حوار: علي الشعباني -
حذر الدكتور جمال سند السويدي مدير عام مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية من خطورة الفكر التوسعي الإيراني على أمن المنطقة واستقرارها من خلال افتعال التوترات والإشكاليات وإشعال الحرائق في بؤر إقليمية لتحقيق الأهداف المشبوهة لبعض تيارات الداخل الإيراني.
وأكد السويدي في حديث لـ»الميثاق« وجود تدخل إيراني في الشؤون الداخلية لليمن وبعض الدول العربية، وأن إيران تقوم بدور توسعي لا يأخذ في الاعتبار مصالح دول المنطقة ولا شعوبها بل يحاول الإتكاء على مكتسبات دول المنطقة والهيمنة على مقدراتها.
وقال: إن هناك مصالح مشتركة بين تيارات وقوى إيرانية ذات ثقل ضمن هرمية نظام الحكم الإيراني من ناحية وتنظيم القاعدة وغيره من الجماعات المتشددة من ناحية ثانية.
{ ما تفسيركم للتدخّل الإيراني المستمرّ في الشؤون اليمنيّة عبر التبنّي الكامل لحركة التمرّد الحوثيّة؟ وما مخاطر ذلك على دول المنطقة؟
ـ ما يثار، رسمياً وإعلامياً، في الوقت الراهن بشأن التدخّل الإيراني في الشأن اليمنيّ هو جزء من دائرة أوسع لأخبار وتقارير ودراسات تشير إلى التحرّكات الإيرانية في المنطقة بشكل عام، وقد لا يكون من قبيل المفارقة الإشارة إلى أن تنامي الحديث عن اتهامات يمنيّة لإيران بالتورّط في أحداث "صعدة" لا ينفك مطلقاً عن إشارات وشواهد واتهامات رسمية وغير رسمية مباشرة وغير مباشرة وجّهت إلى إيران - أو إن شئنا الدقة - إلى دوائر وتيارات معينة ذات تأثير داخل إيران، بالاضطلاع بأدوار مماثلة ومشابهة في مناطق ودول عربية أخرى، منها مصر والعراق ولبنان ودول خليجية؛ بل ومن المهم الالتفات إلى أن أصابع الاتهام التي كانت توجه تقليدياً من المنطقة إلى كل من واشنطن وتل أبيب متهمة إياهما بتدبير اضطرابات وقلاقل وأحداث في هذه الدولة العربية أو تلك؛ باتت تتّجه صوب طهران. وبطبيعة الحال من الصعب وضع مجمل ما يحدث في دائرة "الشكوك" أو تفسيرها في إطار "نظرية المؤامرة"؛ بحكم اختلاف الأحداث والأوضاع الداخلية لكل دولة على حدة، بل وتفاوت مستوى العلاقات بين إيران وكل من الدول التي تنطلق منها أصابع الاتهام هذه. وهذا يعني أن مجمل هذه الشواهد يجعل من الصعب أن نقول إن هناك ما يشبه الاتفاق أو "التآمر" الجماعي على إيران من خلال الادعاء بتورطها في كل هذه القلاقل والأحداث. كما أنه ليس من قبيل المصادفة أن يتزامن توقيت صدور هذه الاتهامات مع شواهد أخرى عدة تضفي قدراً من المنطقية على وجود "بصمات" لدور إيراني ما في هذه الأحداث أو تلك؛ فعلى سبيل المثال كان غريباً أن ينقسم الساسة المقربون من طهران في بعض دول المنطقة على أنفسهم عند الحديث عن دور إيراني مباشر في إثارة القلاقل والاضطرابات داخل دولهم، فبعضهم ينفي جاهداً التهمة عن حلفائه في إيران محاولاً تبرئة ساحتهم، بينما يكيل رفاقه على الدرب الاتهامات ذاتها إلى الحلفاء ذاتهم! وأنا هنا أتحدث كمراقب موضوعي للأحداث محاولاً التعبير عما تجيش به صدور العامة في الشارع العربي، كما أنني أحاول أيضاً فهم حدود الدور الإيراني وأبعاده وأهدافه، ولا أدعي امتلاك أدلة أو براهين موثقة على وجود تدخل إيراني في هذه الدولة أو تلك، ولكني أستند في ذلك بالأساس إلى موثوقية السلطات الرسمية في دول عربية عدة، والتي أشارت بأصابع الاتهام صوب الجانب الإيراني. أما تفسير التدخل الإيراني في اليمن أو غيره، فلا يصعب على أي مراقب جيد لتطورات الأحداث في منطقتنا خلال السنوات الأخيرة، فهم الدوافع الإيرانية، وهي تراوح بين "السياسي" و"الاستراتيجي" و"العقائدي"، وهذا الدافع الأخير تحديداً يمثل البعد الأخطر، بل لا مبالغة في أن نقول إنه يعدّ بمنزلة "الحزام الناسف" الذي يهدد أمن المنطقة واستقرارها بأكملها.
مساعدة إيران
ولا يخفى على أحد أن إيران تسعى لتوظيف دورها في بؤر الصراع المختلفة والملفات الملتهبة في منطقة الشرق الأوسط في إطار صراعها مع الغرب، فالدور الإيراني الذي يتحدث عنه ويشير إليه الجميع في الشأن الداخلي الفلسطيني واللبناني وبعض دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وأيضاً دورها في اضطراب الأوضاع الداخلية في دول مثل العراق واليمن أيضاً، بل وفي محاولتها التدخل في الشأن الداخلي لأكبر دولة عربية وهي مصر عبر ما أثير بشأن ما يعرف إعلامياً بقضية "حزب الله" اللبناني في الأشهر الأخيرة - هذا كله يمثل أوراقاً إضافية تعتبرها طهران تعزيزاً لموقفها التفاوضي بحكم ما تفرزه هذه الأدوار والسياسات الإقليمية الإيرانية من نتائج وانعكاسات استراتيجية بالغة التأثير في المصالح الغربية في المنطقة. وربما لا يرى بعضهم في ذلك أي غضاضة؛ لأن السياسة لعبة قائمة على المصالح، ولكن الأمر المزعج أن تجد أن هناك أطرافاً عربية من داخل الدول التي تصنف كأهداف لإيران تساعد طهران على تحقيق مآربها من دون أدنى مراعاة للمصالح الوطنية للدول والشعوب التي تنتمي إليها هذه الأطراف والقوى العربية، بل إن إيران تنجح أحياناً كثيرة في استغلال مناخ الخلافات العربية-العربية المزمنة، وتستقطب دولاً عربية كي تمارس دوراً، أو أدواراً ما ضد دول عربية أخرى!!
الإمارات تدرك مهامها
{ تعتبر اليمن والإمارات العربية المتحدة الدولتين اللتين تواجهان التدخلات الإيرانية بشكل مباشر في المنطقة. في رأيكم، ما التداعيات المحتملة لتلك المواجهة في المرحلة المقبلة؟
ـ برغم ما يشوب مناخ العلاقات الإماراتية-الإيرانية من فتور واضح، وما يخيم عليه من أزمة يدرك القاصي والداني أسبابها المتمثلة في استمرار احتلال إيران الجزر الإماراتية الثلاث (طنب الصغرى وطنب الكبرى وأبوموسى) وما تفرزه هذه الأزمة من تداعيات على العلاقات الثنائية؛ جراء الموقف الإيراني الرافض أي حلول أو تسويات سلمية طرحتها الدبلوماسية الإماراتية طوال سنوات مضت، فإن ذلك ربما يقودنا إلى إدراك أن مساعي إيران للاعتراف بها كقوة إقليمية كبرى، وهو أمر لا تنكره طهران بل تكرره كثيراً في خطب وتصريحات الرئيس الإيراني، ما يعني ضمنياً طموح إيران إلى توسيع دائرة نفوذها، سواء في الإمارات أو في غيرها من دول المنطقة، بل إن الأمر امتد إلى أفريقيا، ولكن من المعروف أن قيادتنا الرشيدة تدير علاقات دولة الإمارات مع الجار الإيراني بدقة وحزم بالغَين، وتدرك أبعاد هذه العلاقة وتفاصيلها وتضعها في إطارها الصحيح حفاظاً على الخيط الرفيع الذي يربط بين حقوق الجوار من ناحية، ورفض فكرة التدخل في شؤون الآخرين من ناحية أخرى، وحفاظاً على حقوقنا الثابتة أيضاً في استعادة جزرنا الثلاث المحتلة وفقاً للنهج السلمي الذي اختارته قيادتنا الرشيدة سبيلاً لتسوية هذه القضية. كما أن المناخ العام في دولة الإمارات لا يوفر الفرصة لأي أيدٍ خارجية تسعى للعبث بأمن البلاد، فالجميع يعرف أن هناك حالة عامة من الالتفاف بين القيادة والشعب، يرافقها حرص على تطبيق معايير ومبادئ حقوق الإنسان والمواطنة والعدالة والشفافية والمساواة الاجتماعية والتسامح الديني وتمكين المرأة، الرفاهية الناتجة عن ارتفاع مستوى الدخل، وضمان الحريات السياسية، والأمن الحمائي وتوفير شبكات الأمن الاجتماعي المناسبة للمجموعات الضعيفة في المجتمع، وهذا كله يقطع الطريق أمام إيران أو غيرها للتدخل في شؤوننا الداخلية. ومن ثم فربما لا يكون هناك في قاموس الدبلوماسية الإماراتية ما وصفته في سؤالك بالمواجهة بين الإمارات وإيران، بل هي علاقات جوار تحكمها حقائق التاريخ والجغرافيا والمصالح المشتركة بين الشعبين، وذلك كله انطلاقاً من ثوابت راسخة في السياسة الخارجية الإماراتية التي ترتكز على مبادئ وأسس عدة، أهمها إقامة علاقات جيدة مع دول الجوار، وتسوية النزاعات بالطرق السلمية، وتشجيع التسامح وعدم التدخل في شؤون الآخرين، واحترام استقلالية الدول وسيادتها.
المصالح أساس العلاقات
{ المراقب عن كثب لشؤون الجماعات الإرهابية، ومنها تنظيم "القاعدة"، يلمس تعاوناً لا محدوداً بين المخابرات الإيرانية وهذا التنظيم.. ما تقييمكم لهذه العلاقة؟
ـ ما يتردّد في هذا الإطار عبارة عن معلومات استخباراتية وتقارير إعلامية، وأحياناً استنتاجات خبراء ومراقبين تعتمد على كثير من الشواهد والقرائن المنطقية التي لا ترقى بطبيعة الحال إلى "الدلائل والبراهين" الموثّقة التي تقطع بالإدانة وثبوت أي علاقة تحالف مشبوهة بين الطرفين، ولعل أشهر هذه التقارير والشواهد هو ما تردّد لفترات طويلة حول إيواء إيران أحد أنجال زعيم تنظيم "القاعدة" وكذلك بعض العناصر القيادية في التنظيم، عقب انهيار نظام "طالبان" في أفغانستان، وما قيل وقتذاك بأن صفقة تبادلية لتسليمهم إلى الولايات المتحدة، وما تردّد أيضاً بشأن تسليم إيران عناصر متطرفة للسلطات الأمنية في إحدى الدول الخليجية، وغير ذلك الكثير والكثير من الروايات الصحفية وأحيانا الرسمية؛ وبالتالي ما أستطيع التطرق إليه في هذه الجزئية تحديداً هو القول بأن هناك شبكة بالغة التعقيد من "المصالح المشتركة" نشأت بين تيارات وقوى إيرانية ذات ثقل ضمن هرمية نظام الحكم الإيراني من ناحية وتنظيم "القاعدة" وغيره من الجماعات المتشددة من ناحية ثانية، وقد حدث ذلك في مراحل وتوقيتات معينة من الأزمات التي شهدتها دول المنطقة في السنوات الأخيرة، وأن هذه المصالح أو الأرضيات المشتركة تفرز بطبيعة الحال أهدافاً مشتركة، وهذه هي القاعدة الحاكمة، سواء بين المخابرات الإيرانية وبين تنظيم "القاعدة" أو أيّ لاعبين آخرين في المنطقة، وربما كانت الساحة العراقية صالحة كحالة دراسية للتعرُّف على طبيعة المراحل التي تمرّ بها علاقات أطراف الصراع في ساحات المواجهة، حيث التعاون أحياناً والصراع في أحيان أخرى، علماً بأن للتعاون والصراع أيضاً درجات ومستويات وطرقاً مباشرة وغير مباشرة؛ بمعنى أن التعاون بين طرف وآخر ربما لا يتم بالضرورة بشكل سافر أو بناءً على اتفاق ما، بل قد يتم من وراء الكواليس بحيث يساعد أحدهما الآخر على تحقيق أهدافه مادامت تطابقت مع رؤيته الاستراتيجية حتى وإن لم يدرك الطرف المستفيد هوية الطرف الذي يساعده أو حتى حدود هذه المساعدة وأهدافها، بل ربما لا يدرك من الأساس أنه قد حصل على مساعدة لوجستية أو مالية من طرف آخر لتنفيذ أهدافه. وبشكل عام، أعتقد أن الخلافات الأيديولوجية الظاهرية بين "القاعدة" وأيّ أطراف شيعية لا تشكل عنصراً فارقاً في بناء التحالفات ومنظومة العلاقات على هذا الصعيد، بدليل احتفاء إيران بقاتل الرئيس المصري الراحل أنور السادات، ورفضها تماماً التخلي عن جدارية توثق هذا الحدث الإرهابي الذي دبرته ونفذته جماعة متطرفة تنتمي إلى المذهب السنّي! والمقصود هنا أن الخلاف الديني أو المذهبي لا ينفي إمكانية قيام تحالفات بين تنظيمات إرهابية تنتمي إلى المذهب السني وأي جماعات أو جهات تنتمي إلى المذهب الشيعي، برغم لغة الخطاب العدائية التي يستخدمها الطرفان ضد بعضهما في أحيان كثيرة؛ فالمصالح باتت هي الأساس في العلاقات.
أهداف مشبوهة
{ عند دخول الخميني طهران أطلق مقولته الشهيرة "العرب حكموا المسلمين وكذلك الأتراك، فلماذا لا تحكم فارس العرب والمسلمين؟!".. بوصفكم مديراً عاماً لمركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.. هل تعتقدون أن إيران تستطيع من خلال مشروعات "الحوزات الشيعية" وإثارة الصراعات الطائفية تحقيق مشروع فارس في الجزيرة العربية؟
ـ في الحقيقة، إن أي حديث عن مثل هذه الأمور ينطوي على تبسيط مخل وتحليل لا يستند إلى المنطق، فطموح إيران التوسعي ربما لا يخفى على أي ذي بصيرة، ولكن المسألة ليست بهذه البساطة، وأنت تتحدث عن دول باتت تمتلك من القوة والاقتدار ما يؤهلها للدفاع عن مصالح شعوبها وإنجازاتها التنموية، ولكن هذا كله لا ينفي بأي حال خطورة الفكر التوسعي الإيراني على أمن المنطقة واستقرارها من خلال افتعال التوترات والإشكاليات وإشعال الحرائق في بؤر إقليمية ربما تمتلك، في الأساس، مقومات ذاتية للاشتعال، أو يتم توظيف عوامل معينة لتحريك نار الوقيعة والفتنة وصولاً نحو تحقيق الأهداف المشبوهة لبعض تيارات الداخل الإيراني. وأتصور، شخصياً، أن أخطر ما في الفكر السياسي الإيراني لا يكمن في فكرة التوسع وما يتردد من سيناريوهات بشأن الإمبراطورية الفارسية والمجد الغابر وغير ذلك، ولكني أعتقد أن السلوك الأخطر والأكثر تأثيراً، على الأقل في الوقت الراهن، هو إصرار طهران على الإمساك بتلابيب قضايا المنطقة وإبقاء مفاتيح الحل في مختلف التوترات والصراعات بين يديها، واستخدام هذه القضايا كأوراق ضغط في إطار لعبة المساومات النووية الدائرة مع المجتمع الدولي، وبالتالي ربط مصائر الشعوب واستقرار بعض دول المنطقة وأمنها الداخلي بتسوية إيران نزاعاتها مع العالم، ولعل المثال الأبرز على ذلك موقف إيران تجاه القضية الفلسطينية، وتشجيعها حركات المقاومة الفلسطينية على الانقسام والتفتت والصراعات الداخلية، وتبني خيارات لا يدفع ثمنها الباهظ من دمه وأمنه واستقراره المعيشي سوى الشعب الفلسطيني المحاصر، وكذلك الأمر في لبنان الذي لايزال يعاني في تشكيل حكومته بسبب التدخلات الخارجية، وما يحدث في العراق لا يخفى من تدخلات ومؤامرات وعنف دفع ثمنه الأشقاء العراقيون غالياً من دمائهم ودماء أبنائهم وعائلاتهم، وكذلك من وجوه المعاناة اليومية، التي لا تليق بدولة كبيرة وشعب ذي حضارة عريقة مثل الشعب العراقي الشقيق وغيره من الشعوب التي أصبحت أزماتها وقوداً ورصيداً مضافاً تستخدمه الدبلوماسية الإيرانية في تعاطيها مع الغرب.
ثمّة أمر آخر يتمثل في إصرار إيران على إبقاء الأمن والاستقرار في منطقة الخليج العربي رهن إرادة الساسة الإيرانيين ورؤيتهم للبدائل المتاحة في التعاطي مع أي تهديدات موجهة إليهم من دول أخرى، فغالباً ما نسمع عن سيناريوهات لإغلاق "مضيق هرمز"، وتهديد المصالح الاقتصادية لدول المنطقة تارة، وسيناريوهات أخرى للانتقام الإيراني عبر توجيه الصواريخ باتجاه مدننا ومنشآتنا النفطية في دول الخليج كافة، ناهيك عن انتفاء أي فرص كي تتعامل إيران بشفافية وتطمئن جوارها الجغرافي بشأن "سلمية" برنامجها النووي، وسلامة آليات الأمن والسلامة المتبعة في منشآت قادرة على تشويه أجيالنا وإصابتهم بالأمراض السرطانية في حال حدوث أي تسرّب نووي من تلك المنشآت التي تقلّ مسافات قربها الجغرافي من بعض مدن دول "مجلس التعاون" عن المسافات التي تفصل بينها وبين طهران بمراحل!
خلاصة القول: إن لإيران مشروعها الإقليمي، وهذه ليست فرضية جدلية، وإنما هي حقيقة ماثلة، لها من الشواهد والتجليات ما يصعب حصره أو الحديث عنه بشكل تام، ولاسيما أن النفي الإيراني المتكرر للتدخل في شؤون بعض دول المنطقة يرافقه تبنٍّ ودعم إعلامي إيراني واضح للتمرد وعناصر مناوئة للأنظمة الشرعية الحاكمة في دول عربية مثل اليمن وغيرها.
الحفاظ على أمن المنطقة
{ ما المطلوب من دول الجزيرة العربية واليمن لحماية الأمن القومي العربي بشكل عام من أي تدخلات خارجية، ومنها التدخلات الفارسية؟
ـ نود التأكيد في هذا المجال على دعم دولة الإمارات لوحدة اليمن وأمنه واستقراره، ولعلك لاحظت ذلك من خلال المواقف والتصريحات الرسمية الصادرة عن قيادتنا الرشيدة في هذا الشأن، والتي ترافقت مع توجيهات بتقديم الدعم والمساعدة للنازحين من أبناء الشعب اليمني في صعدة، حيث تتولى هيئة الهلال الأحمر بدولة الإمارات ذلك بتوجيهات مباشرة من صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة ـ حفظه الله ـ ودعم من جانب الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، ومتابعة سمو الشيخ حمدان بن زايد آل نهيان ممثل الحاكم في المنطقة الغربية رئيس هيئة الهلال الأحمر، التي تقوم أعمال إغاثية وتقدم الاحتياجات الإنسانية الضرورية وتنفذ برامج إنسانية للمتأثرين والمتضررين من هذه الأحداث - كما نعتقد أن مؤسسة العمل الجماعي الخليجي- وأقصد هنا "مجلس التعاون لدول الخليج العربية"- لا تألو جهداً في دعم اليمن ومساندته والتمسّك بوحدته وأمنه واستقراره، باعتبار أن ذلك يندرج ضمن أولويات المجلس ومصالحه التي ترى في اليمن عمقاً استراتيجياً حيوياً لدول "مجلس التعاون"، وفي هذا الإطار تعكس مواقف قادة دول المجلس إدراكاً واعياً لخطورة أي اضطرابات داخلية يمنية على أمن دول المجلس واستقرارها جميعاً، وهذه الخطورة لا ترتبط بالتيقن بوجود دور إيراني في أحداث اليمن من عدمه، وإنما ترتبط في الأساس بأهمية الحفاظ على أمن دول المنطقة جميعاً واستقرارها، بغضّ النظر عن العوامل والأسباب التي تقف وراء التوترات والقلاقل الداخلية في أيّ من دول المنطقة. كما أتصوّر أن البعد المذهبي في التمرّد الحادث في اليمن يضفي مزيداً من الخطورة على الوضع، ولاسيما أن المنطقة تموج بنذر الفتن الطائفية والمذهبية وتختلج فيها عوامل الصراع الديني التي تلقى تشجيعاً ودعماً من أطراف إقليمية لا تألو جهداً من أجل ترجمة سيناريوهات الخطر المحتملة إلى واقع ملموس يشعل المنطقة ويحوّلها إلى ساحة للصراعات والكوارث! لكني أعتقد أيضاً أن بروز أخطار مثل تلك الموجودة في العراق واليمن تحديداً، تتطلّب بلورة استراتيجية جماعية خليجية ترتكز على رؤية مشتركة لمصادر الخطر والتهديدات المحتملة التي تواجه دول المجلس في الوقت الراهن، وخصوصاً أن الفراغ الناجم عن غياب الدور العربي في العراق قد أسفر عن تضخم في دور إيران التي كثفت جهودها طوال السنوات الأخيرة من أجل ملء الفراغ الاستراتيجي وتعميق خلافات الساحة العراقية ومحاولة ضمان سيطرة قوى سياسية حليفة على السلطة في هذا البلد الشقيق عبر طرق وأدوات ووسائل عدة. وفي مواجهة ذلك كله يبقى التعاطي الخليجي بشكل خاص والعربي بشكل عام مع أزمات المنطقة ومشكلاتها يتسم بقدر كبير من الحذر والتباطؤ بل وعدم الفاعلية في حالات كثيرة، وهذا عائد في الأساس إلى ما تعانيه العلاقات العربية-العربية من متاعب وخلافات بينية تنعكس بطبيعة الحال سلباً على العمل العربي المشترك، ما أدّى إلى إبعاد أي مواقف أو حديث عن أيّ دعم سياسي عربي لهذه الدولة أو تلك عن دائرة التأثير الفعلي. وفي الحالة اليمنية تحديداً يبدو الدعم العربي حذراً خشية فتح جبهة توتر عربية-إيرانية جديدة، وما يعنيه ذلك من اتساع دائرة خلافات تنأى بعض الدول العربية بنفسها عنها، بل وتقدم إسناداً مباشراً لإيران في مواقفها المناوئة لتيار عريض من الدول العربية.
الاتفاق على الأولويات
{ كلمة أخيرة؟
ـ في اعتقادي أن إيران تمتلك رؤية استراتيجية محددة لدورها الإقليمي في القرن الحادي والعشرين، وهو دور توسّعي لا يأخذ في الاعتبار مصالح دول المنطقة ولا شعوبها، بل ويحاول الاتّكاء على مكتسبات دول المنطقة والهيمنة على مقدراتها، وما يحدث حالياً، وجلّ التحركات الإيرانية في هذا الصعيد، تستهدف ترجمة بنود هذا المشروع إلى واقع عملي، أو على الأقل إيجاد الثغرات والمنافذ التي تتيح تحقيق الأهداف الاستراتيجية الإيرانية مستقبلاً، وأخطر ما في ذلك كله هو اللعب على وتر الطائفية ومحاولة التدخل في شؤون دول المنطقة من خلال العامل الديني، وما يعنيه ذلك بالنسبة إلى منطقة ذات فسيفساء طائفية اتسمت بالتعايش والتسامح طوال قرون مضت، ولم تشهد أي خروقات أو تجاوزات على هذا الصعيد سوى عقب امتداد الأيدي الإيرانية وتلاعبها بهذا الملف العقائدي الشائك منذ قيام الثورة الإيرانية عام 1979، وما تلى ذلك من أفكار وطموحات كانت دول الخليج العربية في القلب منها، بل لا مبالغة إن كانت ومازالت هدفاً رئيسياً لها. ولا أشك في أن إيران نجحت في استقطاب الكثير من القوى والتيارات في بعض دول المنطقة ووظفتها لمصلحتها، سواء بحكم تلاقي المصالح بينها وبين قوى سياسية وأمنية إيرانية، أو باستغلال السذاجة السياسية لدى بعض التيارات في دولنا العربية، خصوصاً من يصدقون الشعارات الخاصة بالدفاع عن الدين الإسلامي والوقوف في وجه من تصفهم إيران بالأعداء والبعوض والشياطين، وغير ذلك من شعارات خاوية لم تثبت الأحداث جديتها أو صدقيتها. وهذا "التعاون" بين إيران وبعض التيارات المعارضة أو المناوئة للأنظمة الحاكمة في بعض الدول العربية يؤثّر بشكل جدي في توجيه مسار الدور الإيراني في المنطقة، حيث تجد إيران أبواق إسناد إعلامي واضحة لها في الساحات الإعلامية العربية، لدرجة أن هناك من تحدث عن "لوبي إعلامي إيراني" في إحدى الدول العربية، وهناك من ينتصر لكل ما يصدر عن طهران ويدافع عنه حتى ولو جاء ذلك خصماً من رصيد الأمن والاستقرار في بلده الأم! وهنا لا أتهم أحداً بالتقصير في مواجهة نفوذ إيران وتغلغلها، ولكني ألفت الانتباه إلى أن نجاح إيران في استقطاب كتّاب ووسائل إعلام عربية تعمل لمصلحتها يمثل أحد مكامن الخطر التي تستحق الانتباه، كما أعتقد أن هناك حاجة خليجية ملحة إلى بناء تصور استراتيجي محدد حول مصادر التهديد التي يواجهها أمن دول "مجلس التعاون لدول الخليج العربية"، وبالتالي الاتفاق على أولويات العمل وماهية العلاقة مع إيران، وبلورة صيغة محددة للأمن الإقليمي بدلاً من التفاوت في تقدير مصادر التهديد وما ينطوي عليه هذا الأمر من تباينات قطرية تنعكس أحياناً في تصريحات القادة والمسؤولين الخليجيين.