كتب/جمال مجاهد - أكد الدكتور علي محمد شاطر مثنى وكيل وزارة المالية لقطاع التخطيط والاحصاء والمتابعة أن المرحلة القادمة تتطلب رؤية شراكة تكاملية اقتصادية شاملة بما فيها توحيد سوق العمل بين اليمن ودول مجلس التعاون الخليجي، بهدف سرعة تنمية القواعد الانتاجية على نحو يقود اقتصادياتها الى مسارات النمو الحقيقي والمستدام، في عالم اصبح قوامه القوة الاقتصادية المعتمدة على التكتلات الاقليمية والمنافسة الحادة المستندة الى أعلى مستويات الكفاءة الانتاجية وارقى قدرات للمهارات البشرية. وقال الدكتور مثنى ان انضمام اليمن التدريجي ثم التكامل الى مجلس التعاون الخليجي له مردود ايجابي كبير لجميع دول المجلس، في جانب الاندماج »التكامل« الاقتصادي، وجانب تكامل سوق العمل.
وأوضح وكيل وزارة المالية ان هناك مقومات اساسية تجعل من دول شبه الجزيرة العربية قوة اقتصادية كبيرة تلعب دوراً مهماً في عالم التكتلات الاقتصادية، وهذا في الحقيقة لن يتحقق إلاّ اذا تكاملت وتشابكت المصالح واتخذت الخطوات الفعلية للدمج الاقتصادي الكامل لتصبح حينها قوة بشرية واقتصادية على المستوى الاقليمي والدولي.
فمن خلال ما تملكه دول شبه الجزيرة العربية من مقدرات وموارد اقتصادية وفي ظل الواقع الراهن »عصر تحديات العولمة« أصبح التكامل الاقتصادي بين اليمن ومجلس التعاون لدول الخليج العربية ليس فقط في مصلحة هذه البلدان، بل اصبح مطلباً اساسياً لنجاح اهداف المجلس اقتصادياً سواءً على المستوى الاقليمي او على المستوى الدولي حيث ان التكتل الاقتصادي فيما بين دول شبه الجزيرة العربية في علاقة اقتصادية قوية تجمع فيها مقومات اقتصادياتها في مظلة واحدة تحمي هذه الدول من الانفراد بها في معزل وفرض قيود وشروط عليها تؤدي بهذا البلد او ذاك الى فقد مقوماته الشخصية والاقتصادية في الداخل وفي الخارج.
ولفت الى أن التكامل الاقتصادي لدول المجلس بما فيها اليمن يعتبر بمثابة صمام أمان للدول المشاركة فيها بحيث تتوزع خسائر الصدمات والازمات على الكل بدلاً من دولة واحدة، وفي الوقت نفسه ستحقق دول المجلس مجتمعة عدداً من المكاسب المتبادلة اولها التجارة فيما بينها مما يقلل من حدة منافسة الشركات العالمية وكسر حدة سيطرتها واستغلالها واحتكارها لأسواق كل دولة على حدة.. وخير مثال على ذلك ما يحصل اليوم من تدفق مختلف للسلع من المملكة العربية السعودية ومن بقية دول الخليج العربي الى السوق اليمني كون حجم السوق اليمني كبيراً مقارنة بالاسواق المجاورة نتيجة عدد سكان اليمن الذي يفوق ٠٢ مليون نسمة.
وتابع الدكتور مثنى: من المكاسب الجماعية الاخرى قوة التفاوض الجماعي لتحقيق مكاسب على الساحة الدولية خاصة ودول المجلس تتفاوض حالياً مع بلدان الاتحاد الاوروبي من أجل انشاء منطقة تجارية مشتركة، أي يمكن لدول المجلس ان تلعب دوراً مهماً اذا اندمجت مواردها الاقتصادية والبشرية داخلياً، بحيث لا يكون هناك مجال للازدواجية في مشاريعها الانتاجية لأن سياسة الاندماج بين الشركات الصناعية المختلفة يُمكن هذه الشركات المندمجة من المنافسة الاقليمية والعالمية ومن التفاوض الجماعي ومن مواجهة الضغوط الاقتصادية العالمية في الاسواق المحلية والاقليمية والدولية.
ومن هذا المنطلق، فإنه من مصلحة دول مجلس التعاون الخليجي ان تنظر بجدية حول الاستثمارات داخل دول شبه الجزيرة العربية وبالذات في اليمن.. حيث توافر الفرص في اليمن أمام الاستثمارات لتحقيق عائد كبير.
كما ان العديد من القطاعات الواعدة مثل الزراعة، الاسماك، السياحة، الخدمات، وغيرها من الأنشطة الاقتصادية والخدمية، والتي بكل تأكيد يكون لها مردود ومكاسب مشتركة لجميع دول المجلس.. فإذا ما نجحت هذه السياسة المشتركة في توجيه وتشجيع القطاع العام والخاص في دول الخليج في ضخ الاستثمارات في مختلف الانشطة الاقتصادية والخدمية في اليمن، فإن هذه السياسة »نقل العمل للعمال« من خلال زيادة الاستثمارات في اليمن تؤدي الى خلق وتنشيط العديد من المشاريع الاقتصادية المشتركة ووضع اليمن في الاتجاه الصحيح لتحقيق المزيد من الاندماج والتكامل الاقتصادي مع دول مجلس التعاون الخليجي وذلك لما فيه مصلحة الجميع.
مصالح مشتركة
وقال وكيل وزارة المالية في دراسة أعدها عن »واقع ومستقبل سوق العمل اليمني والخليجي في ظل المتغيرات المحلية والاقليمية والدولية« حصلت عليها »الميثاق«، ان هناك مصالح اقتصادية مشتركة ناتجة عن الاندماج »التكامل« الاقتصادي اهمها اتساع حجم السوق حيث ان التكامل الاقتصادي يعمل على حل مشكلة ضيق الاسواق وبالتالي تجد المنتجات المختلفة اسواقاً اوسع ومجالات اكبر.. وتنويع فرص استغلال الموارد وزيادة قابلية استخدامها تجارياً في ميادين الانتاج المختلفة حيث ان امتداد حدود منطقة دول الخليج اقتصادياً وزيادة امكانات الانتاج تعمل على تنويع مصادرها وتزيد من اعتماد الدول الاعضاء على بعضها البعض في الحصول على متطلباتها من السلع والخدمات ومن عوامل الانتاج.. وبالتالي تقلل من وارداتها من السلع والخدمات بما فيها عنصر العمالة الوافدة.. والاستفادة من المهارات الفنية والايدية العاملة المحلية بشكل افضل وعلى نطاق واسع كون التكامل الاقتصادي يودي الى تطبيق مبادئ تقسيم العمل الفني والـوظيفي.
ومن بين المصالح المشتركة تحسين شروط التبادل وتعزيز القدرة على التفاوض بين دول المجلس بما فيها اليمن وبين بقية دول المنطقة والعالم الخارجي بما يخدم مصلحة دول الخليج العربي، حيث ان هناك علاقة قوية بين الدول المتكاملة اقتصادياً وبين زيادة اهميتها سواءً على المستوى الاقليمي او على المستوى الدولي كونها اصبحت تتمتع بميزة المساومة الجماعية الاحتكارية.
بالاضافة الى زيادة معدل النمو الاقتصادي حيث انه من خلال اتساع نطاق السوق وما يتبعه من زيادة الطلب على السلع المنتجة سيؤدي ذلك الى زيادة حافز الاستثمار، كون الفرص تصبح مهيأة أمام رأس المال في مختلف بلدان المنطقة لتحقيق الربح من خلال توظيف الاموال في وسائل انتاج هذه السلع.
كما يعد التكامل الاقتصادي خطوة الى الامام في مجال التنسيق والتكامل الاقتصادي العربي، حيث انه لا يتعارض مع المادة التاسعة من ميثاق الجامعة العربية التي تشجع الدول العربية الراغبة في تعزيز التعاون والترابط فيما بينها، كون النتيجة النهائية هي تطوير وتقوية المصالح الاقتصادية لهذه الدول.. وتعزيز حماية نفسها، وبالتالي المساهمة بفاعلية أكبر في تقوية النظام العربي والقدرة على التفاوض مع أي مجتمع أو تكتل اقليمي او دولي من موقف قوة.
تكامل سوق العمل
ونوه الدكتور علي محمد شاطر مثنى الى أن اليمن تتميز بوفرة نسبية في الموارد البشرية »قوة العمل« مقارنة بالموارد البشرية لدول الجوار، وكذلك بأجور منخفضة نسبياً مقارنة بأجر العمالة العربية الاخرى والعمالة الآسيوية العاملة في دول مجلس التعاون الخليجي، وبالتالي يمكن لفائض العمالة اليمنية ان تسد بعض حاجات سوق العمل الخليجي خاصة من العمالة الماهرة وشبه الماهرة في العديد من القطاعات مثل الزراعة، التشييد، الصناعة وغيرها من مختلف الانشطة الاقتصادية والخدمية هذا من جهة.. ومن جهة اخرى، فإن اليمن ترتبط مع دول المجلس ارتباطاً مصيرياً وتجتمع معها بعادات وتقاليد واحدة، وبالتالي لا يمكن ان تشكل العمالة اليمنية خطراً على هيكل المجتمع الخليجي في حالة بقائها لفترة طويلة او حتى منحها الجنسية الخليجية وانصهارها في المجتمع الخليجي.
وهذا عكس الحال بالنسبة للعمالة غير اليمنية وخاصة منها العمالة الآسيوية، والتي لا يستبعد ان يحصل غالبيتهم على الجنسية الخليجية في المستقبل القريب.
ودعا الأخ الوكيل الى وضع وبلورة سياسات واستراتيجيات جديدة لدول المجلس الخليجي تتركز اساساً في الحد من حجم الهجرة وتخفيض حجم العمالة الآسيوية، وجعلها أكثر انتقائية ونوعية مما كانت عليه في السابق، بل واحلالها بالعمالة العربية وخاصةً منها اليمنية بالاضافة الى التأني ودراسة جميع الخطوات المستقبلية بشكل جيد وجدي والتي تؤدي الى التوقيع والمصادقة على الاتفاقيات الدولية وخاصة منها ما يتعلق باتفاقيات العمل الدولية.
وأجمل مثنى فوائد توحيد سوق العمل لدول شبه الجزيرة العربية في المساهمة في حل الخلل القائم سواءً على مستوى هيكل التركيبة السكانية او على مستوى هيكل تركيبة القوى العاملة، والحد من الاختلالات والاخطار المترتبة على العمالة الاجنبية وخاصة منها الآسيوية على النسيج الثقافي والقيمي والاخلاقي.. والتخفيف من التحويلات المالية الي خارج منطقة الخليج، وبالتالي زيادة تدفقها للدول المصدرة للعمالة داخل دول شبه الجزيرة العربية مما يؤدي الى زيادة الطلب على السلع وتعزيز نمو القطاعات الانتاجية، بالاضافة الى ان توحيد سوق العمل يعتبر في حد ذاته مصدراً لبعث الهوية الخليجية العربية من جديد، بل ومصدر ضمان بقائها في المستقبل، كما يعد خطوة اولى للتنسيق في مجال القوى العاملة ليس فقط على مستوى دول شبه الجزيرة العربية بل على مستوى الوطن العربي.
متطلبات
وحول متطلبات توحيد سوق العمل ذكر وكيل وزارة المالية انها تتضمن العمل الجاد والمخلص لتحقيق الشراكة والتعاون والتكامل ليس فقط على مستوى سوق العمل، بل على كافة الاصعدة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وذلك لما يخدم مصالح البلدان جميعاً، وفي نفس الوقت يواجه تحديات ومخاطر عصر العولمة.. والعمل على مقاربة التشريعات والقوانين في مجال العمل وخاصة من قبل اليمن، والتي بالتالي تخلق الانسجام التشريعي والقانوني من أجل تحقيق أهداف توحيد سوق العمل.. ووجود قاعدة بيانات مشتركة عن سوق العمل اليمني ودول الخليج العربي، أي تبادل المعلومات والبيانات في مجال سوق العمل من حيث حجم القوى العاملة، وحجم التشغيل وفي مجالات التأهيل والتدريب حتى يتم معرفة وتحديد احتياجات كل سوق بكل دولة من حيث الكم والنوع ومدى قدرة السوق اليمني أو غيره من أسواق دول شبه الجزيرة العربية في توفير هذه الاحتياجات.
وتشتمل متطلبات توحيد سوق العمل على تسهيل انتقال العمالة بين جميع دول شبه الجزيرة العربية وبما يحقق الأولية لتشغيل العمالة المحلية.. والمشاركة من قبل القطاع الخاص والعام في جميع دول شبه الجزيرة العربية في تأهيل وتدريب القوى العاملة المحلية لما لعنصر العمل من أهمية كبيرة في تنمية العنصر البشري وزيادة الكفاءة الانتاجية، ولما لهذه المساهمة المشتركة من مردود ايجابي لجميع الدول وخاصة على المدى المتوسط والطويل.
وكذا تشجيع الجانب الاستثماري بين دول شبه الجزيرة العربية والذي يؤدي الى توسيع القاعدة الانتاجية وبالتالي الى التخفيف من معدلات البطالة بكل أشكالها.
وشدد وكيل وزارة المالية على أنه اذا ما سعت جميع دول شبه الجزيرة العربية الى التعاون الجاد وتحقيق الشراكة والتكامل الاقتصادي بما فيها سوق العمل فيما بينها، فإن هذا يضمن تحقيق مصالحها اولاً، بل ويفتح الآفاق لبناء اتحاد قوي ومتماسك معتمد على قاعدة اقتصادية قوية ودعم اجتماعي واسع، وبالتالي يكون هذا الاتحاد قادر على مواجهة المستجدات والاحداث الاقليمية والعالمية المتسارعة والخطيرة على كافة المستويات الاقتصادية والثقافية والاجتماعية والامنية.
|