يومها قال في هذه الزنزانة قصيدة قوية مازلت أذكر بعض أبياتها التي تقول:
زنزانة الرعب ما أقسى لياليك
تباً لكم تباً لكِ تباً لبانيكِ
بالأمس جئتكٍ كإرهابي و متآمر
واليوم جئتكٍ كرجعي وأمريكي
وبعد ذلك تم ذبحه، وعندما وجدنا القيادة السياسية للانقلاب قد أعدمت اضطررنا في القيادة العسكرية إلى الخروج إلى تعز في 16 / 6 / 1970م.. ثم لوحقت بقية القيادة السياسية إلى أن تم تصفيتها كفيصل عبداللطيف وعبدالله سالم الميسري والكندي و توفيق عوبلي..
زرع العملاء
طابع الصراع الدموي- هل سببه كما تقول الجبهة القومية خلاف حول إعلانها مواصلة الكفاح المسلح فيما ترفض جبهة التحرير ذلك..؟
- أساس الخلاف كان هو الدمج القسري للجبهة القومية ومنطقة التحرير في كيان سياسي جديد «جبهة التحرير»- إذ أنه بعدما برزت الجبهة القومية وأوجدت لها قواعد في الجيش والأمن وسيطرتها على النقابات الست أولاً، ثم ضمت في فترة لاحقة نقابة الطيران..عندما شعر المصريون بتوسع وتمدد الجبهة القومية ضموا الجبهتين في تنظيم سياسي واحد اسمه «جبهة التحرير» حيث أخذ من اسم الجبهة القومية «جبهة» ومن منظمة التحرير «التحرير».والعناصر التي بقيت تحت هذا الاسم الجديد، وظلت تقاتل وتقاوم الاحتلال أغلبهم من الجبهة القومية- باستثناء بعض السلاطين الموجودين في جبهة التحرير- كجعبل بن حسين واحمد عبدالله الفضلي- فهؤلاء زرعتهم المخابرة البريطانية في الجبهة، وهم أيضاً الذين تعارض الجبهة القومية فكرة الدمج وهؤلاء موجودون في الجبهة باعتبارهم عملاء للمستعمر الذي نخوض الكفاح في مواجهته للوصول إلى استقلال ناجز..فعلى سبيل المثال عبدالله الأصنج ومكاوي والسلاطين- كل هؤلاء زرعتهم المخابرات البريطانية في جسم المعارضة، ولايزالون حتى اليوم يحنون للعهد الإمامي والاستعماري البائدين، ويحلمون بإعادتهما..
قتال ضد الدمج
يعني هذا أن مقاتلة الجبهة القومية لجبهة التحرير كان على حق، وترفض الدمج مع عملاء..؟
- الدمج كان قسرياً ونحن فوجئنا به، واستمر الدمج من شهر يناير حتى شهر اغسطس الذي انعقد فيه المؤتمر الثالث للجبهة القومية «مؤتمر حمر» وأعلن فيه انسحاب الجبهة القومية من الدمج والتنظيم الجديد «جبهة التحرير» وبقية عناصر في هذا التنظيم من الجبهة القومية في جبهة التحرير وهؤلاء كان لهم الفضل في مواصلة الكفاح المسلح والقيام بالإعداد والتدريب والتخطيط وتنفيذ العمليات الفدائية ضد قوات ومراكز وتجمعات الاحتلال الانجليزي..وهم الذين كان لهم الفضل في تأسيس النضال المسلح في كل مناطق وجبهات المواجهة- في ردفان، البيضاء، الضالع، شبوة، يافع، لحج.. وكانوا أيضاً ينتمون إلى مختلف مناطق اليمن..لكن في الحقيقة جزء منهم زرعتهم المخابرات البريطانية.. «أنا شوف اتكلم على السلاطين، عبدالله الاصنج، مكاوي، الرابطة».
إذا كان معظمكم يعارض الدمج.. من الذي قرره إذاً؟!
- قرر الدمج علي احمد السلامي من الجبهة القومية وطه مقبل، وسالم زين، وعبدالله محمد المجعلي.. وبقية قيادات وعناصر وقواعد الجبهة القومية فوجئت به.
معسكرات في الشمال ضد الجنوب
هل انشأتم المعسكرات المعارضة في الشمال للنظام في الجنوب عقب خروجكم مباشرة؟
- عندما خرجنا نحن وعشال إلى الشمال في عام 1970م أنشأنا عدة معسكرات في الشمال معارضة للنظام في عدن، وكنا ايضاً ضمن الوفد الذي سافر الى محادثات طرابلس- أنا وعبدالله صالح سبعة وعشال وعلي بلحمر، وتوفيق عوبلي، رحمهم الله، كما اننا اصدرنا حينها بياناً حددنا فيه موقفنا من نص اتفاقية طرابلس، وقلنا انها لاتخدم الوحدة اليمنية، وكنا طالبنا بالوحدة الفورية.
لاشمال.. لاجنوب
من خلال وقائع وتاريخ الكفاح المسلح ضد الاستعمار.. هل نستطيع القول عنه انه كان يجري على اساس شطري جنوبي خالص ليس فيه شمالي حتى نربط ذلك بدعوى مايجري اليوم من ارتفاع أصوات تعزز هذا شمالي وهذا جنوبي؟
- النضال والكفاح المسلح ضد الاستعمار باستثناء العملاء كان من عامة الشعب اليمني شماله وجنوبه، والأمر نفسه كما كان النضال ضد النظام الامامي..وثورة14أكتوبر اذا ما نظرت لرموزها وقيادتها من مختلف فصائل الكفاح المسلح، لا تستطيع ان تقول ان قيادة الجبهة القومية جميعهم جنوبيون خالصون أو شماليون خالصون.. وانما هناك على رأس قيادة الجبهة من اخواننا من ابناء المحافظات الشمالية والغربية.لذلك فالثورة اليمنية واتجاهاتها وانتصاراتها واحدة- سواءً ثورة سبتمبر الأم او ثورة اكتوبر- اذ ان عبدالناصر عندما زار اليمن بعد ثورة سبتمبر بسنة قابل الاخوان الجنوبيين في صنعاء- حيث كان الرئيس قحطان الشعبي يومها مدير مكتب شئون الجنوب في صنعاء وهذا يؤكد ان الثورة اليمنية واحدة ونظام وتخطيط وتفكير وتنفيذ واحد..واما هؤلاء الناعقون بشعار المناطقية والجنوب العربي والانفصال ليسوا سوى اذناب للاستعمار وبقايا لعهود التخلف والرجعية.الجنوب العربي كلام غير مفهوم وغير وارد في ثقافتنا على مر التاريخ حتى في عهد الأئمة لم تذكر تسمية الجنوب العربي..فالامام لم يقل في أي يوم جنوبنا العربي، وانما كان يقول جنوبنا الحبيب.. جنوبنا اليمني.
على ذكرك هذه الشعارات الممقوتة.. كيف ترى استحضار مقومات عصور التخلف والتمزق، والى ماذا ترمي هذه القوى..؟
- أنا اعتبر هذه القوى تحيك المؤامرة ضد اليمن في اتجاهين متوازيين تستهدف الثورة والوحدة اليمنية معاً.. فالحوثيون في صعدة لا يطمحون الى عودة الحكم والنظام الامامي فحسب، وانما الى فرض حكم المذهب الاثنى عشري.. وتوجه كهذا ليس وارداً في ثقافتنا ومفاهيمنا، ولايمكن ان يقع او يحدث ونقبل به مهما كان الثمن.مايجري اليوم على ساحة وطننا اليمني تنفيذ مخطط دولي واحد.. الحوثي من الشمال والعناصر الانفصالية من الجنوب.. يعني تآمر الحوثي في الشمال على الثورة وتآمر عناصر انفصالية في الجنوب على الوحدة والمخطط واحد.
الانتصار ولاغيره..!!
والنتيجة في رأيكم؟
- النتيجة ان الشعب اليمني سوف ينتصر على كل هذه المشاريع والمخططات التآمرية المتخلفة والتمزيقية، لان يمنية المنطقة ويمنية الثورة وواحديتها تعمقت في ثقافة وحياة الشعب اليمني ولايمكن انتزاعها او محوها من طموحه وافكاره مهما ذهب المرجفون والناعقون..
هل كان للاستعمار البريطاني جيش كبير موجود في المنطقة الوسطى- اطار عملك؟
- كان الوجود البريطاني فقط من خلال المستشارين العسكريين الانجليز والقياديين فقط، والجيش البريطاني والعربي موجود في قاعدة مكيراس بالبيضاء، بالاضافة الى غرفة عمليات هناك يدار فيها التآمر على ثورة سبتمبر وتدار منها معارك الملكيين ضد الجمهورية..وضابط انجليزي اسمه «مستر ريمان» هو الذي كان يدير معارك الملكيين ضد ثورة26 سبتمبر، ويزودهم بالاسلحة والمال.. لانه كان مكلفاً بافشال الثورة واسقاط النظام الجمهوري.
ما الطريقة التي كنتم من خلالها تتسلمون التوجيهات والأوامر لتنفيذ العمليات الفدائية وايضاً الاجتماعات؟
- كل عملنا كان في الظل، واجتماعاتنا محاطة بالسرية والحذر الشديد ووفق تسلسل تنظيمي دقيق ومحكم، وهذا كان للفكر التحرري الذي آمنا به وعشقناه الى حد الجنون- لان في ذلك الوقت ولد عصر وزمن التحرر العربي من الاستعمار بفضل الثورة العربية الأم-ثورة مصر يوليو، وهي تعتبر الثورة الام للتحرر العربي، وثورة سبتمبر كانت جزءاً من ثورة مصر، وثورة اكتوبر تعتبر بالنسبة لنا وليدة سبتمبر.ونحن في الجناح العسكري للمنطقة الوسطى كلها لم نكن بالآلاف كما يدعون الآن بهدف تسجيل اعداد كثيرة في كشوفات وقوائم المناضلين، الارقام الخيالية التي تطرح الآن ليست صحيحة، وانما كل اعداد الجناح العسكري في المنطقة الوسطى بالمئات فقط.
انا من الذين كلفوا من قبل الرئيس قحطان الشعبي بعد الاستقلال لحصر الشهداء والجرحى في المحافظات الجنوبية والشرقية وعلى ما اذكر ان اعدادهم لا تتجاوز حينذاك 125 أو 225 فقط شهداء وجرحى من القطاع العسكري.. وهذه الارقام الاخيرة هي نتيجة الصراعات الداخلية وليس نتيجة الكفاح المسلح ضد الاحتلال..واما بالنسبة لتحديد موعد الاجتماعات وتوزيع المهام.. حقيقة قيادات الجبهة القومية كانت أنموذجاً والتزاماً تاماً- فتجدهم في كل ساعة وفي كل وقت يتواجدون في موقع العمل.. وكان رفيقهم على الدوام القلم والسلاح والمنشور والفكر.
كيف سقطت المناطق وأول منطقة سقطت بيد فصائل الكفاح..؟
- أول منطقة سقطت بيد الجبهة القومية امارة الضالع، تلتها مودية ثم لودر، ثم بعد ذلك مكيراس وبالسلاح وعتاد القوات الاحتلال في هاتين المنطقتين «مكيراس ولودر» اسقطنا كل المناطق والجبهات في الجنوب.إذ ان الجيش الانجليزي عندما غادر المنطقتين ترك المخازن مليئة بالسلاح والذخيرة والمؤن التي كانت تستخدم ضد ثورة سبتمبر في هاتين المنطقتين.
الضالع أولاً..!!
وما الاسباب او الاهداف التي كانت وراء سقوط امارة الضالع أولاً؟
- باعتبارها اولاً نقطة انطلاق للبريطانيين والملكيين في مواجهة ثورة سبتمبر والنظام الجمهوري في الشمال، وثانياً كونها حدودية لتأمين خلفية الكفاح المسلح وتأمين وصول الامدادات والدعم من الشمال الى جبهات القتال في الجنوب، وثالثاً للكثافة السكانية، ورابعاً لوجود ابرز قيادة عناصر الكفاح المسلح على رأس القيادة-كعلي عنتر وصالح مصلح، وعلي محمد البيشي، وعلي شائع هادي وآخرين، وكل هؤلاء راحوا في الصراعات الداخلية والدورات الدموية، لم يقدر عليهم الاحتلال بجبروته واجهزته الاستخبارية والقمعية، وأكلتهم أنياب رفاقهم في النضال..حتى ان الشهيد احمد صالح الشاعر كان القائد الأول والأبرز في القيادة عندنا في المنطقة الوسطى، وعضو مكتب سياسي ووزير زراعة فيما بعد راح ضمن ضحايا حادثة الطائرة المدبرة، ويليه في القيادة حسين الجابري، ومحمد علي هيثم، علي ناصر محمد، عشال، سالمين.. وعدة قيادات تقودنا في المنطقة الوسطى.واما سقوط لودر فقد كان يوم 4 / 8 / 1967م، ومكيراس يوم 24 / 8 / 1967م، وأبين فيما بعد.
الاحتفاء بالاستقلال
بعد ذلك هل ذهبت الى عدن لاستقبال وفد الاستقلال العائد من جنيف..؟
- تأخرت بحوالى عشر دقائق، لذلك لم أكن ضمن الوفد الذي استقبل قحطان والوفد المرافق له بالمطار، لكن الوفد عند ذهابه الى جنيف مر علينا في مكيراس الى صنعاء ومنها اقلعت بهم الطائرة الى القاهرة ثم الى جنيف.
عرض الوحدة الفورية
عندما مروا على صنعاء هل التقوا بقيادة صنعاء واخبروها بأنهم سيذهبون لاستلام الاستقلال واعلان دولة يمنية في الجنوب..؟
- التقوا القيادة في صنعاء، وفي مقدمتهم الرئيس القاضي عبدالرحمن الارياني.. تكلموا معهم انهم سيذهبون لانجاز الاستقلال، ما رأيكم.. فقال لهم الارياني : الملكيون على أبواب صنعاء، فعليكم ان تأخذوا الاستقلال.. ولنا لقاء معكم.
ألم تكن الجبهة القومية - كما يقال- انها انفردت باعلان الاستقلال في دولة بعيداً عن الجمهورية العربية؟
- ليس صحيحاً.. بل أنا في اعتقادي ان الاستقلال وانقلاب 5 نوفمبر في صنعاء كان وفق مخطط دولي.. حيث كان الانقلاب والاستقلال خلال شهر نوفمبر ولايفرق بينهما إلاّ 25 يوماً، وفي نظري لو كانت القيادة في صنعاء لاتزال بيد السلال وجزيلان وقت استلام الاستقلال لما كان اعلن في الجنوب عن دولة مستقلة عن صنعاء، بل لأعلن الاستقلال في دولة يمنية واحدة، لأننا في الجنوب كنا على انسجام تام مع السلال وجزيلان..اما وقد حدث الانقلاب في صنعاء وأتى بالبعثيين الى رأس النظام في صنعاء، وكان يوجد حينها خلاف بين البعثيين وبين حركة القوميين العرب، وبالتالي يستحيل ان يتفق الجانبان على اعلان الاستقلال في اطار دولة واحدة.